الخط محراب الجمال في مهرجان الفنون الإسلامية

الخط محراب الجمال في مهرجان الفنون الإسلامية

اعتاد الفنانون المشاركون في ملتقيات ومهرجانات الخط المتخصصة، كما هو الحال في مهرجان الفنون الإسلامية في دورته السادسة والعشرين «سراج»، أن يقدموا مقاربات جمالية وبصرية، تضيف إلى عراقة وجمال هذه الخطوط، وقد كان الخط الثلث وأنواعه المختلفة بشكل خاص، هو الخط الأقرب إلى قلوب الفنانين لما له من تاريخ وعراقة في الفن الإسلامي، وقد لقب هذا الخط ب «ملك الخطوط» وذلك ناتج عن كونه يمتاز بالليونة ويتيح إمكانية التنويع في كتابته على نحو جميل ومتقن، فهو يتيح للخطاط إمكانية تشكيل الجملة الواحدة فيه بعدة أشكال، بسبب ما يمتاز به من تناسق بصري قل نظيره بين الخطوط، كما أنه من الخطوط القابلة للتشكيل الفني بطرق مختلفة، ما يعني أننا بإزاء خط متميز يتيح إمكانيات كثيرة أمام الخطاطين خاصة في الاستخدامات الفنية والزخرفية.

لدينا تجربتان مشاركتان في مهرجان الفنون الإسلامية، الأولى في الخط الثلث الجلي للفنان التركي المعروف د. فاتح أوزكافا وهي بعنوان «ضوء الحبر الأسود» نفّذ من خلالها د. فاتح عدة لوحات نختار منها واحدة استخدم فيها العبارة القرآنية: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا» وتجربة أخرى للخطاط السوري أيمن غزال في خط الثلث وهي بعنوان «سراج المداد» يستعيد من خلالها تجربة الراحل العراقي عباس بغدادي أبرز عمالقة فن الخط العربي في العالم الإسلامي من خلال لوحة «هو الله» بالخط الثلث.

فرادة التكوين

في التجربة الأولى، يقف المشاهد عند فرادة التكوين الخطي في لوحة ارتكز فيها البناء البصري على ما يمكن أن نسمّيه التداخل المتعاكس، وهذا ما نلحظه بوضوح في العبارة القرآنية: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا» المكتوبة في أسفل وأعلى اللوحة، هنا، نحن بإزاء جمالية لافتة تتجلى في الإسقاط البصري، الذي يحيلنا إلى معنى الآية، الذي يرتفع بقيمة العلم، فالعلم ينزل من السماء، وهو يتطلب قوة واجتهاداً من قبل المسلم، اجتهاد يحفز لديه (ميكانزمات) السعي والمثابرة في طلب العلم، الذي لا بد له وأن ينعكس إيجاباً في وجدان المسلم، فيشعر بالارتياح بعد هذا الجهد، فطلب العلم يرفع درجة الإنسان في الدنيا والآخرة، وييسر له طريق الجنة، ويجعل له نوراً يهتدي به هو وغيره. والعلم كما هو معروف يرتقي بأخلاق الفرد ويحرر عقله، كما أنه أساس تقدم الأمم وتطور الحضارات.

وفي هذه اللوحة، يلحظ المشاهد أن الفنان استطاع ببراعة لافتة أن يكسر رتابة الإيقاع اللوني في اللوحة، وذلك باستخدام اللونين الأحمر والأزرق، فاللون الأول هو دلالة القوة والجرأة والإلحاح في طلب العلم، والأزرق يلخص نتيجة طلب العلم التي رمز إليه الخطاط بالأزرق الذي يفيد الهدوء والسكينة والطمأنينة.

في هذه التجربة، تكتسب اللوحة جمالاً خاصاً من خلال خطها باللون الأسود الذي يمنحها قيمة جالية وبصرية ملحوظة، حيث يعنى د. أوزكافا في هذه التجربة المعنونة «ضوء الحبر الأسود» بتقديم نموذج خطي كلاسيكي منفذ بتكوينات تقليدية، وبالحبر الأسود مع تنويعات لونية مخصوصة ذات دلالة في السياق الروحي للآية القرآنية.

سراج المداد

في التجربة الخطية للفنان أيمن غزال، نحن أمام لوحة غاية في الجمال، حيث يتوسط اللوحة عبارة «هو الله» التي نفذها غزال باللون الأسود وباستخدام التناظر المتماثل في داخل إطار مزخرف ومزين بأشكال زهرية نباتية ملونة تارة بالذهب، وتارة بلون قريب من القرمزي، أما الخلفية الأساسية التي تحتضن اللوحة فجاءت ملونة بأعلى درجات البني، وهذا الشكل الخطي للعبارة الدينية في وسط الإطار المزخرف جاءت مزينة بإطار أكبر من الزخرفة النباتية المذهبة.

تتميز هذه اللوحة بالمكتوبة بالثلث المزخرف باعتمادها على جملة من العناصر الفنية، فقد حرص الخطاط غزال على أن يضع اسم لفظ الجلالة في الأعلى، تقديراً لمكانة الخالق وجلال قدره وعظمته، وهي منفذة بأسلوب التناظر التماثلي أو المرآوي، كما أنها باذخة بالزخرفة القوية، لتشكل في نهاية المطاف رمزاً بصرياً متناسقاً، بهدف إطلاع المشاهد على جمال الخط والزخرفة معاً، وليس مجرد القراءة الخطية، كما أن اللوحة تستند إلى عنصر التذهيب، الذي يتجلى بكثافة وبقوة في الإطار العام الأكبر حجماً، وقد صممت على هيئة سجادة الصلاة، ولربما تصلح للتعليق على الجدران، وإن كتابتها بأسلوب التذهيب الإسلامي يزيد من العناصر الجمالية فيها والتي تهدف إلى إبراز جمال الأسماء أو العبارات الدينية وإعطاء إحساس بالفخامة والروحانية، وهو أسلوب شائع في مدارس الخط العثمانية والفارسية، والجمع بين هذه العناصر (الزخرفة النباتية، والتذهيب، والتناظر) يمنح اللوحة بهاء بصرياً ساحراً من حيث الشكل، وهي تظهر من دون شك براعة الخطاط أيمن في نسج لوحة على غرار الأسلوب الذي كان يتبعه الخطاط بغدادي رحمه الله، في معرض تكريمي هو الأول من نوعه للخطاط عباسي بعد رحيله تقديراً لأعماله الخالدة التي ما زالت تجوب العالم حتى يومنا هذا.

يقول الخطاط أيمن غزال في معرض تقديمه لهذه المشاركة في مهرجان الفنون الإسلامية: «نقف اليوم على أعتاب الحروف، لنكتشف من سكونها صخب العبقرية، ومن انتظامها فوضى الشغف.. هذا هو عباس البغدادي كما عرفه الحرف، وكما أراد هو أن يكون».

المصدر : صحيفة الخليج