أمكنة تستجيب لنداء القلب في مهرجان الفنون الإسلامية

أمكنة تستجيب لنداء القلب في مهرجان الفنون الإسلامية

-الضوء بقعة الذاكرة المحملة بالكثير من التفاصيل

احتلت ثيمة المكان موقعاً بارزاً في معارض مهرجان الفنون الإسلامية في دورته الحالية، بوصفها البقعة التي يسكنها النور وتحن إليها الأرواح، وتباينت في ذلك المنحى المعالجات الإبداعية من قبل الفنانين كل بحسب فكرته ورؤيته التي ينطلق منها، ليكون الثراء والتنوع هو العنوان العريض لتلك التكوينات واللوحات التي نقبت في روح المكان وكشفت عن أسراره الوجدانية العميقة.

الفنانة التشكيلية الإماراتية أسماء بالحمر، واحدة من المبدعين الذين خاضوا تجربة التعبير عن المكان وعلاقته بالضوء من أجل صناعة مقاربة مع شعار المهرجان «سراج»، فكان أن دفعت بأعمال تعبر عن شغفها الكبير بالمكان والعمارة والعلاقة بين الأزمنة والأمكنة والذاكرة من خلال تصاميم تعكس تلك العلاقة، حيث اعتادت الفنانة على أن تركز في منحوتاتها وتكويناتها على البنايات الضخمة في الدولة، والذاكرة البصرية لها بشكل مبتكر وأسلوب فني مختلف من نوعه وجوهره الفني، وعلى ذات النسق تعمل الفنانة على تجاربها الإبداعية من خلال تقنيات الطباعة والإسقاط، لبناء هياكل ثلاثية الأبعاد عامرة بالأطروحات الجمالية التي تحلق بالمشاهد نحو أمكنة مترعة بالدهشة مسكونة بالجمال مع الأبعاد الروحية.

*محفور

صممت أسماء بالحمر تجاربها الفنية التي شاركت بها في المهرجان، وذلك من خلال عمل يحتوي على قطع منحوتة، جاء بعنوان: «محفور في الزمن»، تناولت عبره مفهوم التعلق بالمكان، حيث يعكس العمل ذلك الارتباط الروحي والعاطفي العميق الذي يتجاوز حدود الجغرافية المادية؛ أي الذي يعبر عن الحب للمكان بطريقة تسمو معها تلك البقعة وتتحول إلى مفهوم روحي، فذلك التعلق بمكان ما يبدو فعلاً وجدانياً غامضاً، وتعمل الأعمال الفنية على استجلاء أسراره، فكل بقعة تسكن القلب تترك في النفس أثراً عميقاً، قد يكون ذلك المنزل الذي نشأ فيه المرء، أو المكان الذي جمعه بمن يحب، وغير ذلك من تفاصيل شعورية، بحيث يتحول المكان إلى أيقونة ورمز.

ومن خلال هذا العمل النحتي على الخشب والذي أنجزته الفنانة ببراعة كبيرة، حيث تعمل على سبر أغوار العمارة المحلية في الدولة، وتستحضر في سبيل ذلك، التاريخ الغامض للزخارف، ساعيةً إلى بناء رحلة غامرة تعبر بالمشاهد بين التحوّلات المتعاقبة لوطنها، والتي كان لها أثرها على الفنانة التي يشدها الحنين إلى تلك البقع القديمة، وفي ذات الوقت تعمل على التعبير على شكل البناية الجديدة، ففي فضاء تكوينات ومنحوتات أسماء بالحمر الكثير من المقارنات الإبداعية، مع التركيز على القديم الذي يهفو إليه القلب في كل مرة في تفاصيل رحلة جمالية ووجدانية نحو الماضي القريب.

*تفاصيل

لعل الناظر إلى العمل الجمالي الذي سكبت فيه الفنانة عصارة تجاربها الإبداعية مع الأشكال المعمارية، يلاحظ أن المنحوتة قد تضمنت زخارف مفككة مستوحاة من البيوت القديمة التي شيدت في الدولة في ستينيات القرن الماضي، إلى جانب دمج عناصر مقتبسة من أشكال معمارية متنوعة، وهي انعكاس لمرحلة البناء السريع التي شهدت انتقال التصاميم الدقيقة نحو الإنتاج الكثيف، وتكريماً للحرفية التي كثيراً ما طغى عليها التغيير، حيث تتميز الفنانة في إنجاز العمل بالمزاوجة بين عناصر فنية متعددة ما بين أدوات قديمة وأخرى جديدة معاصرة، وذلك هو جوهر الابتكار في هذه المنحوتة أو المنحوتات البديعة التي هي نتاج تأمل عميق في التحولات المعمارية والانتقال من مرحلة زمانية إلى أخرى، حيث يكون سؤال المكان حاضراً وسط تلك التحولات.

*تفاعل

العمل صمم بطريقة يتفاعل معها الضوء والظل، متحولاً مع تغيّر حركة الشمس على مدار اليوم، وينشأ من خلال تداخل المنحوتة مع جدران وأرضيات المتحف حوار بصري يحاكي قدرة السراج على الإضاءة واستدعاء الذكرى، وحين يبرز العمل من الجدار، فإنه يدعو المشاهدين إلى اختبار الصلة بين الماضي والحاضر، مجسداً جوهر السراج كرمز للتأمل والارتباط بالمكان، و يلعب الضوء دوراً جوهرياً في تصميم المنحوتة، وهو يحمل إشارات عديدة يمكن للناظر أن يقوم بتأويلها بطرق عدة بعد عملية التأمل، فلئن كان المكان هو البقعة التي يشدنا إليها الحنين، فإن الضوء هو بقعة الذاكرة التي تحمل الكثير من التفاصيل الوجدانية حول المكان.

المصدر : صحيفة الخليج