في حتا، تلك الجوهرة الجبلية التي تتكئ على ضفاف الطبيعة بطمأنينة واضحة، يستيقظ الشتاء بهدوء وكأنه يتهيأ لحكاية جديدة تكتب على مهل كل صباح، حيث يبدأ اليوم بلمسات ضوء خفيفة تتسلل من خلف الجبال إلى الوديان بليونة، فتبدو كرسائل دافئة تبعثها الشمس الأولى إلى مساحات المكان، فتنعكس هذه اللمسات على صفحة الماء الصافية، لتشكل مشهداً بصرياً يخطف الأنظار.
تجارب متجددة
ومع صعود الشمس تدريجيا، تتجمع الألوان فوق سفوح الجبال وتتمازج كما لو أنها تتفق جميعا على صياغة مشهد جديد ينعش المكان ويمنحه طاقة خاصة، عندها تبدو الجبال وكأنها تتحرك من سكونها لتشارك زوارها فعاليات «شتا حتا»، فتفتح ذراعيها لاستقبال محبي المغامرات والباحثين عن التجارب المتجددة وسط طبيعة لا تبخل بعطائها، فأجواء النهار في حتا ليست مجرد إضاءة طبيعية، بل عنصر أساسي في صياغة تجربة متكاملة تمتد من الأنشطة الترفيهية إلى التفاصيل التي تعكس روح المنطقة.
ومع تقدم النهار نحو لحظاته الأخيرة، يبدأ المكان في تغيير نبرته البصرية، تخفت ظلال الصخور، ويتحول ضوء الشمس إلى خيوط مائلة تلامس القمم بلمسة الوداع، وفي هذه اللحظة تحديدا، تتجه الأنظار نحو المشهد القادم وكأنه منادي ينادي بأن احتفالية الليل تستعد للظهور، حينها تبدأ حتا بارتداء ثوبها الليلي المتوهج، ثوبا يبدو كما لو أنه خيط من ضوء صاف ينساب على التضاريس، فتلمع الجبال بلمعان يشبه بقايا نهار لم يغادر بعد، وتذوب الألوان في التضاريس، لتشكل لوحة نابضة بالحياة، يختلط فيها نسيم الشتاء البارد مع دفء الابتسامات التي يستقبل بها أهل المنطقة زوارهم في مشهد يؤكد استمرار التقليد الإماراتي الأصيل في الضيافة.
شبكة لامعة
ومع حلول الليل الكامل، تصبح الأضواء هي اللغة الأساسية التي يتحدث بها المكان، تتوهج الممرات وتضيء الأزقة وتكتسي الجبال ثوباً من الجمال، حيث تتشابك خيوط الضوء لتشكل شبكة لامعة تبدو وكأنها امتداد طبيعي للسماء.
هذه الأجواء المتناغمة كفيلة بأن تمنح الزائر إحساسا بأنه يتحرك داخل فضاء مختلف، فضاء يبتعد قليلا عن الواقع ويقترب أكثر من مشهد خيالي قد لا يتكرر في أماكن أخرى، وفي ذروة هذا الهدوء الليلي، يأتي صوت الألعاب النارية ليكسر السكون، حيث تنطلق الألوان في السماء على شكل نبضات متتابعة، تتفتح وتختفي في لحظات خاطفة، تنثر هذه الانفجارات الضوئية أزهارا من النور فوق الوديان، بينما تتفاعل الجبال مع العروض الضوئية التي تسقط ألوانها على تضاريسها، فتمنحها حالة من الحيوية البصرية التي تزداد تأثيرا مع كل ومضة.
ألوان الفرح التي ينسجها “شتا حتا” على جبال المنطقة وتضاريسها تنادي الزوار من على مسافات أبعد من قلب الحدث، فقبل وصول المسافر إلى المكان، تتقدم الأضواء لتقوم بدور المرشد الأول، ولتخبره بأن الوهج المتناثر فوق الجبال، وانعكاساته على الماء، والكثافة الضوئية التي تلون السماء، خلفها تجربة تستحق الوقت والرحلة.
المصدر : البيان
