«حكايات الأمثال الشعبية»… الحكمة بنت الإيجاز

«حكايات الأمثال الشعبية»… الحكمة بنت الإيجاز

الناشر: معهد الشارقة للتراث
الشارقة: علاء الدين محمود
تلعب الأمثال الشعبية، كواحدة من أهم مفردات التراث الروحي، دوراً كبيراً في حياة الأمم والشعوب، فهي تمدّهم بخلاصة التجارب والحكمة، وتفيدهم في مقاربة الأشياء والمواقف، وفي فهم الحياة، والتغلب على صعوباتها، لذلك أولى الباحثون، في مختلف أنحاء العالم، أهمية خاصة لدراسة الأمثال واستخلاص العبر منها، ومدى تأثيرها في البشر، في مختلف أنحاء العالم، و للأمثال عند العرب سطوتها وسلطتها، على الأفراد والمجتمعات.
كتاب «حكايات الأمثال الشعبية الإماراتية والخليجية»، للباحث والكاتب خميس إسماعيل المطروشي، الصادر عن معهد الشارقة للتراث، عام 2025، من أهم تلك المؤلفات التراثية التي تعمقت في دراسة الأمثال والحكم الشعبية والغاية من ورائها، وهو يتناولها بوصفها جزءاً من تراث الشعوب التي حفظتها لما تضمنته من أحكام، ويركز بشكل خاص على تلك الأمثال التي أطلقتها العرب عبر التاريخ في مناسبات مختلفة، وأهم ما يميّز تلك المقولات التي تصاغ على شكل مثل، وجملة حكيمة، أنها بمثابة تلخيص لموقف ما، أو حكاية، وتدعو الناس إلى الاعتبار، وتلقي الدروس من تلك الكلمات الموجزة المختصرة، حيث يمتاز المثل بالتكثيف، واختزان المعاني الكبيرة في أقلّ عدد من الكلمات، بل إن المثل الواحد في بعض الأحيان يلخص تجربة حياة كاملة.
*مفعول السحر
يعكس الكتاب واقع وحقيقة أن لتلك الأمثال مفعول السحر لدى الشعوب العربية، فهي شديدة التأثير، وتستخدم في أغراض كثيرة، إلى جانب الحكمة والخبرة، فهي توظف في حسم الجدل، أو الصراع، أو التحذير في بعض الأحيان، لذلك هي تلعب دوراً كبيراً في التنشئة، وإيصال القيم الأخلاقية، ولعل ما يميز هذا الكتاب أنه لا يقتصر على الحديث عن دور الأمثال، ومكانتها لدى الناس في الإمارات ومنطقة الخليج فقط، فالمؤلف انفرد بشيء مختلف، وهو إبراز قصة المثل الشعبي، والظروف التي أطلق فيها، لذلك فإن الكاتب اشتغل على رصد ما يزيد على الـ300 مثل، مبيناً كيف جاءت تلك الأمثال، سواء كانت نتاج قصة أو طرفة، أو ورد منها في بيت شعري، فتلك هي المصادر الأساسية للأمثال الشعبية، فبداياتها اعتمدت على الثقافة الشفاهية، فكانت تلك المقولات اللفظية تتداول بين الناس، إلى أن سعى الكتاب والباحثون إلى توثيقها، نسبة لأهميتها.
*رسائل
يرصد الكتاب تلك الأمثال مع حكاياتها، إلى جانب شرحها وتبيان الرسالة التي يحملها كل مثل في المجالات، النفسية والاجتماعية، المختلفة، مثل الشجاعة، والكرم، والتحدي، والفخر، والثقة، والاعتداد، والعادات، والتقاليد، وحسن التصرف، والغضب، وغير ذلك من مواضيع هي بمثابة عناوين متفرقة داخل الكتاب، ويوضح المؤلف أن هناك أمثالاً تقال في لحظات معيّنة، مثل الكذب، والثرثرة، وخيبة الأمل، والقناعة، والطمع، ويركز على الرسائل والمعاني التي يشتمل عليها المثل الشعبي، ويطوف في مواقف كثيرة، وقصص وحكايات جرت في الماضي، البعيد والقريب، فالأمثال الشعبية هي بمثابة بستان متعدّد الأزهار والثمار، ومختلف الروائح والمذاق، ويقبل الإنسان دائما على المثل الذي يعبّر عن حالته ووضعه.
*مصداقية
يؤكد الكاتب أن الناس يتداولون الأمثال ويتناقلونها فيما بينهم، من دون أن يعرفوا مصدر هذه الأمثال، أو أصلها، وإن كان وراء أغلبها قصة، ولعل تلك الحكايات التي أنتجت الأمثال هي مجال بحث الكاتب في هذا الإصدار الذي يتطرق إلى العديد من القصص التي حملت حِكماً ومواعظ نبعت من وقائع معيّنة، فعلى الرغم من ترديدنا للأمثال الشعبية بشكل شبه يومي، في أحاديثنا في الكثير من مجالات الحياة، فإننا قد لا نهتم بمعرفة القصة الحقيقية التي كانت وراء نشأة المثل، لكننا نثق بمصداقية المثل، ونذكره كثيراً في ممارساتنا، وحياتنا اليومية المتنوعة، ويكون ذلك عندما تصادفنا أحداث تتشابه، أو تكون قريبة ،الشبه أو التطابق، مع الأحداث التي وقعت في الماضي.
*نماذج
من النماذج للأمثال والحكايات التي رصدها الكتاب، قول الناس في حالة الكذب والخداع: «مواعيده سراب»؛ أي أن المثل يشير إلى رجل، أو شخص كاذب، مخادع، ومماطل، فهو كالسراب الذي يتراءى لعابر الصحراء كأنه ماء، ولا يكتفي الكتاب بإيراد قصة المثل، وتبيان معانيه ومراميه، بل هو كذلك يورد أمثالاً شبيهة به، وقريبة منه، مثل: «مواعيد عرقوب»، و«حبل الكذب قصير»، و«كذاب كذب الإبل»، فالملاحظة التي يريد الكتاب أن يوضحها هي أن بعض الأمثال تتشابه، وبعضها يتناسل، بحيث إن الناس ينتجون أمثالاً على نسق مثلٍ مشهور، وهذا يبين أن مجال تلك الأمثال واسع، ويحتوي على الكثير من الجوانب التي تحتاج إلى إضاءة، وذلك ما يفعله هذا الإصدار.
ولأن الكتاب قد حصر بحثه على الأمثلة التي قيلت وانتشرت في منطقة الخليج، فهو يبحث دائماً عن أمثال شبيهة لتلك التي أوردها المؤلف في التاريخ العربي، مما ورد في القصص والأشعار، حيث يبدو أن الأمثال والحِكم المعروفة في الخليج، لها جذور في الحِكم والحكايات والأمثال العربية القديمة، ومن الأمثال العربية المعروفة التي يوردها الكتاب، قول العرب: «أكرم من حاتم طي»، وهو مثل ذائع الصيت، فحاتم الطائي هو شخصية معروفة بالكرم، وعندما تريد العرب أن تذكر محاسن رجل كريم تقول هو أكرم من حاتم، ثم يورد الكتاب مثلاً قريباً من ذلك في الثقافة الشعبية الخليجية مثل: «حاتم طي ما خلّه لهْله شيء»؛ أي لم يترك لأهله شيئاً من كثرة كرمه مع ضيوفه.
*وعي
يطوف الكتاب في عالم الأمثال كمجال لدراسة الحياة الاجتماعية والثقافية للأمم، وتبيان كيف تلتصق الشعوب بماضيها، وتتمسك بتراثها، حيث إن القيمة التاريخية للمثل الشعبي، كما يقول بذلك الكثير من المؤرخين والباحثين، تجعل منه عنصراً مهماً في تشكّل الوعي الثقافي والتراثي للمجتمع، ووسيلة لا غنى عنها لربط الأبناء بتراث الآباء والأجداد، وبالتالي الحفاظ على الهوية، حيث إن الأمثال تبرز كترياق ضد الاستلاب الثقافي.

يتميز الكتاب بأسلوبية جيدة، ودقة كبيرة، من حيث أيراد المثل، ومناسبته، وقصته، وإيراد الأمثال الأخرى الشبيهة به، وسرد حكايتها هي الأخرى، ما يخلق متعة كبيرة في نفس القارئ الذي يجد نفسه يتنقل كفراشة داخل بستان محتشد بالزهور، من مثل لآخر، ومن حكاية لقصة لأبيات شعرية، بطريقة جذابة وسلسة، وبلغة بسيطة، كما أن الكتاب بمثابة فرصة كبيرة ومجال واسع للتعرف إلى اللهجة النبطية، وبلاغتها، ونهلها من اللغة الفصحى، ويمتلئ الكتاب بالكلمات الجزلة، والألفاظ والمفردات العربية القديمة، وهو فرصة للباحثين للتعرف إلى الأمثال وحكاياتها، والتي ينتجها الواقع والبيئة، وتمتلك تأثيراً وسلطة على الناس في حياتهم اليومية.

*اقتباسات

«لكل مثل حكاية».
«تربية الأبناء وتعليمهم أمر واجب على الآباء».
«اصطحاب الصغار لمجالس الكبار يغرس فيهم الروح الوطنية».
«لا خير في وعد إذا كان كاذباً».
«الكذب ينكشف عاجلاً أو آجلاً».
«اعتماد الشركاء على بعضهم لن ينجز الطبيخ».
«يتباهى البعض بما ليس فيه متى ما خلا له الجو».
«تمرّ على الإنسان لحظات يظنّ فيها أن الأرض ضاقت عليه بما رحبت».
«الإنسان دائم الحرص على مصلحته».
«الناس لا تعرفهم إلا عند حاجتك إليهم».

المصدر : صحيفة الخليج