عرض افتتاح مهرجان المسرح العربي هو “أسطورة شجرة اللبان” لفرقة “مزون”- (سلطنة عمان)، المقتبس عن رواية “موشكا” لمحمد الشحري، وإخراج يوسف البلوشي. تدور أحداث عرض الافتتاح “أسطورة شجرة اللبان” في أجواء غرائبية تسرد قصة حب بين شاب وجنية تدعى (موشكا). تدفع هذه الأخيرة ضريبة حبها وتمردها عبر صراعها مع ملك الجان، فيما يخفق حبيبها الشاب (غدير) هو الآخر في المواءمة بين حبيبته الآتية من عالم الخوارق ومحيطه الاجتماعي، ووصولاً إلى مجابهات درامية أدارها المخرج يوسف البلوشي بلغة بصرية لافتة، فأفاد من عناصر الموسيقى والإضاءة والأزياء في اجتراح مناخ مغاير لعرضه الذي يقدم منه نسخة جديدة على مسرح “العرفان” وسط العاصمة العمانية مسقط.
ويضم المهرجان 15 عرضاً مسرحياً من 13 دولة عربية، يتنافس 11 منها على جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وتشارك في هذه الدورة عروض من مختلف دول العالم العربي، ومن أبرزها مسرحية “البخارة” من تونس للمخرج صادق طرابلسي، فيما يحضر العراق بعرض “سيرك” لمخرجه جواد الأسدي، وتشارك السعودية بعرض “ذاكرة صفراء” لمخرجه حسن العلي، وقطر بعرض “بين قلبين” لمخرجه محمد الملا، فيما تحضر البحرين في عرض “المؤسسة” لمخرجه عيسى الصنديد، وتقدم الكويت عرضها “غصة عبور” لمخرجه محمد الأنصاري، في حين تسهم الإمارات بعرض “كيف نسامحنا” لمخرجه محمد العامري، أما مصر فتقدم عرض “ماكبث المصنع” لمخرجه محمود إبراهيم الحسيني.
اللافت في دورة هذا العام من مهرجان المسرح العربي هو حضور المرأة في أكثر من عرض في المسابقة الرسمية، ولعل أبرزها عروض لمخرجات عربيات ومن أبرزها، “نساء لوركا” للعراقية عواطف نعيم، و”الملجأ” للأردنية سوسن دروزة، و”ريش” للفلسطينية شادن أبوالعسل، و”عد عكسي” للسورية هنادة الصباغ، و”هاجة بوابة 52″ للتونسية دليلة مفتاحي. إضافة لعرض “هم” للمغربية أسماء الهوري. إذ حرصت إدارة الهيئة العربية للمسرح على تمثيل عروض أخرجتها وكتبتها نساء عربيات كثيراً ما كان لهن قصب السبق في تحقيق تجارب لافتة في بلدانهن، والمضي بواقع النساء العربيات نحو تقديمها في مهرجانات دولية.
وتشكلت لجنة تحكيم الدورة الـ15 من هذا المهرجان برئاسة الفنان اللبناني رفيق علي أحمد، وعضوية كل من المخرج السوري تامر العربيد، والمخرج والأكاديمي السعودي سامي جمعان، والفنان العماني عبدالكريم بن علي جواد، والمخرج الجزائري الخضر منصوري.
اليوم العربي للمسرح
وتأتي احتفالية اليوم العربي للمسرح كتتويج لجهود المسرحيين العرب، ويلقي رسالة هذا اليوم المخرج فتحي عبدالرحمن، ومما جاء في الكلمة يقول الفنان الفلسطيني، “وما المسرح في هذا الضوء، إلا حياتنا الموازية، وإلا سعينا اللهب لاستقطار الجوهر الإنساني من أصلاب الوجود البشري، وذلك على نحو يمكننا من توحيد المجتمع الإنساني، ومن تجلية وجودنا الجوهري في الوجود بشراً إنسانيين أحراراً كرماء. وأناساً أسوياء متحضرين متساوين ينتمون إلى إنسانيتهم الجوهرية الجامعة، بلا أدنى تمييز عنصري همجي توحشي قمعي يتأسس على العرق أو الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو المعتقد أو الرأي أو الأصل الوطني أو الوضع الاجتماعي أو الوضع السياسي أو القانوني أو لأي سبب أو عنصر أو عامل أو وضع تمييزي آخر”.
ويتابع عبدالرحمن فيقول في كلمة يوم المسرح العربي، “لم يكن لسؤالنا الحياتي الوجودي الدائم كمسرحيين فلسطينيين داخل الوطن المحتل وفي مخيمات اللجوء القسري وبلاد الشتات، أن يختلف بأي قدر، عن سؤال شعبنا الحياتي الوجودي الدائم الذي هو: متى يرفع الظلم الاستعماري الاحتلالي الثقيل عن صدر أرضنا، وعن صدورنا، وعن صدور أجيالنا المتلاحقة منذ ما يربو على 76 عاماً خلت؟ متى ينتهي هذا الكابوس الإمبريالي الاستعماري الصهيوني الأسود القابض بتوحش منقطع النظير على روح فلسطين وشعبها والإنسانية بأسرها؟”.
ويحتفي المهرجان بالمسرح العماني عبر تكريم خمس مؤسسات وهيئات مسرحية أسهمت في نهضة المسرح في البلاد، وهي المدارس السعيدية ومسارح الأندية ومسرح الشباب، إضافة لفرقتي الصحوة الأهلية والجمعية العمانية للمسرح، كما يكرم المهرجان عدداً من المسرحيين العمانيين، وهم عبدالكريم جواد، وعبدالغفور البلوشي، وصالح بن زعل الفارسي، إضافة لكل من طالب محمد البلوشي، ومحمد نور البلوشي، وأمينة عبدالرسول، وفخرية خميس.
ويقيم المهرجان الذي تنظمه “الهيئة العربية للمسرح” في الشارقة مؤتمرات فكرية ومؤتمرات صحافية وندوات تطبيقية تعقب كل عرض من العروض المشاركة، ويشرف عليها المسرحي الفلسطيني الفنان غنام غنام، حيث ستقام هذه الندوات في فضاء مسرح العرفان، وستكون مخصصة للعروض المتنافسة على جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، ويشرف على هذه الندوات وعددها 11 ندوة الناقدة العمانية رحيمة الجابري، ويشارك فيها ويديرها 11 ناقداً وفناناً عمانياً، في حين سيرافق هذه الندوات بث مباشر لحلقات برنامج “أستوديو 15″، وهو أستوديو تحليلي للعروض والفعاليات المرافقة، إذ درجت العادة منذ الدورة الماضية على تكريس هذا التقليد كفضاء لحوار حر ومفتوح مع أبرز المسرحيين العرب.
وتقام عروض الدورة الـ15 من المهرجان على ثلاثة مسارح رئيسة في العاصمة مسقط، وهي مسرح كلية الدراسات المصرفية، ومسرح قصر البستان، إضافة إلى مسرح العرفان الذي سيحتضن إلى جانب عروض المسابقة معرضاً لإصدارات الهيئة لأبرز الكتاب والنقاد المسرحيين في العالم العربي، إضافة لإقامة عديد من حفلات توقيعات الكتب والإصدارات الخاصة بالمسرح العماني والإصدارات الخليجية والعربية عموماً.
وخصص القائمون على مهرجان المسرح العربي مؤتمراً فكرياً لدورة هذا العام، ومن أبرز الجلسات التي يتخللها هذا المؤتمر جاء تحت عنوان “المسرح في سلطنة عمان- رؤى وآفاق جديدة”، ويتضمن هذا القسم من المؤتمر أربع جلسات، ثلاثة منها مخصصة لمناقشة وعرض الكتب الصادرة عن الهيئة بمشاركة مؤلفي الكتب، وبحضور الفنانين محط البحث، فيما خصص المؤتمر جلسة عن تطور النص في المسرح العماني، فيما يناقش الباحث محمود سعيد موضوع القناع الأبيض في المسرح العماني، وتناقش جمانة الطراونة تمثلات الحداثة وما بعدها في المسرح العماني.
كما يناقش المؤتمر واقع وتاريخ المدارس السعيدية التي تعد بداية الحركة المسرحية العمانية بفروعها الثالثة، والتي كان أولها المدرسة السعيدية في مسقط عام 1940، ثم المدرسة السعيدية في صلالة عام 1951، ثم المدرسة السعيدية في مطرح عام 1959، التي كانت تمارس جميعها المسرح كنشاط مدرسي أو فصلي لطلابها، لا سيما المدرسة السعيدية في مسقط، وكان التركيز في هذه المدارس الثلاث على حفل نهاية العام الدراسي، حيث كان يقام المسرح في الساحات الداخلية لهذه المدارس، ويحضره كبار رجال الدولة وأولياء أمور الطلاب، وتقدم فيه التمثيليات والأناشيد، وعديد من الأنشطة الطلابية التي تعطي صورة حقيقية عما وصل إليه مستوى الطلبة التعليمي، وتقدم أثناء تلك الحفلات تمثيليات ذات أحداث قصيرة، أو مشاهد تمثيلية مستقاة من المنهاج الدراسي.
“المسرح والذكاء الصناعي” هو العنوان الأبرز للمؤتمر الفكري الخاص بدورة مسقط، الذي ينقسم إلى أربع جلسات يومياً، ويشارك فيها كل من يوسف عايدابي (السودان)، وعماد الخفاجي (العراق)، ومحمد مبارك تسولي (المغرب)، إضافة لكل من أيمن الشريف (الأردن) وخليفة الهاجري (الكويت)، وأسامة لاذقاني (سورية)، فبين صراع السيطرة وثورة الإبداع الإنساني يتناول المؤتمر نظرياً وتطبيقياً مجالات استخدام التصميم الرقمي لإنشاء تصاميم مبتكرة للأزياء والديكورات، ويناقش المؤتمر كيفية تحسين وتنسيق المؤثرات البصرية باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي من طريق برامج المابينغ، وطريقة الاستثمار فيما بات يدعى بالإضاءة التفاعلية مع حركة الممثلين، وتحقيق الانسجام بين الضوء والموسيقى على الخشبة.
ويطرح المؤتمر الفكري المسرحية الرقمية “كونتراست” (إخراج أدهم سفر) كمثال تطبيقي على ذلك، و”كونتراست” واحد من أبرز هذه العروض التي استخدمت خطط إضاءة مثالية لكل مشهد، ومكنت المؤدي من التعامل مع سينوغرافيا ذكية، ووظفت مجسات ترسل لأجهزة إسقاط وبث حي، فتمكن القائمون على العرض السوري من تحسين وتنسيق الصوتيات لتوفير تجربة سمعية غامرة، كما استفاد هذا العرض من تحسين جودة الصوت بناء على تحليل الذكاء الاصطناعي، واستخدام تقنية الهولوغرام لإضافة مؤثرات بصرية وخلق مشاهد خيالية لافتة، فدمج بين الرقص والموسيقى والأداء الدرامي الشامل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويناقش الباحث المغربي عبداللطيف فردوس إمكانية توليد نصوص مسرحية عبر الذكاء الاصطناعي، أو تحسين النصوص الموجودة بناء على تحليل الأنماط الأدبية، وذلك عبر تحليل هذه النصوص لاكتشاف نقاط القوة والضعف، واقتراح التعديلات المناسبة. أسئلة يسوقها المهرجان عن آفاق الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في العرض المسرحي العربي، فهل يكون الذكاء الاصطناعي هو البديل القادم للمصمم المسرحي، وهل يمتلك الذكاء الاصطناعي الحس الفني المطلوب؟ وكيف يقرأ الذكاء الاصطناعي الصورة المسرحية، بل كيف يقدمها كمعادل تشكيلي للنص المسرحي؟
أسئلة تطرحها دورة هذا العام من مهرجان المسرح العربي بالتفاعل الكامل مع الجمهور، إذ يطلب من الجمهور أن يقترح أكثر من مشهد مسرحي، ويقوم بتزويد أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي بهذا المشهد، ثم يطلب من برنامج رقمي معين بتنفيذ هذا المشهد، ليبدأ بعدها المتفرج بقراءة العرض وتعديله أو حتى تطويره مباشرة. هذا التفكير يطور اليوم من مفهوم الزمن والفضاء في الدراما ويفتح الباب واسعاً أمام جدلية الإنسان والآلة، وكيف يستطيع فنانو ومتفرجو اليوم تحقيق أقصى درجات التفاعل مع العرض المسرحي، وبعيداً من الفهم التقليدي للتلقي (صالة – خشبة، جمهور- مؤدون).
الورش التدريبية
وتنظم الهيئة العربية للمسرح أربع ورش تدريبية لمصلحة المسرحيين العمانيين، وستحتضن قاعات وزارة التربية هذه الورش. الورشة الأولى يجريها المخرج السوري عجاج سلي، وتأتي عن مهارات وتقنيات التمثيل وفق منهج ميخائيل تشيخوف، أما الورشة الثانية فتجيء في صيغة سبعة دروس عن الإيماء وفنون الأداء الصامت، ويشرف عليها الفنان الفلسطيني سعيد سلامة، في حين تأتي الورشة الثالثة تحت عنوان “فن دارة الممثل وأهمية ذلك في بناء العرض المسرحي” ويشرف عيها الفنان المغربي معز المرابط. الورشة الرابعة والأخيرة تأتي بعنوان “السلامة المهنية لذوي الهمم في المسرح”، وتشرف عليها الفنانة الأردنية شيري غباشي، وتكتسب هذه الورشة أهمية خاصة كونها تجسد الرؤية العالمية ضمن المفهوم العالمي الشامل لحقوق الإنسان لدعم ذوي الحاجات الخاصة، وذلك بالتوجه نحو حماية حقوقهم في مواقع العمل في القطاعات الفنية والأدائية.
ويمثل مهرجان المسرح العربي لقاء سنوياً يشمل آخر مراحل التنافس لنيل جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل عربي مسرحي، إضافة لعروض مميزة لا تتوفر فيها شروط المسابقة، وهي عروض تتلقى الرعاية والاهتمام ذاتهما في المهرجان، إلى جانب الورش التكوينية والندوات العلمية والفكرية، إضافة لفعاليات تكريمية للفائزين بمسابقتي التأليف الموجه للكبار والموجه الصغار، ومسابقة البحث العلمي المسرحي للشباب.
ويطرح مهرجان المسرح العربي منذ انطلاقته عام 2009 من القاهرة شعارات وطموحات كبيرة لدعم المسرح والمسرحيين العرب، وتكريس المسرح في الحياة العامة للشعوب في المنطقة العربية، وذلك عبر استراتيجية لدعم المسارح الوطنية والمهرجانات والفعاليات الفنية التي تبدو اليوم أنها تعاني شحاً في التمويل، ومن انكفاء المؤسسات الرسمية عن دور فاعل وحقيقي، وخذلان عدد متزايد من مسرحيين عرب لا يلقون أية رعاية في بلادهم الأم، بل ويشتكون من حجب الموازنات في دولهم عن صالات مسارحهم التي أمست مهجورة في غياب أي أفق لصرخاتهم اليائسة، وإغلاق عديد من المسارح في وجه زوارها.
نقلاً عن : اندبندنت عربية