يعد مهرجان «الشارقة للمسرح الصحراوي»، الذي يرعاه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتنظيم إدارة المسرح في دائرة الثقافة في الشارقة، والذي انطلق منذ العام 2015، من أهم الفعاليات المسرحية في الدولة بل وفي العالم العربي أجمع، لكونه يبحث في أفق جديد ومختلف للعرض المسرحي، حيث يتميز بروح الابتكار والتجديد، إذ تجري ممارساته الإبداعية في الهواء الطلق في منطقة الكهيف في صحراء الشارقة، ويشتمل على أعمال تستقي مواضيعها وأفكارها من بيئة الصحراء، ويشارك في المهرجان في كل عام عدد من الدول العربية.
تحدث عدد من المسرحيين الإماراتيين عن أهمية المهرجان الذي وصفوه بالمختلف والمتطور، وأشاروا إلى أن هذه المنصة أصبحت ذات مكانة كبيرة في العالم العربي نسبة للإقبال المتزايد عليه من قبل الفرق العربية، إضافة إلى المشاركة الجماهيرية من داخل الدولة والشارقة، وتكمن أهمية هذا المهرجان في كونه تجربة تريد أن تمنح «أبو الفنون» خصوصية عربية، حيث إن العروض هي عبارة عن محكيات وقصص جرت في الصحراء تعكس التراث العربي الكبير والمتنوع.
طرح إبداعي جديد
«هذا النوع من الأشكال المسرحية يعطي زخماً كبيراً للشارقة ومشروعها الثقافي ويقدم دفعة كبيرة للفعل المسرحي في الدولة، بحيث يجعلها من أهم البلدان المهتمة بأمر الفنون بشكل عام والمسرح على وجه الخصوص».. هكذا تحدث الفنان إبراهيم سالم معدداً الفوائد الكثيرة والمرجوة من منصة «الشارقة للمسرح الصحراوي»، باعتبارها تعلن عن طرح إبداعي جديد يعزز مكانة الشارقة التي ظلت تقدم الرؤى والأفكار الإبداعية المتنوعة، وذلك لإيمانها بأهمية الفنون والثقافة في حياة البشر.
وأوضح سالم أن «الشارقة للمسرح الصحراوي»، صار من أهم المهرجانات في المنطقة العربية، ونسبة لذلك فإن العديد من الدول في العالم العربي تبنت فكرة المهرجان، وصارت لديها منصات للإبداعات المسرحية الصحراوية، وذلك يشير لنجاح منقطع النظير وجدته هذه المنصة المتألقة بالفعل الإبداعي.
ولفت إبراهيم سالم إلى أن «المهرجان الصحرواي» يتميز بحالة بديعة، فهو يشبه أدب الرحلات وبعض الإبداعات الروائية التي تتناول الحياة الاجتماعية في الصحراء، لكن الفرق الجوهري أن الأعمال المسرحية التي تعرض في «الكهيف»، تجري وسط الفضاء الحقيقي الذي احتضن تلك الحكايات والقصص الصحراوية وتعكس بشكل حي حياة البدو التي عاشوها، حيث إن هناك بعداً حيوياً وتفاعلياً في عروض ومسرحيات المهرجان، وهنا تكمن صعوبة الأمر في التعامل مع المكان وهو أمر يتطلب عقلاً مسرحياً مبدعاً من أجل إنتاج عمل ينتمي بالفعل إلى الصحراء.
وذكر سالم أن الحراك الثقافي في الدولة وفي الشارقة يتميز بالتنوع، خاصة في مجال المسرح، فهناك أشكال مختلفة من المهرجانات ترضي أذواق الجميع وتعزز فكرة المسرح أكثر، وذلك يعود للدعم اللامحدود من قبل صاحب السمو حاكم الشارقة، وهو الأمر الذي وضع الفنانين أمام تحدٍّ كبير من أجل الانصراف نحو إنتاج الأعمال المسرحية التي يكون عنوانها العريض هو الجودة والإتقان، وذلك ما نلمحه حقيقة في العروض الإماراتية المشاركة في «الشارقة للمسرح الصحراوي»، وبقية المهرجانات.
تجارب
الفنان المسرحي عمر غباش أكد أن المهرجان يشير بشكل مباشر إلى حرص صاحب السمو حاكم الشارقة على دعم مسيرة المسرح في الدولة والعالم العربي وهو بمثابة فرصة لتقديم تجارب مسرحية مختلفة نوعية بخلاف تلك الأعمال الاعتيادية التي تقدم على خشبة المسرح التقليدي.
وذكر غباش أن المسرح في الصحراء هو فكرة مستجدة على الساحة المسرحية في الوطن العربي، ولكنه يشبه بعض الأشكال التي عرفها «أبو الفنون» في العالم العربي، مثل مسرح الساحات في مصر خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي، بالتالي فهو ليس غريباً تماماً عن الحراك المسرحي العربي، لكن الجديد هو أن تكون الصحراء هي الفضاء الحاضن للممارسات الإبداعية المسرحية، بالتالي ذلك الأمر يشير إلى أصالة المهرجان الذي ينفتح على التراث العربي ليتخير محكياته ومروياته ويحولها إلى فعل إبداعي نابض بالحياة.
وأوضح غباش أن فكرة المهرجان تؤسس لفرجة جديدة، حيث إن هذه المنصة تستنبط الهوية والتراث والتاريخ العربي القديم ويعتمد بشكل أساسي على الكثير من القصص الموجودة في ذلك التراث، بالتالي هو بلا شك مختلف عن بقية أنواع المسرح، فهو يمزج بين الطبيعة والأداء المسرحي، فهو تجسيد حي للقصة الأصلية التي يشتغل عليها، بالتالي فهو مهرجان فريد قابل للتطور أكثر وهو يعبر عن ذلك الشغف الكبير للشارقة بالإبداع المسرحي.
ولفت غباش إلى تلك المشاركات النوعية الكبيرة من قبل فرق تنتمي إلى دول عربية مختلفة في جميع دورات المهرجان السابقة وكذلك في نسخته الحالية، حيث إن جميع تلك المشاركات اعتمدت على تقديم عروض تضمن قصصاً وحكايات جرت في صحارى تلك البلدان، مما يشير إلى التنوع والثراء في الحكايات البدوية الصحراوية، وكذلك التعبير عن مفردات التراث المختلفة، فهي تظاهرة تقرب بين هذه الشعوب عبر التعرف على ثقافتها وإبداعها.
ولفت غباش إلى أن تلك المشاركات الفنية التي تقدم، لا تعبر عن صيغ ماضوية فقط، بل تطرح بصورة حديثة من حيث العمليات الإخراجية والتقنيات المختلفة، كما أنها تطل على الحاضر والمستقبل، حيث أن عملية استدعاء التاريخ هي مسألة مهمة في فهم الواقع الراهن والتصدي لمشاكله، وتلك هي فائدة التنقيب في التراث ومفرداته المتنوعة والمتعددة.
لغة واحدة
الفنان عبد الرحمن الملا هو أحد المبدعين المشاركين في الدورة الحالية من المهرجان كمخرج في مسرحية «جمر الغضى» تأليف فيصل جواد، حيث يشير الملا إلى أن العرض ينتمي إلى البيئة الصحراوية ويعبر عما فيها قصص، فهو عبارة عن حكاية حب بين «سلمى»، و«يقظان»، وهناك شخصيات أخرى مثل: «نوف» و«وائل»، حيث تحكي القصة عن مشاعر الحب والحسد والغيرة التي تعتمل في القلوب وما يتبعها من تصرفات إلى أن ينتصر الحب في النهاية، وتلك من الثيمات الموجودة في حكايات الصحراء تم الاشتغال عليها بطريقة تبين جماليات الصورة والحركة.
وذكر الملا أن ما يميز هذه المنصة المتوهجة أن العروض تقام في الهواء الطلق بعيداً عن الصالة المغلقة «العلبة الإيطالية»، بالتالي فإن الأعمال تعكس لحظة مسرحية تتوفر فيها المتعة والدهشة وسط أجواء بديعة في تلك الصحراء الشاسعة والممتدة، حيث يرى المشاهد بصورة حقيقية كائنات الصحارى من إبل وأحصنة ومختلف أنواع الدواب وهي تتحرك أمامه كجزء من العرض، إضافة إلى الاشتغالات التي تقدمها الإضاءة والسينوغرافيا، بالتالي هناك مزج بين التقنيات والفعل المسرحي الطبيعي وهو أمر مبتكر وفي ذات الوقت قريب من قلب المشاهد.
وأشار الملا إلى أن هذه المنصة هو من أفكار صاحب السمو حاكم الشارقة، الذي عوّد المسرحيين على تقديم أطروحات وأفكار غير مطروقة، إضافة إلى مشاركته بنفسه ككاتب لنصوص العديد من العروض التي قدمت، حيث ظل سموه يرفد المسرح بالأفكار والأبحاث المختلفة الأمر الذي تطور معه المسرح الإماراتي والعربي على وجه العموم.
وأكد الملا أن من المهرجان يعكس جماليات الصحراء والقيم التي حملتها، وعلى الرغم من تقلص المساحة الصحراوية في العديد من الدول العربية، لكنها ظلت موجودة كسمات وكهوية وأخلاق وأصالة عربية، لذلك هي تحتل مكانة كبيرة لدى الشعوب العربية، بالتالي فإن التعبير مسرحيا عن هذه الحالة يعمق من وجود تلك الثيمات التي تحملها الصحراء.
وقال الملا: «نحن أمام تجربة صحراوية تجمع بين جميع الدول العربية التي لديها بيئة صحراوية، وعلى الرغم من الاختلاف في بعض الثقافات، إلا أن ثمة لغة مشتركة ومبدأً واحداً يجمع بينها وهي العادات والتقاليد البدوية الصحراوية التي تسري في العروق وتؤكد التقارب العربي، بالتالي فإن المهرجان يمثل ملحمة مسرحية كبرى.
وأشار الملا إلى أن المهرجان إلى أن عشاق الفنون المسرحية في مختلف الدول العربية وداخل الإمارات يتوافدون سنوياً إلى تلك البقعة الصحراوية الملهمة في الشارقة «الكهيف»، والتي تعد من المناطق السياحية الخلابة، وها هو المهرجان يضيف إليها بعداً جمالياً وقيمة سياحية، بعد أن صارت فضاء للعروض المسرحية التي تتمثل حكايات الصحراء.
وذكر الملا أن من الفوائد الكبيرة للمهرجان هو أنه استطاع أن يشكل قاعدة جماهيرية كبيرة للمسرح، حيث إن الأعمال المقدمة هي من النوعية التي يحبها عشاق المسرح فهي ذات طبيعة جماهيرية شعبية، مما يشير إلى أهمية هذه المنصة في تشكيل الوعي المسرحي ورفع مستوى الذائقة وهو الأمر الذي يعود بالفائدة الكبيرة بالنسبة للحراك الفني في الدولة ويرسخ من مكانتها المعروفة.
ودعا الملا الفنانين إلى المشاركة في هذا المهرجان المهم، حيث إن الأجواء والفضاءات الصحراوية محرضة للإبداع وتقديم مقترحات فنية بثيمات مختلفة ومتنوعة.
نصوص الصحراء
الكاتب المسرحي صالح كرامة تحدث عن أهمية منصة«الشارقة للمسرح الصحراوي»، بوصفها فضاءً مسرحياً من نوع خاص ومختلف حتى في مجال الكتابة، فهي تعتمد على نصوص ترتبط بالصحراء وبالحياة البدوية، بالتالي لابد من مراعاة الكثير من الأشياء على رأسها مقدرة المؤلف صناعة المشهديات الحية والتفاعلية بشكل دقيق، فالكتابة لمسرح الصحراء هو أقرب إلى الكتابة للسينما، حيث أن الصورة هي سيدة الموقف.
وذكر كرامة أن العروض التي تقدم في المسرح الصحراوي هي تكتسب صفة الأعمال الملحمية، من حيث الحواريات والأشعار والصراع والمجاميع الكبير للمثلين والمؤدين والجوقة، ولابد أن تستوعب النصوص ذلك الأمر، حيث من الضروري أن يعبر النص عن المكان والتاريخ وكذلك الحاضر إلى جانب التراث ومفرداته المختلفة، وهذا يتطلب من المؤلفين الغوص عميقاً في التراث العربي، وفي الحكايات والقصص القديمة، فليس المهم استعراض تلك المحكيات كما هي، بل الأخذ بمضامينها ومعانيها وخلاصة ما تحمله من أفكار من أجل العمل على تقديم القصة وفق رؤية جديدة ومبتكرة بحيث لا تكون مجرد تكرار للحكاية القديمة.
«مقترح مبتكر يؤسس لفرجة مختلفة»، هكذا تحدث الفنان جمعة علي، الذي كان ضمن المسرحيين الذين شاركوا في أول دورة للمهرجان عام 2015، وأشار إلى أن هذه المنصة تعد من الفعاليات التي تعبر عن أفكار ترفد الحراك المسرحي العربي ككل بكل جديد في سياق البحث عن خصوصية، وذلك الأمر يتضح بشكل جليّ مع دورات المهرجان المتعاقبة، حيث يبرز التطور الواضح على مستوى المشاركات والعروض والتنظيم.
وذكر علي، أن المهرجان يتناول المرويات والسرديات التي حدثت في البيئة البدوية الصحراوية، وتلك نوعية قريبة إلى قلوب الجمهور الإماراتي والعربي باعتباره نابعاً من التاريخ والبيئة والتراث، لذلك ظل المهرجان ومنذ انطلاقته يتابع بجمهور كبير يتزايد في كل دورة جديدة ويقبل على صحراء الكهيف من كل أنحاء الدولة ليمتع نفسه بالممارسة المسرحية التي تجري وسط طبيعة ساحرة مما يمنح العين متعة بصرية مختلفة، فكل ما في الصحراء من مفردات يجده المتلقي أمامه مباشرة، ومما يزيد الأمر متعة أن الحكايات العربية في الصحراء مختلفة من دولة لأخرى مما يصنع فرصة للتعرف على تلك القصص والسرديات بصورة مبتكرة وفعل إخراجي مميز وأداء تمثيلي يتفاعل معه الجمهور.
وأوضح علي، أن المهرجان يسير من نجاح لآخر ويؤكد قدرة المسرحيين العرب على إحداث أشكال جديدة في العرض المسرحي، حيث استطاعت هذه المنصة أن ترسخ في أذهان وقلوب الجمهور المحلي والعربي، واستطاعت أيضاً أن تلفت أنظار العالم إلى هذه التجربة الفريدة التي تؤكد المكانة التي باتت تحتلها الشارقة والدولة في خريطة العطاء المسرحي العالمي.
ولفت علي، إلى أن من أكبر الدلائل والمؤشرات على نجاح هذا المهرجان، هو حرص الفرق المسرحية العربية على المشاركة فيه، لأنه مقترح مختلف، وكذلك لأنه يضع المسرحيين أمام تحدٍّ كبير، وذلك لأن فضاء العروض مختلف، وذلك ينعكس بطبيعة الحال على الرؤى الإخراجية والأداء التمثيلي، كما أن حضور هذه الفرق هي فرصة للنقاشات حول واقع ومستقبل المسرح العربي بين الفنانين، إضافة إلى تلك النقاشات التي يكون ميدانها الندوات الفكرية، والمسامرات النقدية التي تقام عقب العروض والتي من شأنها أن تضيف كثيراً للحراك المسرحي العربي، حيث إن تطوير «أبو الفنون» في المنطقة العربية ظل هاجساً يشغل بال جميع الفنانين والمثقفين، ومنصة «الشارقة الصحراوي»، هي من نتاج تلك الرؤى التي تنشد الازدهار والتقدم لمسرحنا العربي.
طاقات شبابية
المنصات والفعاليات المسرحية المتنوعة في الدولة تكشف عن وجود طاقات شبابية كبيرة، ومواهب متطورة، تعمل على تقديم الكثير من العطاءات الفنية والدفع بالحراك المسرحي في الإمارات إلى الأمام، ويشهد المهرجان تطورا أكبر يشمل دورات تخصصية تعينه نظرياً وفكرياً، حيث إن من أهم فوائد هذه التظاهرة الفنية ذلك التلاقي بين المسرحيين العرب في مختلف مجالاتهم مما يعتبر فرصة سانحة للنقاشات وطرح الرؤى والأفكار.
روح الصحراء
المهرجان فريد في فكرته وكذلك في الفضاء الذي يحتضن الأعمال المسرحية، حيث إن العمل على صحراء ممتدة وجمهور يختلف في جلسته عن المسرح التقليدي، تتطلب من صناع العروض جهداً إبداعياً مضاعفاً من أجل تقديم عمل مقنع ينتمي إلى الصحراء، إذ إن العمل في الفضاء المفتوح هو من أصعب التحديات التي تواجه المسرحيين لأن كل شيء يكون مختلفاً من ديكور وأثاث وأزياء وكذلك الأفكار.
المصدر : صحيفة الخليج
