يعد كتاب «النظريات الحديثة في علم الاجتماع» لمؤلفيه جورج ريترز وديفري ستيبنسكي، أحد الكتب العلمية الرائدة في مجال النظريات الاجتماعية، نظراً لحداثته وشموليته في تناول النظريات الاجتماعية، وعرضها بشكل متسلسل، بدءاً من الحضارات القديمة حتى العصر الحديث، ولم يكتف المؤلفان في عرض النظريات الاجتماعية بالتسلسل الزمني فقط، بل حاولا كذلك تصنيف تلك النظريات على أساس الخلفيات الثقافية والإرهاصات الاجتماعية لتلك النظريات، ناهيك عن توزيع الفصول بشكل شائق ومنظم يستطيع من خلاله الباحثون تكوين فهم أعمق لحيثيات نشوء النظرية، وأهم الإشكالات العلمية التي ناقشتها.
يمتاز الكتاب بأطروحاته الشاملة، حيث تضمن الكثير من النظريات الكلاسيكية حتى نظريات ما بعد الحداثة، وتطرق في الجزء الأول إلى مقدمة في أهم النظريات الكلاسيكية، ثم تطرق في الجزء الثاني إلى أهم المدارس الرئيسية الحديثة مثل البنيوية الوظيفية ونظريات الصراع والتبادل الاجتماعي والتفاعل الرمزي، وفي الجزء الأخير استعرض النظريات الحديثة والمعاصرة ونظريات ما بعد الحداثة مثل نظريات العرق والاستعمار والعولمة إلى نظرية كوبر وشبكة الفاعلين.
*رصانة
يضم الكتاب العديد من السير الذاتية لعلماء الاجتماع وبين الكثير من الجوانب الخفية لنشوء تلك النظريات والعوامل التي ساعدت على انتشارها وقبولها في أوساط الأكاديميين، فالكتاب من أهم الكتب التي ناقشت النظريات الحديثة في علم الاجتماع، ودورها في نهوضه كعلم رصين يتطلع إلى إبراز القضايا العالمية والمجتمعية وتحليلها بشكل علمي دقيق.
يوضح الكتاب أن مسلسل الثورات السياسية التي أطلقتها الثورة الفرنسية عام 1789 واستمرت طوال القرن التاسع عشر، هي العامل الأكثر إلحاحا في ظهور التنظير الاجتماعي، وكان تأثير هذه الثورات على العديد من المجتمعات هائلاً، حيث أسفرت عن العديد من التغييرات الإيجابية، ومع ذلك فإن ما جذب انتباه العديد من المنظرين الأوائل هو الآثار السلبية لهذه التغييرات.
انزعج هؤلاء الكُتاب من الفوضى والاضطرابات الناتجة عنها، خاصةً في فرنسا، لقد وجدت بينهم رغبة في استعادة النظام في المجتمع، بل إن بعض المفكرين الأكثر تطرفاً في هذه الفترة أرادوا العودة إلى الأيام السلمية والمنظمة نسبياً في العصور الوسطى، ولكن أدرك المفكرون الأكثر حنكة أن التغيير الاجتماعي جعل مثل هذه العودة مستحيلة، ولهذا سعَوا بدلاً من ذلك إلى إيجاد قواعد جديدة للنظام في المجتمعات التي اضطربت بسبب الثورات السياسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
كانت الثورة الصناعية التي اجتاحت العديد من المجتمعات الغربية بشكل رئيسي في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، على قدر أهمية الثورة السياسية في تشكيل نظرية علم الاجتماع، ولم تكن الثورة الصناعية حدثاً واحداً، بل عدة تطورات مترابطة بلغت ذروتها في تحول العالم الغربي من نظام زراعي إلى صناعي.
مع تطور النظرية الاجتماعية كان هناك تركيز متزايد على العلوم، ليس في الكليات والجامعات فحسب، بل في المجتمع ككل، وكان علماء الاجتماع مشغولين بالعلوم منذ البداية، وأراد الكثير منهم تصميم نموذج علم الاجتماع على غرار العلوم الطبيعية والبيولوجية الناجحة، ومع ذلك سرعان ما تطور نقاش بين أولئك الذين قبلوا النموذج العلمي بصدق وأولئك (مثل فيبر) الذين اعتقدوا أن الخصائص المميزة للحياة الاجتماعية جعلت اعتماد النموذج العلمي أمراً غير حكيم.
يرى كثيرون أن التنوير يشكل عاملاً مهما فيما يتعلق بالتطور اللاحق لعلم الاجتماع، كان عصر التنوير مرحلة من التطور الفكري الملحوظ والتغيير في الفكر الفلسفي، تمت الإطاحة بعدد من الأفكار والمعتقدات القديمة، التي يتعلق العديد منها بالحياة الاجتماعية، واستبدالها خلال عصر التنوير وأبرز المفكرين المرتبطين بالتنوير مونتسكيو وروسو وغيرهما، وتأثر المفكرون المرتبطون بالتنوير بتيارين فكريين؛ هما الفلسفة والعلوم في القرن السابع عشر.
المصدر : صحيفة الخليج
