زيارة ثقافية فنية لبيت سعيد بن حمد القاسمي

زيارة ثقافية فنية لبيت سعيد بن حمد القاسمي

معرض يجسد حضور التراث المعماري والحضاري الإماراتي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشارقة: «الخليج»

نظمت جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، زيارة ثقافية بالتعاون مع بيت الشيخ سعيد بن حمد القاسمي ـــ متحف كلباء، بدأت بجولة تعريفية في بيت الشيخ سعيد بن حمد القاسمي، أحد أبرز المعالم التراثية في الشارقة، والذي يُعدّ رمزاً معمارياً وثقافياً يجسّد عمق الهوية الإماراتية وأصالتها المتجذّرة في التاريخ. شُيّد هذا البيت ما بين 1898 و1901على شاطئ كلباء، مقابل حصنها العريق، في موقع استراتيجي حيوي شهد آنذاك حركة تجارية واقتصادية نشطة، أسهمت في تشكيل الملامح الحضارية والثقافية للمنطقة الشرقية من الإمارة.

وشكّل البيت في حقبته التاريخية مقراً لإقامة الشيخ سعيد بن حمد القاسمي، إلى جانب كونه مركزاً لإدارة شؤون الحكم، وفضاءً احتضن تفاصيل الحياة اليومية للأسرة الحاكمة، بما تحمله من عادات وتقاليد وقيم اجتماعية أصيلة. ولا تزال جدرانه حتى اليوم شاهدة على ذاكرة المكان والإنسان، وحافظة لسرديات تاريخية تعبّر عن نمط العيش الإماراتي في أواخر القرن الـ 19 وبدايات القرن الـ 20.

صُمِّم البيت ليتماشى مع العمارة الإماراتية التقليدية، ويتألف من قسم إداري يضم المجلس والمرافق الدفاعية، وآخر سكني خُصّص للعائلة، مع مراعاة الخصوصية والانسجام مع البيئة الطبيعية المحيطة.

وفي إطار جهود الشارقة في صون التراث والمحافظة على المعالم التاريخية، بدأت أعمال ترميم البيت عام 1993 بتوجيهات كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ليُفتتح لاحقاً كمتحف يستقبل الجمهور، ويؤدي دوراً ثقافياً وتوعوياً بارزاً.

واليوم تحوّل إلى فضاء معرفي حيّ ومنارة ثقافية تعكس فلسفة الشارقة في تحويل التراث إلى مصدر إلهام متجدّد، يسهم في ترسيخ الهوية الوطنية في وجدان الأجيال القادمة، ويؤكد مكانة الإمارة كوجهة ثقافية وسياحية رائدة على المستويين المحلي والعالمي.

*«أطياف الزمن الجميل»

عقب الجولة في أروقة المتحف، توجّه الزوار إلى المعرض الفني المؤقت «أطياف الزمن الجميل»، وضم أعمالاً للفنان عبدالرحيم سالم رئيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، والفنانة الدكتورة نجاة مكي. وقدّم الفنانان من خلال أعمالهما رؤى بصرية معاصرة تستلهم البيت والتراث الإماراتي وتعيد صياغته بلغة فنية حديثة، تمزج بين الذاكرة والابتكار.

ورغم اختلاف الأساليب والتقنيات بين الفنانين، إلا أن القاسم المشترك بين أعمالهما تمثّل في الحضور القوي للتراث المعماري والحضاري الإماراتي، والذي ظهر بوصفه عنصراً ملهماً ومكوّناً رئيسياً في البناء الفني لكل تجربة.

وتواصلت الفعالية بعقد ورشة رسم فنية شارك فيها أعضاء الجمعية. ودار نقاش معمّق حول آليات دمج التراث الإماراتي في الأعمال الفنية المعاصرة. وتركّزت التطبيقات العملية على تجسيد ملامح البيئة المحلية والعناصر المعمارية التقليدية في اللوحات، بما يعكس استمرارية الهوية في الإبداع الفني.

*ندوة ثقافية وفنية

وفي ختام البرنامج، أُقيمت جلسة حوارية ثقافية وفنية أدارتها الدكتورة نهى فران، ناقشت خلالها أهمية التراث المعماري في تشكيل التجارب الفنية، والدور الحيوي الذي يلعبه الفن في حفظ التاريخ والموروث الثقافي. وأكدت الدكتورة نهى أن البيئة المعمارية تُعدّ مصدراً لا ينضب للإلهام، وقالت: «إن التراث المعماري يشكّل أساساً مهماً للفنانين المعاصرين، وفي أعمال عبدالرحيم سالم ود. نجاة مكي، نلمس كيف تتحوّل البيئة المعمارية إلى عنصر حي داخل اللوحة، حيث تصبح الذاكرة والتاريخ لغة بصرية قادرة على إثارة التأمل وإلهام الفكر».

من جانبه أكد الفنان عبدالرحيم سالم أن التراث المعماري الإماراتي يشكّل جزءاً أساسياً من فهمه للفن المعاصر، قائلاً: «حاولت في أعمالي المزج بين العناصر التراثية والأساليب الحديثة، إيماناً بدور الفنان في نقل هذه القيم للأجيال القادمة، والمساهمة في الحفاظ على الهوية الثقافية.
كما أشار إلى كيفية تجسيده لعناصر مثل المرأة والبيئة والضوء، وما تحمله من رموز ودلالات إنسانية واجتماعية وجمالية ضمن رؤيته المعاصرة.

من جانبها، تحدثت الدكتورة نجاة مكي عن الأثر العميق لبيت الشيخ سعيد بن حمد القاسمي في تجربتها الفنية، مشيرة إلى أن الأشكال والأنماط المعمارية في هذا البيت تحمل دلالات رمزية وتاريخية انعكست في أعمالها. وأوضحت أنها استعانت بعناصر متعددة من التراث، مثل الأزياء التقليدية وجسدت بعض معالم البيت وشجرة الشريشة الصامدة وسط الحوش، لتبتكر أعمالاً خاصة مستلهمة من التاريخ والموروث الثقافي، بلغة بصرية معاصرة وبأسلوبها الفني المتفرّد. وصرح سالم الجنيبي نائب رئيس الحمعية قائلاً: «تأتي هذه الرحلة الثقافية الفنية لتؤكد أهمية ربط الأجيال بالمكان والذاكرة، وتعزيز الوعي بقيمة التراث المعماري الإماراتي بوصفه مصدراً أصيلاً للإلهام والمعرفة. فالاطلاع المباشر على معالم تاريخية مثل بيت الشيخ سعيد بن حمد القاسمي، وما يحتضنه من تجارب فنية ومعرفية، يسهم في تعميق فهم الفنانين والمهتمين بالثقافة لجذور الهوية الوطنية، ويمنحهم مساحة للتأمل وإعادة قراءة الماضي بلغة معاصرة. كما تعكس هذه الرحلة الدور الحيوي للبرامج الثقافية في دعم الإبداع، وفتح آفاق جديدة للحوار بين التراث والفن الحديث، بما يعزز استدامة الموروث الثقافي ويكرّس حضوره في الوعي المجتمعي والفني».

اختُتمت الفعالية بنقاش مفتوح بين الأعضاء حول سبل تعزيز حضور التراث المعماري في الفنون التشكيلية، ودور الجمعيات والمؤسسات الثقافية في دعم الفنانين الناشئين والمبدعين الساعين إلى التعبير عن الهوية الإماراتية في أعمالهم.

وغادر أعضاء الجمعية المكان وهم محمّلون بالإلهام والمعرفة، بعد تجربة ثقافية متكاملة شكّلت جسراً يربط بين الماضي والحاضر، وأكدت أهمية الحفاظ على التراث الثقافي والفني بوصفه ركيزة أساسية للهوية الوطنية، ومصدراً متجدداً للإبداع الفني المعاصر.

المصدر : صحيفة الخليج