وول ستريت متفائلة بشأن 2026 لكن المشهد يخالفها

وول ستريت متفائلة بشأن 2026 لكن المشهد يخالفها

ها قد عاد موسم التكهنات في وول ستريت، حيث يحاول المحللون الاستراتيجيون التنبؤ بمستقبل مؤشر ”ستاندرد أند بورز 500“ في نهاية العام المقبل.

هذه المرة، يتوقع المحللون ارتفاعاً جريئاً نسبياً قدره 11% خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة، لكن الاعتماد على هذا التقييم في بناء استراتيجية الاستثمار لا يجدي نفعاً، تماماً كما هو حال قراءة الطالع، وهذا يظهر في تحديثي السنوي لتقييم نتائج المحللين.

مع ارتفاع التقييمات، من الضروري أن يتجنب المستثمرون العجرفة والتراخي. للإنصاف، فإن المحللين الاستراتيجيين لم يمروا بعام سيئ كالمعتاد. في مثل هذا الوقت من العام الماضي، توقع المحللون أن يصل مؤشر ”ستاندرد آند بورز 500“ إلى 6614 نقطة بنهاية عام 2025 (بزيادة قدرها 9% عن تاريخ التوقع). في الواقع، من المتوقع أن يتجاوز المؤشر هذا الرقم بنحو 3 نقاط مئوية، وهو هامش مقبول جداً في السياق العام.

هل يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في وول ستريت؟

قبل ذلك، كان إجماع الاستراتيجيين مغلوطاً بأرقام من خانتين لثماني سنوات متتالية. ربما تتحسن التنبؤات للسنة الثالثة من السوق الصاعدة، لكن التفسير الأرجح هو أن الاستراتيجيين كانوا على موعد مع الحظ الطيب.

يشير هذا السجل السيئ إلى حقيقتين قاسيتين حول هذا التقليد الغريب في وول ستريت.

أولاً، نحن نطلب من المحللين الاستراتيجيين أن يفعلوا المستحيل. في سوق تتشكل بفعل قوى عالمية مجهولة (حروب، نزاعات تجارية، إلخ) وابتكارات عظيمة (ذكاء اصطناعي، أدوية إنقاص وزن خارقة، إلخ)، ليس معقولاً ببساطة أن يعرف أي شخص أين سيستقر المؤشر بعد 12 شهراً بدقة متناهية. يتطلب الأمر مهارة فائقة وحظاً وافراً للتنبؤ بمسار الأرباح خلال تلك الفترة، لكن تقلبات معنويات السوق تزيد الأمر تعقيداً.

ثانياً، أصبحت قمة السوق اليوم ثقيلة جداً، إذ تُسيطر خمس شركات تقريباً على نصف عوائد المؤشر. يتطلب بناء نموذج قابل للتطبيق افتراضات واضحة حول مسارات أرباح شركات مثل ”إنفيديا“ و“أبل“ و“ألفابيت“ و“مايكروسوفت“ و“برودكوم“، إن هذا النوع من التحليل ليس من صميم اختصاصات مُحللي استراتيجيات السوق على المستوى الكلي.

فارق ضيق جداً لتوقعات عام 2026

إذاً، ما الذي يُمكننا استنتاجه من الوضع في عام 2026؟ إنه عام يحمل في طياته نطاقاً واسعاً من النتائج المحتملة، ولا تغطي التوقعات الإيجابية التي يشير إليها المحللون سوى جزء ضئيل من دقة وتفاصيل السوق وحالة عدم اليقين.

حتى الفارق الذي يبلغ حوالي 16% بين التقديرات الدنيا (7000) والعليا (8100) في استطلاع بلومبرغ الرئيسي للخبراء الاستراتيجيين يبدو ضيقاً جداً، ويعكس قدراً خطيراً من الغفلة.

لقد كان هذا الفارق بين التقديرين الأدنى والأعلى هو الأضيق في البيانات التي راجعتها منذ عام 2018 على الأقل، مع العلم أن الاستطلاع لا يشمل بيتر بيريزين، كبير الاستراتيجيين العالميين في شركة ”بي سي إيه ريسرتش“ (BCA Research)، الذي يُعد – على حد علمي – أكبر المتشائمين هذا العام.

“وول ستريت” عليها الاستعداد لشتاء الذكاء الاصطناعي

تبدأ النظرة التشاؤمية بملاحظة بسيطة، وهي أن مضاعف شيلر لسعر السهم إلى الأرباح لمؤشر ”ستاندرد أند بورز 500“ بلغ أعلى مستوى له منذ فقاعة الإنترنت، مدعوماً بالحماس الواسع للذكاء الاصطناعي.

يتوقع بيريزين، من شركة ”بي سي إيه“، الذي حدد سعراً مستهدفاً لمؤشر ”ستاندرد أند بورز“ عند 5280، أن “مراجعة واقعية للذكاء الاصطناعي” قد تؤدي إلى انهيار الأسهم، وبالتالي دفع الولايات المتحدة إلى الركود.

في نهاية المطاف، انتعش هذا الاقتصاد بفضل الإنفاق الرأسمالي على الذكاء الاصطناعي، من جهة، و”تأثير الثروة” الناتج عن ازدهار سوق الأسهم، من جهة أخرى.

ماذا لو بدأ التشكيك في سردية الذكاء الاصطناعي؟

بالإضافة إلى مواطن الضعف الكامنة في الاقتصاد، يشير بيريزين إلى أن تصدعات بدأت تعتري سوق العمل، وأن البنية الاقتصادية برمتها قد تنهار إذا بدأ الفاعلون الاقتصاديون بالتشكيك في سردية الذكاء الاصطناعي.

لقد كتب بيريزين، أحد أبرع المحللين الاستراتيجيين اعتناءً بالتفاصيل، توقعات هذا العام (مرة أخرى) كرسالة من عام قادم. إليكم ما جاء به بمبالغة مني:

كان ركود عام 2001 نتيجة لانهيار سوق الأسهم أكثر من أن يكون سبباً له. واتبع التراجع الاقتصادي الذي بدأ مع نهاية عام 2026 السيناريو نفسه. فقد أدى انخفاض أسعار الأسهم إلى انعكاس اتجاه أثر الثروة…

للتوضيح، كان بيريزين أيضاً أكثر المتنبئين تشاؤماً بشأن السوق في عام 2025، ولم تتحقق توقعاته. فقد اعتقد خطأً أن الولايات المتحدة ستدخل في ركود ربما يكون سببه سياسات دونالد ترمب التجارية، أو ربما “اضطراب سوق السندات” الناجم عن مخاوف العجز المالي.

بينما كانت تلك العوامل محركات مهمة لتقلبات السوق قصيرة الأجل، إلا أنها لم تُفلح في إخراج السوق أو الاقتصاد عن مسارهما. ومع ذلك، تعجبني جرأة بيريزين، ويسعدني وجود من يسلط الضوء على مخاطر التراجع.

مقومات سيناريو التفاؤل

في المقابل، يعتمد مسار السوق الصعودي على استمرارية الأداء. فمؤشر ”ستاندرد آند بورز 500“ يسير بخطى ثابتة نحو نمو ربحية السهم بنسبة 12% هذا العام، ولن يتطلب الأمر سوى استمرار هذا الاتجاه ليحقق المؤشر عوائد بنسب مئوية من خانتين في عام 2026 أيضاً.

وقد يُؤدي التحفيز المالي الناتج عن قانون الضرائب الجمهوري إلى تسارع طفيف في النمو الاقتصادي العام المقبل، كما أن أرباح طفرة مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي قد تُساهم في زيادة النمو. تتوسع هذه التوقعات لتشمل قطاعات غير تقنية، مثل القطاعات الصناعية.

“إنفيديا” تفشل في إنهاء انقسام وول ستريت حول الذكاء الاصطناعي

إليكم كيف يبرر جون ستولتزفوس، كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة ”أوبنهايمر أسيت مانجمنت“ (Oppenheimer Asset Management)، هدفه لمؤشر ”ستاندرد أند بورز 500“ عند 8100 نقطة، وهو أعلى هدف في استطلاع بلومبرغ (والمبالغة هنا مني):

يكمن جوهر ما ينتظرنا لتحقيق هدفنا السعري لعام 2026 في السياسة النقدية، والسياسة المالية، والتقدم المستمر في الابتكار، ونمو أرباح الشركات، وكلها عوامل داعمة لأسعار الأسهم، وتُعدّ أساسية لنمو الأرباح والإيرادات في العام المقبل.

كان ستولتزفوس متفائلاً بشكل صحيح خلال السنوات الثلاث الماضية، وكان يسهل الاعتماد عليه كاستراتيجي ذي خبرة واسعة. لكن مع ذلك، انتهى به الأمر إلى توقع سعر متفائل جداً لعام 2022، إذ جاء تفاؤله مخطئاً بنسبة 39% عندما انزلقت الأسهم إلى سوق هابطة، وهو أسوأ خطأ في ذلك العام.

على أي حال، فإن الإجماع المتفائل في وول ستريت يخفي توقعات مليئة بالمخاطر، والغفلة هي الخطر الأكبر. يسهل أن تكون جزءاً من إجماع: فعندما تكون على صواب، يمكنك أن تنسب الفضل لنفسك؛ وعندما تكون مخطئاً، يمكنك أن تدّعي أن الجميع كانوا مخطئين أيضاً. أما الخروج عن السرب فقد يؤدي إلى طردك من هذا المجال.

إذا كان الإجماع صحيحاً، فسيكون عام 2026 عاماً عادياً، لكن ما أمامنا لا يبدو كمكونات لملل. لهذا السبب، لا أستبعد أن يكون هذا العام عاماً استثنائياً على نمط بيريزين.

المصدر : الشرق بلومبرج