الشارقة: رضا السميحيين
ضمن فعاليات الدورة التاسعة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، قدمت فرقة المسرح الحر الأردنية عرضها المسرحي «يا زين»، وهو نص من تأليف أحمد الفاعوري وإخراج إياد الشطناوي، ينطلق العمل من ثيمة مألوفة في المجتمعات التقليدية، تتمثل في الصراع بين سلطة الآباء وحق الأبناء في الاختيار، ممزوجة بتفاصيل الصراعات الاجتماعية.
شارك في البطولة: هاني الخالدي، كرم الزواهرة، رسمية عبدو، نغم بطارسة، نجم الزواهرة، رهف الرحبي، روان ثلجي، وشارك كضيوف شرف: الفنان علي عليان والفنانة غادة عباسي، مضيفَين حضورهما وخبرتهما إلى نسيج العرض وأجوائه الرمزية.
روح التراث
جاءت المعالجة المسرحية للنص متحررة من الطرح التقليدي المباشر للقضايا الاجتماعية المعاصرة، إذ ارتقت بالصراع إلى مستوى رمزي أسهمت السينوغرافيا في صياغته بوعي وجمالية لافتة، واستلهمت بيئة العرض روح البادية الأردنية التراثية والفولكلورية، لتعكس منظومة من القيم وأنماط العيش والعلاقات الإنسانية، والتي أسهمت بشكل كبير في تشكيل الفضاء المسرحي وحركته.
كما أن الرؤية الاخراجية لمنطقة العرض، بما تحمله من رمال وكثبان واتساع بصري، جاءت منسجمة عضوياً مع العرض المسرحي، فقد تم تطويع المكان الطبيعي ليصبح جزءاً من البنية السينوغرافية، فألغى الحاجز التقليدي بين الخشبة والمتلقي، ليصبح الجمهور جزءاً من المشهد، شاهداً على الصراع من داخله. اعتمدت السينوغرافيا في العرض على وفرة العناصر في المكان، وتم توظيفها بصرياً بإتقان، فالخيول والخيام، وتوزيع الإضاءة، بالإضافة إلى حركة الممثلين، كلها عناصر اشتغلت ضمن منظومة فنية واحدة. كما أدت الإضاءة دوراً محورياً في تشكيل الفضاء الدرامي، خصوصاً في مثل هذا العرض الليلي المفتوح، فتم توظيف الضوء بأسلوب معزز لسردية العرض، ليحدد الانتقالات الزمنية والنفسية بين المشاهد، ليمنح الشخصيات أبعادها الداخلية، فمن ناحية جاءت الإضاءة الدافئة لترافق لحظات العشق والبوح بين «طراد» و«جديل»، فيما حضرت الإضاءة الحادة والظلال الثقيلة في مشاهد الصراع مع الأب، لتعكس التوتر والقسوة، وهذا التباين الضوئي الجمالي أسهم في قراءة الحالة النفسية للشخصيات، وفي توجيه انتباه المتلقي داخل فضاء العرض.
ديناميكية بصرية
على مستوى الحركة، اشتغل المخرج على توزيع المشاهد في الفضاء الصحراوي بذكاء، مستفيداً من الامتداد الأفقي للمكان، حيث توزعت المشاهد على مساحات متعددة، ولم تحصر في مركز واحد، مما خلق ديناميكية بصرية، وكسر الرتابة المحتملة في هكذا عروض في الفضاء المفتوح.
كما أن المؤثرات السمعية والموسيقية، التي جمعت بين الإيقاعات الأردنية التقليدية والأشعار المحملة بالحكم والأمثال، لعبت دوراً تكاملياً مع السينوغرافيا، فجاءت المقاطع الغنائية عنصراً مكوناً للمشهد، ليملأ الفراغ ويعزز الإحساس بالمكان والزمان، حيث تفاعل معه الجمهور بشدة، خصوصاً مع الأداء الصوتي القوي للممثلين، وقدرتهم على التحكم في النبرة والإيقاع، مما أسهم في تثبيت وترسيخ فكرة العرض وسط فضاء مفتوح قد يشتت انتباه المتلقي.
أما الأزياء، فقد جاءت منسجمة مع البيئة البدوية، مناسبة لفكرة العرض، لتؤكد انتماء الشخصيات إلى هويتها البدوية، وهذا الانسجام بين الزي، وحركة الجسد، والمكان، عزز مصداقية العرض، ومنح السينوغرافيا بُعداً ثقافياً لعرض يدرك خصوصية المسرح الصحراوي، ضمن رؤية فنية تعيد صياغة المكان ليحمل رسالة إجتماعية وثقافية، نجحت في تحويل فرجة البادية الأردنية إلى تجربة مسرحية معاصرة.
ذاكرة المكان
في المسامرة النقدية التي أعقبت العرض، توقف الدكتور عبدالكريم جواد (سلطنة عُمان) عند جملة من المرتكزات الجمالية والفكرية التي قام عليها عرض «يا زين»، مشيداً بدرجة الانسجام العالية بين عناصره المختلفة، ومعتبراً أن متعته تنبع من موضوعه، ومن الطريقة التي صيغ بها أدائياً. وأكد أن الحلول الإخراجية نجحت في تطويع فضاء الصحراء وتحويله إلى مسرح، جرى فيه توظيف الرمال والكثبان والخيم بوصفها مكونات دلالية أسهمت في بناء فضاء بصري جذاب ومعبر، كما أثنى على أداء الممثلين، لافتاً إلى قدرتهم على التفاعل مع المكان والسيطرة على حضوره الواسع.
من جانبه، أشار مخرج العرض إلى أن تجربة المسرح الصحراوي شكلت فرصة لاكتشاف عمق وغنى البادية الأردنية، وإعادة استحضار مفرداتها اللغوية وتعبيراتها الشفوية التي غابت عن التداول اليومي، مؤكداً أن العرض جاء ثمرة لهذا الاشتباك الحي مع المكان والذاكرة. وفي ختام المسامرة، قام أحمد بورحيمة، مدير إدارة المسرح ومدير المهرجان، بتكريم الدكتور عبدالكريم جواد، إلى جانب تكريم فرقة العرض الأردني.
المصدر : صحيفة الخليج
