
هل يُحدث قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين تحولاً محورياً بحيث ينتقل صنع الرقائق من شركة ”إنفيديا“ إلى صنع رقائق محلية؟ يشير الإقبال المتزايد على البدائل المحلية إلى أن نقطة التحول قد حانت.
تشير الأرباح الضخمة لشركة ”كامبريكون تكنولوجيز“ (Cambricon Technologies)، التي أعلنت أن مجموعة ”علي بابا هولدينغ“ تختبر أجهزة ذكاء اصطناعي جديدة، ورفض بكين إعادة رقائق (H20) التي تصنعها ”إنفيديا“ خصيصاً للصين، إلى أن القطاع بدأ أخيراً في مواكبة جهود الحكومة لتحقيق الاعتماد على الذات.
الصين تحذر شركاتها من استخدام رقائق إنفيديا “H20” الأميركية
نقلت صحيفة “ذا إنفورميشن” أنه حتى شركة ”ديب سيك“ الناشئة الرائدة تستخدم رقائق من شركة ”هواوي تكنولوجيز“ التي تتخذ في شنجن مقراً لها، لتدريب بعض النماذج، مع استمرارها في استخدام رقائق ”إنفيديا“ لأكبر وأقوى نماذجها.
لطالما كان هذا التحول الجذري أولوية لدى بكين، حتى مع تفضيل الشركات لعروض ”إنفيديا“ المتميزة. لكن كلما ازداد زخم هذه الحركة، تسارعت وتيرة التحول فيما يعكف المطورون على بناء ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام أجهزة محلية. يسمح هذا للشركات المحلية التي تُقدّم التقنية بتعزيز قدراتها، بالإضافة إلى دعم البحث والتطوير.
هل يواكب السوق توجيه الحكومة؟
هذه المرة، لا تقتصر الضغوط على التوجيهات الحكومية الصريحة لدفع منظومة هذا القطاع المحلية. أشار روي ما، محلل التكنولوجيا الصيني، في منشور على منصة ”إكس“: “العقوبات تُسرّع وتيرة العمل والسياسات تدعمها. لكن واقع السوق هو العامل الأبرز في إجبار الشركات على التحرك بسرعة كبيرة”. إن الوتيرة المحمومة للذكاء الاصطناعي في حقبة ما بعد ”ديب سيك“ تعني أن من المنطقي تجارياً للشركات الصينية أن تفعل ما تجيده وهو المنافسة.
تركز الاهتمام الدولي على جهود ”هواوي“ للحاق بشركة ”إنفيديا“. السبب الرئيسي وراء كل هذه الضجة الإعلامية التي اجتذبتها ”كامبريكون“ هو أنها واحدة من شركات تصنيع الرقائق الصينية القليلة المدرجة في البورصة. لكن هذه الشركات ليست الوحيدة التي تحاول ملء الفراغ. فالشركات الناشئة في شنغهاي، مثل ”إنفليم“ (Enflame) و“ميتا إكس“ (MetaX)، تسعى جاهدة بدورها لاغتنام الفرصة.
“ديب سيك” يعيد عملاقة التكنولوجيا الصينية “هواوي” إلى الربحية
هناك أسباب تدعو إلى كبح الحماس، وقد تطرقت الشركات بنفسها إلى الأمر بواقعية. حذّرت “كامبريكون” المستثمرين من أن سعر السهم ربما يكون قد انحرف عن “أساسيات الشركة الحالية”. وبددت الشائعات حول منتجات جديدة قيد التطوير، وشددت على التهديدات المستمرة لاستقرار سلسلة التوريد.
تراجعت أسهمها الخميس بأكبر قدر شهدته منذ أبريل بعد ارتفاع حاد في أغسطس. في يونيو، قلل مؤسس ”هواوي“ رين تشنغ فاي من أهمية إنجازات الشركة في مجال الرقائق في مقابلة على الصفحة الأولى مع صحيفة الشعب اليومية، قائلاً إنها “متأخرة عن الولايات المتحدة بجيل كامل”. وسلطت ”ميتا إكس“ الضوء على الصعوبات النظامية التي تواجه شركات تصنيع الرقائق الصينية في إفصاح تنظيمي قبل الطرح العام الأولي.
حظر يعيق التطوير
وهناك سؤال كبير آخر يلوح في الأفق حول مدى إمكانية زيادة الإنتاج بما يكفي لتلبية الطلب. نقلت صحيفة ”فاينانشيال تايمز“ أن الصين تسعى إلى مضاعفة إجمالي إنتاج معالجات الذكاء الاصطناعي ثلاث مرات العام المقبل، لكن بناء مصانع متقدمة يستغرق وقتاً ومعدات محظورة حالياً على البر الرئيسي بسبب ضوابط التصدير التي تقودها الولايات المتحدة.
قدّر محللون أن إجمالي شحنات ”كامبريكون“ سيبلغ حوالي 143 ألف وحدة هذا العام. وقالت الولايات المتحدة بأن ”هواوي“ غير قادرة على إنتاج أكثر من 200 ألف رقاقة ذكاء اصطناعي متقدمة في 2025. بالمقارنة، باعت ”إنفيديا“ حوالي مليون رقاقة (H20) في عام 2024، على الرغم من أن هذا الرقم قد يمثل أيضاً تخزيناً قبل القيود المتوقعة.
حُظرت معالجات (H20)، وهي أكثر المعالجات تقدماً التي يُسمح لشركة ”إنفيديا“ بأن تبيعها في الصين بسبب قيود التصدير، لفترة وجيزة في وقت سابق من هذا العام قبل أن تعلن واشنطن عن إمكانية استئناف المبيعات.
مؤسس “هواوي” يقلل من أثر قيود واشنطن على قطاع الرقائق في الصين
لكن حتى مع إنعدام الوصول إلى أفضل منتجات”إنفيديا“، أظهرت شركات الذكاء الاصطناعي الصينية العملاقة براعة ملحوظة في تحسين نماذجها لتعمل على تقنيات الجيل القديم من ”هواوي“ و“كامبريكون“.
على الرغم من حالة عدم اليقين بشأن (H20)، قال محللو بلومبرج إنتليجنس في مذكرة: “ما تزال الصين في وضع جيد لتحقيق مزيد من التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي”. ركزت شركات التقنية الأمريكية العملاقة على التفوق على أفضل المعايير والذكاء الاصطناعي العام، حيث يتطلب الوصول إلى أكثر موارد الحوسبة تقدماً. لم تتضح مدى أهمية امتلاك أفضل التقنيات لمبادرة الرئيس شي جين بينغ ”الذكاء الاصطناعي+“ (+AI) لنشر هذه التقنية في قطاعات واسعة من المجتمع، في حال توفر أدوات جيدة بما يكفي لإنجاز المهمة.
في نهاية المطاف، يكمن التحدي الأكبر لمعرفة ما إذا كانت بكين قد تجاوزت إنفيديا حقاً في كيفية استجابتها لاحتمال تخفيف الولايات المتحدة لضوابط التصدير على معالجات الشركة الأقوى. مع تحول رقائق الذكاء الاصطناعي إلى ورقة ضغط في الحرب التجارية، يُرجح بقوة أن الصين ما تزال تحاول انتزاع تقنيات أفضل من واشنطن.
هل خسرت “إنفيديا” سوق الصين تماماً؟
في أحدث مكالمة أرباح، صرّح رئيس ”إنفيديا“ التنفيذي جنسن هوانغ بوجود “احتمال حقيقي” أن تسمح الحكومة الأمريكية للشركة ببيع معالجات ”بلاكويل“ الأكثر تقدماً في الصين، التي تتفوق بشكل كبير على معالجات (H20) وأفضل الرقائق المصنعة محلياً.
ربما تكون بكين قادرة على تشجيع الشركات على تجنب (H20) لصالح البدائل المحلية، ولكن رفض تقنية الجيل التالي سيكون أصعب على قطاع الذكاء الاصطناعي إذا كانت تريد مواكبة تكنولوجيا وادي السيليكون.
على أي حال، فإن التحول الملحوظ في الأجواء خلال الأسبوع الماضي جعل الحفاظ على مكانة ”إنفيديا“ في السوق الصينية على المدى الطويل يبدو أصعب من أي وقت مضى.
المصدر : الشرق بلومبرج