كشف استطلاع أوروبي واسع، فجوة لافتة بين مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتوسيع نفوذ الشعبوية اليمينية في أوروبا، وبين مواقف الناخبين الأوروبيين، حتى داخل صفوف الأحزاب التي يُفترض أنها حليفة له، ما يضع رهانه السياسي في القارة أمام اختبار صعب.
ويسعى ترمب إلى توسيع نفوذ الحركات الشعبوية اليمينية في أوروبا، لكنه قد يواجه صعوبة أكبر مما يتوقع في كسب تأييد الناخبين الأوروبيين، حسبما أشارت مجلة “بوليتيكو”، إذ أظهر استطلاع أجرته المجلة بالشراكة مع شركة “بابليك فيرست”، أن ترمب قائد حركة “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً” MAGA، “غير محبوب في أوروبا حتى بين أنصار الأحزاب الشعبوية اليمينية”، التي يعتبرها حليفة له.
وشمل الاستطلاع عينة من أكثر من 10 آلاف مشارك في 5 دول، خلال وقت سابق من الشهر الجاري.
وجاء أعلى مستوى من التأييد لترمب في بريطانيا، حيث قال 50% ممن شملهم الاستطلاع المتحالفين مع حزب “الإصلاح”، إن لديهم نظرة إيجابية تجاهه. أما في فرنسا وألمانيا، فلم تتجاوز نسبة من ينظرون إليه بإيجابية نحو الثلث بين من قالوا إنهم يدعمون أحزاب اليمين الشعبوي.
وتأتي نتائج الاستطلاع، بعد أن كشفت إدارة ترمب عن استراتيجية جديدة للأمن القومي، جديدة تهدف لتنمية “التأثير المتنامي للأحزاب الأوروبية اليمينية”، التي حظيت بدعم متزايد في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، دون أن يترجم ذلك حتى الآن، إلى انتصارات انتخابية حاسمة.
ويحمل استطلاع مجلة “بوليتيكو” الجديد، تحذيراً للأحزاب الشعبوية اليمينية الساعية إلى توسيع قاعدتها الشعبية بالتوازي مع التقارب من ترمب، إذ أظهر أن من قالوا إنهم سيصوتون لهذه الأحزاب في الانتخابات المقبلة، “أبدوا مواقف أكثر سلبية تجاهه مقارنة بمن دعموها في السابق”، وذلك في بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
تراجع شعبية الرئيس الأميركي في أوروبا
وعلى مستوى الرأي العام الأوسع، تتراجع شعبية الرئيس الأميركي بشكل أكبر. ففي فرنسا وألمانيا، عبر نحو ثلثي المشاركين في الاستطلاع، عن نظرة سلبية تجاهه.
وفي بريطانيا، قال 55% إن لديهم رأياً سلبياً عنه، وهي نسبة لا تقل كثيراً عن الولايات المتحدة نفسها، حيث أفاد 50% بنظرة سلبية. أما أدنى مستويات الشعبية فكانت في كندا، حيث ذكر 72% ممن شملهم الاستطلاع أنهم ينظرون إليه بشكل سلبي.
ورغم أن أنصار الأحزاب الشعبوية اليمينية القومية، التي أشارت إليها الإدارة الأميركية في استراتيجيتها الأمنية كانوا أكثر دعماً لترمب مقارنة بغيرهم، فإنهم، على نحو لافت، “لم يمنحوه تأييداً كاسحاً”.
ففي فرنسا، أبدى ناخبو حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، بزعامة مارين لوبان، تقديراً واسعاً لها، إلا أنه عند الحديث عن ترمب، قال عدد أكبر منهم إن لديهم نظرة سلبية تجاهه 38%، مقارنة بمن عبّروا عن نظرة إيجابية 30%.
من جهته، أظهر أنصار حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، دعماً قوياً لزعيمة الحزب، أليس فايدل، لكنهم انقسموا حيال الرئيس الأميركي، إذ قال 34% إن لديهم رأياً إيجابياً عنه، مقابل 33% عبروا عن معارضة له.
“نزعة قومية” أوروبية
وتميز أنصار اليمين الشعبوي في بريطانيا وفرنسا وألمانيا بمطالبتهم القوية، بأن يضع القادة السياسيون مصلحة بلدانهم في المقام الأول.
واعتبر 50% من ناخبي “التجمع الوطني”، و47% من ناخبي حزب “البديل من أجل ألمانيا”، و45% من ناخبي “الإصلاح” أن هذه السمة من أهم الصفات المطلوبة في القادة السياسيين.
وأجمع أنصار اليمين الشعبوي إلى حد كبير، على أن ترمب يمتلك هذه الصفة مقارنة بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 88%، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس 93%، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر 91%. كما قالت غالبية واضحة، إنهم يريدون من قادتهم السعي إلى إقامة علاقات جيدة مع ترمب.
لكن الحركات الشعبوية اليمينية المحلية، تشترك في “نزعة قومية” قد تضعها في نهاية المطاف على مسار تصادمي مع حركة MAGA التي تعطي الأولوية للمصالح الأميركية، بحسب جولز والكدن، مدير الأبحاث في بابليك فيرست.
وأشار الاستطلاع إلى أن أنصار اليمين الشعبوي قد يعجبون بسياسات ترمب، لكنهم لا يثقون به. ففي فرنسا وألمانيا، كان ناخبو اليمين الشعبوي أكثر ميلاً من غيرهم للاعتقاد بأن سياسات ترمب تعود بالنفع على الولايات المتحدة، لكنهم في الوقت نفسه، كانوا أكثر احتمالاً للقول إنها تلحق الضرر بالدول الأخرى أثناء ذلك.
ومرة أخرى، بدا أنصار حزب “الإصلاح” البريطاني، الأكثر انفتاحاً تجاه ترمب، إذ قال 42.8% منهم إن الجميع سيستفيد من سياساته.
القدرة التنافسية
وعبر ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، أظهر أنصار اليمين الشعبوي المتطرف، ميلاً أكبر للموافقة على أنه عندما تتعارض مصالح الدولة مع مصالح الحلفاء، ينبغي تقديم مصلحة الدولة أولاً. كما كانوا أكثر استعداداً لتأييد حماية الصناعة المحلية، حتى وإن جاء ذلك على حساب قدرتها التنافسية عالمياً.
وأفاد بذلك نحو 67% من ناخبي حزب “الإصلاح” البريطاني، و71% من ناخبي “التجمع الوطني”، و72% من ناخبي “البديل من أجل ألمانيا”، وفق استطلاع مجلة “بوليتيكو”.
وعلى الرغم من ذلك، بدا أن أنصار هذه الأحزاب، أكثر تقبلاً للرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب على الصناعات الأوروبية.
وقال 65% من ناخبي حزب “البديل من أجل ألمانيا”، إن الرسوم الجمركية سيئة للاقتصاد الألماني، لكن 37% فقط رأوا أنه على ألمانيا فرض رسوم مضادة على الولايات المتحدة، وهي نسبة أقل بكثير من نسبة 47% من إجمالي الألمان الذين أيدوا هذا الخيار، ممن شملهم الاستطلاع.
وفي بريطانيا، اعتبر 45% فقط من ناخبي “الإصلاح”، الرسوم الجمركية، أمراً سلبياً، فيما قال 35% فقط، إنه على البلاد الرد بفرض رسوم مماثلة على الواردات الأميركية.
لكن في إشارة إلى أن تقدير أنصار اليمين الشعبوي لترمب، له حدود، قال 60% من ناخبي “التجمع الوطني”في فرنسا، إن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على الواردات الأوروبية، تضر بالاقتصاد الفرنسي.
ورغم أنهم كانوا أقل ميلاً من غيرهم في فرنسا، لتأييد رد حكومي مماثل، فإن 48% منهم ما زالوا يدعمون اتخاذ إجراءات انتقامية.
وأُجري الاستطلاع في الفترة من 5 إلى 9 ديسمبر الجاري، وشمل عينة من 10 آلاف و510 بالغين جرى استطلاع آرائهم عبر الإنترنت، بحد أدنى ألفي مشارك من كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
المصدر : الشرق
