في 11 نوفمبر، وصلت حاملة الطائرات “جيرالد آر. فورد”، الأكبر في العالم، إلى بحر الكاريبي ضمن عملية انتشار عسكري يقول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنها تهدف إلى مواجهة مُهربي المخدرات من فنزويلا. وتُعد هذه أكبر تعبئة عسكرية أميركية في أميركا اللاتينية منذ عام 1989.
نفذت الولايات المتحدة بالفعل سلسلة من الهجمات الجوية على قوارب في منطقة الكاريبي وشرق المحيط الهادئ تقول إدارة ترمب إنها كانت تُشغّل من قبل كارتيلات المخدرات، وقد لمّح الرئيس إلى أن البنتاغون سيصعّد الحملة لتشمل ضربات برية. وفي 29 نوفمبر، قال ترمب إنه ينبغي على شركات الطيران اعتبار المجال الجوي فوق فنزويلا ومحيطها مغلقاً.
ترمب يضغط على مادورو
تُعد الحملة جزءاً من جهد أوسع للضغط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو للتنحي عن السلطة. وقد قال مادورو، إلى جانب زعماء إقليميين آخرين، إن هذا الحشد العسكري يشير أيضاً إلى خطط للاستيلاء على احتياطيات فنزويلا النفطية.
اقرأ المزيد: لماذا تستمر المخاوف بشأن النوايا الأميركية حيال نفط فنزويلا؟
ورغم أن صناعة النفط في فنزويلا في حالة انهيار نتيجة لعقود من ضعف الاستثمار وسوء الإدارة، فلا تزال احتياطيات البلاد من النفط الأكبر في العالم.
ولم يُشر المسؤولون الأميركيون إلى نية في تنفيذ ضربات أو الاستيلاء على حقول النفط في البلاد. غير أن المخاوف الإقليمية لم تهدأ: إذ لطالما كان نفط فنزويلا في صميم العلاقة بين البلاد وواشنطن. فطوال معظم القرن الماضي، كانت الشركات الأميركية تُهيمن على إنتاج النفط الفنزويلي قبل أن يقوم الرئيس السابق هوغو تشافيز بتأميم القطاع.
اقرأ المزيد: كيف فجر ترمب تاريخاً طويلاً من “المصلحة” بين الولايات المتحدة وفنزويلا؟
وفي السنوات الماضية، اتهم القادة الفنزويليون الحكومة الأميركية باستخدام العقوبات والضغوط السياسية للتدخل في قطاع الطاقة في البلاد.
فيما يلي ما ينبغي معرفته عن قطاع النفط الخام في فنزويلا بينما تستمر العملية الأميركية.
هل يُرجح أن تهاجم أميركا أصولاً نفطية فنزويلية أو تستولي عليها؟
لا توجد أي مؤشرات من المسؤولين الأميركيين على أن منشآت النفط أو الغاز تُعد أهدافاً للضربات. وقال وزير الدفاع بيت هيغسث في 11 نوفمبر، عند إعلانه عن نشر حاملة الطائرات “جيرالد آر فورد”، إن الحملة العسكرية الحالية في منطقة الكاريبي تهدف إلى “عرقلة تهريب المخدرات وإضعاف وتفكيك المنظمات الإجرامية العابرة للحدود”.
اقرأ أيضاً: فنزويلا بين فكي ترمب.. تهديدات عسكرية أميركية وغصن زيتون مشروط
تستهدف العملية أساساً جماعتين إجراميتين ذواتا أصول فنزويلية وهما “كارتيل دي لوس سوليس” و”ترين دي أراغوا”، وكلاهما مصنّف كجماعة إرهابية. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، فإن الأصول المرتبطة بالمخدرات، بما في ذلك المدارج غير القانونية، والمختبرات، والمستودعات التي يُزعم أنها تُدار من قبل “كارتيل دي لوس سوليس”، تُعد على الأرجح الهدف التالي للهجمات الأميركية.
ما حالة صناعة النفط في فنزويلا اليوم؟
انخفض إنتاج النفط الخام في فنزويلا بأكثر من 70% منذ ذروته في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حين كانت تضخ أكثر من 3.2 مليون برميل يومياً. وتحتل فنزويلا الآن المرتبة الواحدة والعشرين بين منتجي النفط في العالم؛ ومن المتوقع أن تتجاوزها في السنوات المقبلة جارتها الصاعدة غيانا، وكذلك الأرجنتين، التي كانت تاريخياً منتجة صغيرة.
رغم وضع القطاع، تُعد صادرات النفط المصدر الرئيسي لإيرادات فنزويلا، فيما ركّز مادورو في السنوات الماضية على تنويع اقتصاد البلاد. ويأتي ما لا يقل عن 95% من الإيرادات الخارجية للبلاد من مبيعات النفط.
ما الذي تسبب في تدهور صناعة النفط في فنزويلا إلى هذا الحد؟
يعود انهيار قطاع النفط في فنزويلا إلى أوائل العقد الأول من الألفية، عندما جلبت الثورة الاشتراكية التي قادها تشافيز رقابة حكومية مشددة على القطاع، ما أدى إلى طرد الاستثمارات الأجنبية وتفشي الفساد وسوء الإدارة.
وقد جرى تأميم شركات غربية كبرى، من بينها “كونوكو فيليبس” (ConocoPhillips) و”إكسون موبيل” (ExxonMobil)، بعد تعديلات قانونية جعلت شركة النفط الحكومية “بتروليوس دي فنزويلا” (Petróleos de Venezuela) صاحبة الحصة الأكبر في مشاريعها المشتركة. فيما غادرت شركات أخرى، من بينها “توتال إنرجيز” (TotalEnergies)، البلاد طوعاً.
شملت إصلاحات تشافيز تفكيك نظام الجدارة في “بتروليوس دي فنزويلا” (PDVSA) وتوظيف عدد كبير من الموالين للحزب داخل الشركة. وتبع ذلك سلسلة من الحوادث التي طالت الأنابيب ومنشآت النفط، بما في ذلك انفجار في عام 2012 في مجمع تكرير كاردون، أحد أكبر المجمعات في العالم، ما أدى إلى انهيار الإنتاج وأجبر الدولة العضو في “أوبك” على استيراد الوقود لتلبية احتياجاتها.
إنفوغراف: 20% من احتياطي النفط العالمي تمتلكه فنزويلا… التفاصيل هنا
ورغم ارتفاع أسعار النفط الخام إلى أكثر من 100 دولار في منتصف العقد الأول من الألفية، فقد تعرض القطاع في البلاد لهزات إضافية بسبب قضايا غسيل الأموال واتهامات دولية طالت مسؤولين.
وهناك أيضاً دور الضغط الأميركي. فقد جعلت المشاركة الأميركية في صناعة النفط في البلاد لأكثر من 100 عام من فنزويلا واحدة من أقوى الحليفات الإقليميات لواشنطن. غير أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات مالية على “بتروليوس دي فنزويلا” في 2017، وعقوبات تشغيلية في عام 2019. وتحظر العقوبات معظم التجارة والتمويل المتعلق بالنفط مع الشركة، مع السماح ببعض الاستثناءات المرخصة. وقد زادت هذه القيود من تدهور منشآت الشركة، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على التكنولوجيا الأميركية التي يُحظر الآن على الشركة استيرادها.
هل لا تزال هناك شركات نفط أجنبية تعمل في فنزويلا؟
نعم. تُعد شركة “شيفرون” (Chevron Corp) الأميركية، ومقرها هيوستن، آخر شركة أميركية لا تزال تعمل في فنزويلا، إذ تمتلك ترخيصاً من الولايات المتحدة يسمح لها بإجراء عمليات مشتركة محدودة مع “بتروليوس دي فنزويلا” لإنتاج النفط وشحنه إلى مصافي الساحل الأميركي على خليج المكسيك، وذلك بعد انسحاب شركات كبرى أخرى مثل “كونوكو”، و”إكسون”، و”توتال”، و”شل”، و”إكوينور” (Equinor ASA).
لا تزال شركات “ريبسول” (Repsol) الإسبانية، و”إيني” (Eni SpA) الإيطالية، و”موريل إي بروم” (Maurel et Prom SA) الفرنسية حاضرات أيضاً، وتشارك في مشاريع مشتركة للنفط والغاز مع “بتروليوس دي فنزويلا”.
طالع أيضاً: “شيفرون” تنقل موظفيها في فنزويلا إلى مواقع إنتاج النفط رغم التحذير الأميركي
وقد حالت العقوبات الأميركية دون توسع الحليفتين السياسيتين التقليديتين لفنزويلا، روسيا والصين، في شراكاتهما مع “بتروليوس دي فنزويلا”. إذ نقلت شركة “روسنفت” (Rosneft) الروسية الحكومية المنتجة للنفط أصولها في البلاد إلى شركة بديلة لا تخضع للعقوبات، كحل قانوني بديل، بينما حافظت شركة “سي إن بي سي” (CNPC) الصينية المملوكة للدولة على وجود محدود في البلاد في السنوات الماضية.
ما الدول التي تُعد أكبر المشترين للنفط الخام الفنزويلي؟
تُعد الصين، وبفارق كبير، أكبر مشترٍ للنفط الخام الفنزويلي. وتُصدر فنزويلا نفطها إلى الصين عبر ما يُعرف بسفن “الظل” التي تُخفي مصدر النفط لتفادي العقوبات. وتشتري الصين النفط الفنزويلي من خلال مصافٍ مستقلة وصغيرة تُعرف بأسم “أباريق الشاي” (teapots)، تتمركز معظمها في مقاطعة شاندونغ الصينية.
علاوة على ذلك، تلبي الدرجات الثقيلة من النفط الفنزويلي طلباً محدداً على خام “الإسفلت” الكثيف في الولايات المتحدة، حيث تُصمم بعض المصافي خصيصاً لمعالجة هذا النوع من النفط.
هل سترتفع أسعار النفط إذا هاجمت الولايات المتحدة فنزويلا؟
على الأرجح لا. إذ قال فرانسيسكو مونالدي، مدير سياسة الطاقة في أميركا اللاتينية لدى معهد “بيكر” للسياسات العامة في جامعة رايس: “الهجمات المحدودة على أصول مرتبطة بتهريب المخدرات مثل المدارج أو المختبرات سيكون لها تأثير ضئيل على الأسعار”. وأضاف أن “السوق ستستوعب ذلك سريعاً”.
ويُعزى هذا الاستيعاب المحتمل إلى المساهمة المحدودة لفنزويلا في سوق النفط العالمية إذ تُمثل أقل من 1% من الإنتاج العالمي، وكذلك إلى فائض المعروض العالمي المرتقب من النفط وفقاً لتقديرات المحللين.
المصدر : الشرق بلومبرج
