“علي بابا”.. نافذة لفهم تباين وتيرة النمو في اقتصاد الصين

“علي بابا”.. نافذة لفهم تباين وتيرة النمو في اقتصاد الصين

لا توجد شركة تجسد الفرص والمخاطر في نموذج النمو الحالي للاقتصاد الصيني مثل “مجموعة علي بابا القابضة”. فالنتائج الفصلية الأحدث لشركة التكنولوجيا العملاقة هي مثال نموذجي على التناقضات في الاقتصاد الصيني الذي يمضي بسرعتين متباينتين، إحداهما قوية والأخرى مضطربة في الوقت نفسه.

إليكم الأنباء السارة أولاً: نمت إيرادات “علي بابا” من وحدة الخدمات السحابية الرئيسية بنسبة 34% على أساس سنوي، متجاوزةً التوقعات. ورغم أن إسهام الوحدة في إجمالي المبيعات اقتصر على 16% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر، فإن النسبة تنمو بثبات طول العام. وتشكل هذه الوحدة موطن “كوين” (Qwen)، نموذج الذكاء الاصطناعي الرائج الذي جرى تنزيله أكثر من 10 ملايين مرة منذ إعادة إطلاقه، فيما يمثل نموها السريع إشارة إلى أن رهان “علي بابا” على مراكز البيانات قد بدأ يؤتي ثماره.

استثمارات “علي بابا” في الذكاء الاصطناعي تتماشى مع جهود الصين

في ظل توجيه معنوي من جاك ما الذي يستقر بأريحية حالياً في المجموعة التي شارك في تأسيسها بعد عملية إعادة تأهيل سياسي، تعهدت “علي بابا” باستثمار 380 مليار يوان (53.8 مليار دولار) على مدى ثلاث سنوات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتقنياته لترسيخ الريادة في القطاع.

ويشكل ذلك نهجاً أكثر جرأة بكثير مقارنةً بـ”تينسنت هولدينغز” المنافسة، التي تعهدت باستثمارات رأسمالية متواضعة نسبياً بقيمة 1.8 مليار دولار في الربع الماضي.

هذه الاستراتيجية تعجب المستثمرين، فهي تنسجم تماماً مع هدف الرئيس شي جين بينغ لحشد كل الجهود والموارد وتوجيهها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجموعة من القطاعات، لا سيما التكنولوجيا المتقدمة، ولا يقتصر ذلك على التنمية الاقتصادية، بل يشمل الأمن القومي.

الهدنة التجارية التي أُبرمت الشهر الماضي لم تنه المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، فأهداف بكين القومية التقنية، ورد واشنطن، ستمثل أحد الأسباب الرئيسية لتوتر العلاقات. 

مخاوف مبررة من مخاطر طموحات “علي بابا”

هناك تساؤلات مشروعة عن المخاطر المرتبطة بطموحات “علي بابا” في الذكاء الاصطناعي، إذ ارتفع مقياس للأرباح التشغيلية، يُعرف بـ”الأرباح المعدلة قبل احتساب الفوائد والضرائب والإطفاء”، في وحدة الخدمات السحابية بمقدار 132 مليون دولار فقط على أساس سنوي في الربع الماضي، بحسب ما كشفته “بلومبرغ إنتليجنس”، ما يُعد عائداً ضعيفاً على الاستثمار عند الأخذ في الاعتبار أن النفقات الرأسمالية الفصلية تضاعفت تقريباً خلال العام الماضي لتبلغ 4.4 مليار دولار.

هذه المخاوف مبررة في سياق التساؤلات العامة الأوسع نطاقاً عن عدم وجود تطبيقات ثورية للذكاء الاصطناعي، وسبل راسخة لتحقيق الأرباح، فيبدو أن الشركات الخاصة ومساهميها يدعمون انتشار الذكاء الاصطناعي الوطني.

مع ذلك، وبالنظر إلى التحديات التنظيمية السابقة المعروفة التي واجهتها “علي بابا”، فإن الاستمرار في التماشي مع أولويات الحكومة فكرة جيدة، بل يصبح ذلك خياراً أفضل إذا كان محل ترحيب من المستثمرين أيضاً.

خسائر في قطاع التوصيل مع دخول لاعب جديد

لكن “علي بابا”، كحال الاقتصاد الصيني نفسه، لا تعمل بأقصى طاقتها، فكاهل وحدة التجارة الإلكترونية، التي تسهم بنصف الإيرادات، يُثقله “تآكل النمو داخلياً”، وهي ظاهرة تشتد فيها المنافسة وتتسم بحروب أسعار تقضي على هوامش الأرباح، نتيجةً لذلك، هبط صافي الربح بمقدار النصف إلى 2.9 مليار دولار.

في فبراير، دخلت “جيه دي دوت كوم”، منصة بيع التجزئة الإلكترونية، بشكل مفاجئ إلى قطاع توصيل الطعام، وهو مجال تهيمن عليه “ميتوان”، رائدة السوق، و”علي بابا”. غير أن الشركات الراسخة في السوق لجأت إلى أساليب قاسية للدفاع عن مكانتها، فأعلنت “علي بابا” عن دعم بقيمة 7 مليارات دولار، وسرعت وتيرة إطلاق وحدة التجارة السريعة، التي تهدف إلى توصيل الاحتياجات اليومية خلال أقل من ساعة.

اقرأ أيضاً: أرباح “علي بابا” و”ميتوان” تحت ضغط حرب توصيل الطعام وسباق الذكاء الاصطناعي

أسفرت المنافسة عن خسائر في تلك الشريحة من نشاط التوصيل الأوسع نطاقاً، لدرجة دفعت أحد المحللين لوصفها بـ”المروعة”. وفي مؤتمر هاتفي مع المستثمرين هذا الأسبوع، أشار المدير التنفيذي لمجموعة التجارة الإلكترونية جيانغ فان إلى تحسن الوضع، ورغم أنه لم يحدد قيمة الخسارة الفعلية، فقد هبطت الخسارة لكل طلب خلال نوفمبر بمقدار النصف مقارنةً بأشهر الصيف.

قال لي فيليكس وانغ، الشريك في “هيدج آي ريسك مانجمنت” (Hedgeye Risk Management)، ومقرها في الولايات المتحدة، إن التقديرات تشير إلى أن نشاط التوصيل السريع تكبد خسائر قدرها 36 مليار يوان، ما أثر سلباً على وحدة التسوق الإلكتروني عموماً.

ونظراً للاستثمارات الضخمة التي ضختها الشركة في الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية معاً، فقد سجلت تدفقات نقدية سالبة في ربعين متتاليين لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات.

التوافق لإنهاء النكوص احتمال مستبعد

رغم أن الضغط الفوري على السيولة يشكل مصدراً للقلق، فإن “علي بابا” ليست الوحيدة التي تتعامل مع تبعات التآكل الداخلي، إذ هبط صافي أرباح “جيه دي” في الربع الماضي 55% إلى 740 مليون دولار تقريباً، كما يُتوقع أن تعلن “ميتوان” هذا الأسبوع عن أول خسائر فصلية منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وسبق أن كتبتُ مقالاً عن كيف ينبغي على الشركات الثلاث الاتفاق والموافقة على إنهاء المنافسة القائمة على الأسعار، لكن في ظل الآليات الداروينية في هذا القطاع وغيره من القطاعات، بما يشمل السيارات الكهربائية، يظل هذا أمراً مستبعد الحدوث.

إن أحدث نتائج مالية لـ”علي بابا” توفر وسيلة مثالية لفهم ما يجري في البلاد، فاقتصاد الصين ليس بالقوة الهائلة التي يبدو عليها.

المصدر : الشرق بلومبرج