على مرّ أجيال، دأبت عائلة عبد الله يوسف على زراعة الذرة والدخن والخضراوات في رقعة أرض قاحلة في تلال شمال غرب نيجيريا الجافة. يُطعم عائلته من هذه المنتجات ويبيع ما يستطيع في الأسواق المحلية، ليجني دخلاً يزيد قليلاً عن 200 دولار شهرياً.
لكنه يتساءل هذه الأيام عما إذا كان كل هذا خطأً مأساوياً. في العام الماضي، تُوفيت ابنته عن 12 عاماً بسبب سرطان الدم- وهو يعزو ذلك إلى المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب التي يستخدمها لمكافحة الجراد والسوس والأعشاب الضارة.
قال الرجل البالغ من العمر 45 عاماً بهدوء، وهو يُمرر أصابعه في التربة الجافة: “لقد أكلت مما كنت أزرع. كنت أُطعمها السم دون أن أعلم”. حاله حال كثير من المزارعين في جميع أنحاء نيجيريا، يعتمد يوسف على المواد الكيميائية الرخيصة، ومعظمها مستورد، لحماية محاصيله من الآفات والأمراض والأعشاب الضارة.
الاتحاد الأوروبي يستهدف خفض استخدام المبيدات الحشرية للنصف في 2030
أخبره أطباء محليون أن مرض ابنته قد يكون بفعل المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب، مشيرين إلى نمط من الأمراض المشابهة في جميع أنحاء الريف النيجيري. فكر يوسف في التحول إلى الزراعة العضوية، لكن “بالنسبة لصغار المزارعين مثلنا، يبدو الأمر مكلفاً ومعقداً جداً”. الآن، في كل مرة يربط فيها البخاخ على ظهره، يقول: “أشعر وكأنني أضع سكيناً على نحري”.
تتوفر عشرات من المواد الكيميائية من إنتاج شركات أوروبية على نطاق واسع في شتى أنحاء أفريقيا رغم أن الاتحاد الأوروبي قد حظرها بسبب الاشتباه بارتباطها بالسرطان وأمراض عصبية.
استوردت المنطقة 438 ألف طن من المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب في عام 2020، أي أكثر بثلثي الكمية عن عام 2018، وأكثر من نصف هذه المواد الكيميائية المستخدمة في نيجيريا شديد الخطورة، ولا يمكن بيع ما لا يقل عن 40% منها في أوروبا، وفقاً للتحالف غير الربحي للعمل بشأن المبيدات الحشرية في نيجيريا.
تشمل هذه المواد “مانكوزيب”، الذي تنتجه شركتا ”باير“ (Bayer) و“يو إل بي“ (UPL)؛ و“إيميداكلوبريد“ من ”باير“؛ و“أترازين“ و“باراكوات“ من ”سينجنتا“ (Syngenta)، وجميعها محظورة في الاتحاد الأوروبي. في نيجيريا وحدها، يمكن أن يُعزى ما لا يقل عن 450 وفاة بين عامي 2008 و2022 إلى المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب، وفقاً لتحالف العمل بشأن المبيدات الحشرية في نيجيريا.
سرطانات وأمراض عصبية
قال محمد كبير موسى، عالم الصحة العامة بجامعة ميشيغان: “هناك دليل علمي قوي على وجود روابط بين بعض المواد الكيميائية التي يحظرها الاتحاد الأوروبي وتطور حالات مثل السرطان والاضطرابات العصبية”.
تقول شركة ”سينجنتا“ إن استخدام ”باراكوات“ وسيلة فعالة لحماية المحاصيل، وإنها تشجع على الاستخدام “المسؤول والآمن” لهذا المركب الكيميائي. وتؤكد شركة ”باير“ أنها تتبع الإرشادات التنظيمية في الأسواق التي تبيع فيها منتجاتها، وأنها تقدم دورات تدريبية حول التعامل الآمن مع هذه المادة لملايين المزارعين حول العالم. ولم تستجب شركة ”يو بي إل“ لطلبات التعليق.
قال أوشاكوما أنيمغا، نائب رئيس الجمعية الطبية النيجيرية، إن المزارعين الأفارقة يحتاجون بالفعل إلى الأسمدة والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب، لذا يجب على المسؤولين إيجاد طريقة لحماية المحاصيل دون المساس بالصحة العامة.
ما هي كمية المبيدات الضارة المسموح بها في غذائنا؟
للحد من الأمراض المرتبطة بالمبيدات الحشرية دون الإضرار بالإنتاج الغذائي، يقترح أنيمغا تثقيف المزارعين والموزعين والمجتمعات المحلية حول الاستخدام الآمن، واقتراح ممارسات مثل استخدام المواد الكيميائية باعتدال وارتداء معدات واقية عند القيام بذلك.
وطالب الدولة بتعزيز إنفاذ الحظر على بعض المواد الكيميائية وتكثيف مكافحة النسخ المقلدة. وقال: “يعاني كثير من سكان المناطق الريفية من مشكلات صحية بسبب استخدام المبيدات الحشرية. وعلى الحكومة تنظيم حملات توعية مجتمعية للمزارعين لإنقاذ حياتهم“.
يقول النقاد إن إخفاق نيجيريا في السيطرة على تدفق المبيدات الحشرية الخطيرة ينبع من ضعف الحوكمة والقوانين القديمة. وقد تفاقمت المشكلة بسبب الإغلاق المفاجئ لقاعدة بيانات حكومية تحتوي على تفاصيل حول استخدام المبيدات الحشرية وحجم الواردات والمصنعين والمزيد، بزعم وجود مشكلات فنية.
بينما خططت الحكومة لحظر ”باراكوات“ اعتباراً من 1 يناير 2024 و“أترازين“ بدءاً من هذا العام، إلا أنهما ما يزالان متاحين، ويخشى النشطاء من أن هذا لن يتغير، إما بسبب تأجيل رسمي أو تراخٍ في التنفيذ.
ضغوط من أجل قوانين متساهلة
حصلت مجموعة ”كروب لايف نيجيريا“ (CropLife Nigeria)، وهي مجموعة ضغط تمثل ”باير“ و“باسف“ و“سينجينتا“ وغيرها من شركات تصنيع المبيدات الحشرية الكبرى، على مقعد في مجلس مبيدات حشرية حكومي، تقدم بمقترح يهدف إلى الإشراف على الاستخدام.
قال إيديم إينيانغ، أستاذ علم الأحياء بجامعة أويو، الذي يخشى أن تضغط ”كروب لايف“ من أجل قوانين متساهلة وأن تقلل من شأن سمية المبيدات الحشرية، إن ذلك يزيد من خطر أن تشكل الشركات الأجنبية العملاقة السياسة المتعلقة بمنتجاتها الخاصة.
قال إينيانغ: “لا أحد يتحمل المسؤولية الفعلية. الشركات التي لا تستطيع بيع سمومها في أوروبا تغرق أسواقنا بها”.
المبيدات تتسبب في شرخ بين فريقين من مناصري ترمب
ترد ”كروب لايف“ بأنها تبذل قصارى جهدها لتعزيز الإدارة المسؤولة للمبيدات، وتصر على تدريب المزارعين والموزعين على كيفية استخدام المواد الكيميائية وفقًا للمعايير الدولية. وتؤكد المجموعة أنها تعمل مع الحكومة لضمان التطبيق السليم لقوانين المبيدات وتحديد المنتجات المقلدة أو غير المسجلة.
يسعى تحالف العمل بشأن المبيدات الحشرية في نيجيريا، الذي يضم أكثر من 80 منظمة مدنية، إلى زيادة تنظيم الكيماويات الزراعية. لكن منذ إغلاق قاعدة البيانات، تفتقر نيجيريا إلى أي قائمة شاملة بالمنتجات المحظورة، كما يقول دونالد إيكينا أوفويجبو، منسق التحالف.
أضاف: “ما لدينا هو وثائق حكومية متناثرة لا تتضمن معلومات عن المصنّعين أو الوسطاء أو أحجام التداول. الهدف هو فضح ووقف استيراد وبيع المبيدات شديدة الخطورة والمحظورة”.
هل يخفف البرلمان القوانين بدل تشديدها؟
منسق التحالف قال إن مشروعَي قانون قيد الدراسة في البرلمان -أحدهما إنشاء مجلس المبيدات المقترح والآخر منح المصنّعين صوتاً أكبر في العملية التنظيمية- من شأنهما تخفيف القيود المفروضة على المبيدات بدلاً من تشديدها.
استجابةً لذلك، يعمل التحالف بشأن المبيدات الحشرية في نيجيريا على صياغة تشريع بديل تقول إنه سيعزز الشفافية والمساءلة من خلال تعزيز الهيئات التنظيمية القائمة ووضع جدول زمني صارم للتخلص التدريجي من المبيدات الخطرة. أضاف: “يجب على نيجيريا استعادة السيطرة على نظامها الغذائي. الأمر لا يتعلق بإطعام الناس، بل بالربح”.
المصدر : الشرق بلومبرج
