يعتبــر الصندوق الكويتــي للتنميــة رائــدا في دعــم الجهود الإنمائية والصحيـة في الـدول الناميـة حول العالم، حيـث يلتـزم بتوفيـر التمويـل اللازم والمساعدات الفنيــة لتعزيــز البنيــة التحتيــة الصحيــة. ومــن خلال اسـتراتيجياته المتكاملة، يسـاهم الصنـدوق الكويتي في تحسين جـودة الحياة ورفـع مســتوى الرعايــة الصحيــة للمجتمعــات الأكثر احتياجا، وذلك انسجاما مــع رؤيتــه في دعــم التنميــة المستدامة وتحقيق التــوازن الاجتماعي.
ويحــرص الصنــدوق علــى تمويل إنشــاء وتجهيز المستشفيات والمراكز الصحيــة بمختلف مســتوياتها، وتوفيــر الأجهزة الطبيــة الحديثة التــي تواكــب أحــدث التقنيــات العالمية. كمــا يدعــم الصنــدوق برامــج التطعيــم والتوعيــة الصحيــة الهادفــة إلــى الوقايــة مــن الأمراض والحد مــن انتشــارها، مــع ضمــان وصــول الخدمات الطبيــة إلــى المناطق النائيــة والمحرومة، ممـا يسـهم في تعزيـز قـدرة الأنظمة الصحيـة علـى الاستجابة لمختلف التحديــات الوبائيــة.
ويركـز الصنـدوق علـى مكافحـة مجموعـة مـن الأمراض الوبائيـة المنتشرة في البيئــات الناميــة، ومنهــا الملاريا، والســل، وداء الفيــل، والكوليــرا، بالإضافة إلــى دعــم البرامــج الموجهة لمكافحة ســوء التغذيــة وأمــراض الطفولـة التـي تشـكل تحدياً صحياً كبيراً. ويتـم ذلـك عبـر تمويل حملات تطعيـم شـاملة، وتوفيـر الأدوية الأساسية، بالإضافة إلـى دعـم المبادرات التـي تعـزز التوعيـة الصحيـة لـدى السـكان المحليين.
وقد ســاهمت مشــاريع الصنــدوق الكويتــي في خفــض معدلات الإصابة والوفيــات الناتجة عــن الأمراض المعدية، فضلا عــن تحسين جــودة البنيــة الصحيــة بشــكل عــام في العديــد مــن الــدول الناميــة. وتعــد هــذه الجهود دعامـة أساسـية لأنظمة صحيـة أكثـر مرونـة وقـدرة علـى مواجهـة الأزمات الصحيــة، ممــا يعــزز الاستقرار المجتمعي ويســهم في تحقيق التنميــة الاقتصادية والاجتماعية المستدامة علــى المدى الطويــل.
تفشي الأمراض والأوبئة في القارة الأفريقية
يعاني أكثر من ملياري شخص حول العالم من الأمراض المدارية المختلفة، منهم حوالي 500 مليون طفل. ويعيش أكثر من %40 من هؤلاء في القارة الأفريقية التي تعاني من تفشي الأمراض والأوبئة والعديد من المشكلات الصحية كالملاريا والإيدز وأخرى لها اثار اجتماعية واقتصادية سلبية.
وعلى الرغم من جهود منظمة الصحة العالمية في مجال التنمية الصحية، ظهرت فئة جديدة من الأمراض تدعى “الأمراض المدارية المهملة” واستوطنت القارة الأفريقية حيث تنتشر بشكل كبير في المجتمعات الأشد فقراً، وتسببها أنواع من البكتيريا والفيروسات والطفيليات وعادة ما تكون نتائجها وخيمة كالإعاقة والتشوه والوفاة بين الملايين من الفقراء في البلدان النامية. وبحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، يوجد حوالي 17 مرضاً مهملاً ونحو 700 مليون شخص مصابون في القارة الأفريقية.
وبحسب التقارير الصادرة من منظمة الصحة العالمية، تعود أسباب الارتفاع الكبير في معدلات الإصابة بالأمراض المدارية المهملة في قارة إفريقيا الى:
• انخفاض مستوى الوقاية / التلقيح.
• التعرّض للأمراض المنقولة عبر المياه بسبب ضعف الوصول إلى مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي.
• ضعف النظم الصحية.
• الهشاشة، النزاعات، ونزوح السكان.
تضافر الجهود الدولية لمكافحة الأمراض المدارية
وفي سبيل التحكم والقضاء على هذه الأمراض، توحدت جهود بعض الجهات والمؤسسات الدولية ذات الصلة، وتم اختيار خمسة أمراض بغرض إطلاق برنامج لمكافحة الامراض المدارية المهملة بعد ان دلت نتائج الأبحاث والتجارب التي أجريت في بعض مناطق القارة الأفريقية الى إمكانية القضاء على هذه الأمراض بشكل نهائي دون الحاجة لاستخدام الأدوية بصورة مستمرة. ويغطي نحو 47 دولة افريقية تعاني من أحد هذه الأمراض أو أكثر، ومنها 36 دولة تعاني من خمسة أمراض. ويستفيد من البرنامج نحو 300 – 400 مليون شخص سنويا حيث يتم توفير ما بين 700 – 800 مليون قرص من الأدوية سنوياً مجاناً عن طريق شركات صناعة الأدوية حسب حاجة البرنامج. ويتلقى حالياً نحو %30 فقط من المصابين بهذه الأمراض أو بعضها العلاج المطلوب.
وتقع النسبة الأغلب من المصابين والمحتاجين الى العلاج في الأرياف والمناطق النائية مما يشكل تحدي كبير للبرنامج والى تعزيز الجهود لتغطية اعداد المصابين والوصول إليهم. إضافةً الى ذلك، تلعب المنظمات الطوعية، سواء الدولية أو الإقليمية أو المحلية، وبمساهمات مالية من عدة مؤسسات عالمية، دوراً مهماً في مجال توزيع الأدوية وتوصيلها الى المحتاجين والمصابين.
برنامج مكافحة أمراض المناطق المدارية المهملة
يهدف برنامج مكافحة أمراض المناطق المدارية المهملة إلى الوقاية من الأمراض والأوبئة التي تنشط بشكل كبير في المناطق المدارية المهملة ومكافحتها من خلال تقديم الدعم السريري لبرامج المكافحة الوطنية في التخطيط والتنفيذ والتقييم لأنشطة المكافحة. وينسق البرنامج مع الهيئات الدولية لتعزيز مكافحة الأمراض والبحوث.
وقد حدد البرنامج الأمراض والأوبئة التي يستهدفها في المناطق المدارية المهملة، وهم كالاتي:
1. داء الخيطيات الليمفاوية (داء الفيل):
وهو مرض ينتقل بواسطة ديدان طفيلية تستوطن الجهاز الليمفاوي بما في ذلك الغدد الليمفاوية وتصيب الأطراف والأعضاء التناسلية وتؤدي الى متلازمة داء الفيل. ويؤثر هذا المرض على حوالي 900 مليون شخص في العالم، ويقع حوالي %30 من المصابين بهذا المرض في القارة الأفريقية حيث يعيش أكثر من 400 مليون شخص معرض للإصابة بالمرض في مناطق مختلفة من القارة.
2. داء عمى النهر:
وهو مرض طفيلي ينتقل بواسطة ديدان خيطية تعيش داخل جسم الانسان، ويصيب البصر مما يسبب العمى والتهابات جلدية شديدة. ويعاني حوالي 250 مليون شخص من هذا الداء عالميا، %90 منهم في أفريقيا. كما يحتاج حوالي 18 مليون شخص الى علاج سنوي.
3. داء المتشققات (البلهارسيا):
وهو مرض ينتقل بواسطة ديدان طفيلية مائية تتواجد في قنوات ومصارف الري الملوثة، وتسبب التهابات في الجهاز الهضمي، وتنتقل مع تدفق الدم حتى تصل الى الأوردة الكبدية. وبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية فإن 300 مليون شخص مصابون من هذه الداء عالمياً، منهم %90 من قاطني القارة الأفريقية.
4. داء الديدان المنقولة بالتربة:
تسببه بويضات عدة أنواع من الديدان التي تعيش في التربة الملوثة بفضلات الإنسان، وهو من أمراض الديدان الطفيلية ويصيب الأمعاء الداخلية الدقيقة، ويتعرض حوالي 1.5 مليار إنسان حول العالم إلى خطر الإصابة به، الغالبية في القارة الأفريقية. ويتسبب المرض بوفاة نحو 150 ألف شخص سنوياً، كما يحتاج حوالي 290 مليون شخص من قاطني القارة السمراء الى علاج سنوي.
5. مرض الرمد الحبيبي (تراكوما):
وهو مرض بكتيري يصيب العينين ويؤدي، في حال عدم علاجه، الى العمى الدائم. وينتقل هذا المرض بواسطة الحشرات حيث يعاني حوالي 2.2 مليون شخص حول العالم من إعاقة بصرية، ويعيش حوالي 185 مليون شخص منهم في مناطق معرضة للخطر في القارة الأفريقية.
وتعود أسباب تحديد البرنامج لهذه الأوبئة والأمراض في المناطق المدارية المهملة الى عدة عوامل، منها:
• توفر الأدوية الوقائية بصورة مجانية في الوقت الحاضر من قبل أكثر من شركة دوائية عالمية.
• توفر التقنية الخاصة بالمسح الميداني وعمل خرائط توزيع الأمراض وسهولة قيام معظم الدول المعنية بوضع استراتيجيات مكافحة الأمراض.
• سهولة الوصول الى المصابين وتوزيع الأدوية بفضل الخبرات المكتسبة، بالإضافة الى توزيع أكثر من دواء لأكثر من مرض في آنٍ واحد.
• التزام الدول المعنية بأولوية هذه الأمراض ضمن خدمات الصحة العامة ورصد أموال ضمن الميزانية السنوية لكل دولة.
ادارة برنامج مكافحة أمراض المناطق المدارية المهملة:
تقوم منظمة الصحة العالمية بالإشراف على البرنامج من الناحية الإدارية والفنية والمالية بالتعاون مع جهات دولية أخرى. وتتنوع طرق تمويل البرنامج ما بين تعامل مباشر بين بعض الجهات التمويلية والمنظمات الطوعية والدول المعنية، أو عبر التمويل الجماعي المشترك عن طريق صندوق ائتمان مع جهات مالية ذات حساب خاص كالبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية. ويغطي البرنامج عدة نشاطات منها:
• مساعدة الدول المعنية في وضع الخطط الاستراتيجية لعمليات مكافحة الأمراض.
• اجراء البحوث والتجارب العلمية وتطبيقها وعمل خرائط تحديد مواقع انتشار الامراض على مستوى القارة.
• دراسات تقييم النتائج العلمية والاجتماعية والمتابعة.
• توزيع الأدوية بواسطة منظمات طوعية دولية ومحلية.
• الاستعانة بخبراء دوليين كمستشارين في مجال الأمراض المدارية المختلفة.
• توفير المعدات، والأجهزة، ووسائل الاتصالات، والمواصلات.
• الأعمال الإدارية والتنسيق وتوفير الخدمات اللوجستية والحملات التوعوية.
• الدعم المؤسسي وبناء القدرات والتدريب.
تمويل البرنامج
يعتبر الصندوق الكويتي للتنمية من أوائل الممولين لهذا البرنامج، حيث ساهم في تمويل مرحلته الأولى خلال الفترة (2016 – 2020) بقيمة 5 مليون دولار امريكي، ومرحلته الثانية خلال الفترة (2024 – 2028) بقيمة 5 مليون دولار أمريكي. علاوة على ذلك، ساهم في تمويل البرنامج عدة مؤسسات إقليمية ودولية، منها البنك الدولي، ومؤسسة بيل ومليندا غيتس، والبنك الأفريقي للتنمية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والمعهد الوطني الملكي للمكفوفين التابع للمملكة المتحدة، ووزارة التنمية الدولية التابعة لحكومة المملكة المتحدة، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها التابع للولايات المتحدة، وشركات تصنيع الأدوية، ومنظمات طوعية دولية مختلفة، إضافة الى حكومات الدول الأفريقية المعنية وجهات أخرى.
مساهمات الصندوق الكويتي في مكافحة الأمراض في القارة الأفريقية
تأتي مساهمات دولة الكويت، ممثلة بالصندوق الكويتي للتنمية، في تمويل عدة برامج متعلقة بمكافحة الأمراض في القارة الأفريقية منذ عام 1974 وبالتحديد برنامج مكافحة وباء عمى النهر، وكانت على النحو الاتي:
• البرنامج الأول لمكافحة وباء العمى النهري
غطى هذا البرنامج نحو 11 دولة في غرب أفريقيا، وهم بوركينافاسو، وساحل العاج، ومالي، والنيجر، وبنين، وتوغو، وغانا، وغينيا، وغينيا بيساو، وسيراليون، والسنغال.
• البرنامج الثاني لمكافحة وباء العمى النهري
غطى هذا البرنامج نحو 20 دولة أفريقية وهي أنغولا، وبوروندي، والكاميرون، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية، وأثيوبيا، والغابون، وكينيا، وليبيريا، وملاوي، وموزمبيق، ونيجيريا، ورواندا، وتنزانيا، وأوغندا، والسودان، وجنوب السودان.
ويساهم الصندوق الكويتي بين فترة وأخرى عبر تقديم المنح والمساعدات الفنية للعديد من المؤسسات والهيئات التي تعمل في مجالات تتعلق بالصحة ومكافحة الأمراض بحوالي 23 مليون دولار أمريكي على النحو التالي:
• المساهمة كعضو مؤسس في صندوق أمراض المناطق المدارية.
• برنامج مكافحة الديدان الطفيلية – دودة غينيا.
• برنامج الشراكة من أجل مكافحة مرض الملاريا
• البرنامج القومي لمكافحة الامراض الحيوانية العابرة للحدود.
• الصندوق العالمي لمكافحة أمراض الايدز والملاريا والسل.
كما يقوم الصندوق بدعم القطاع الصحي وتلبية الحاجة المتزايدة لتوفير خدمات الرعاية الصحية، وتحسين وتطوير جودتها، بالإضافة الى ضمان توفر الرعاية الطبية لتقديم خدمة طبية أفضل والارتقاء بالوضع الصحي للسكان في الدول التي يتم تنفيذ المشاريع والبرامج الصحية فيها. وقد تم تمويل أكثر من 70 مشروع وبرنامج بإجمالي حوالي 196.7 مليون دينار كويتي (ما يعادل 630 مليون دولار أمريكي)، موزعة في عدد كبير من دول العالم، أغلبها في القارة الأفريقية.
المصدر : صحيفة الخليج
