قلق بين المصريين مع اقتراب تطبيق قانون الإيجارات الجديد

قلق بين المصريين مع اقتراب تطبيق قانون الإيجارات الجديد

في شقتها الضيقة بالطابق الثالث في إحدى محافظات دلتا النيل، تسترجع مريم علي خليل، الأرملة التي تقارب الثمانين، أياماً كانت تدفع فيها إيجاراً شهرياً قدره 500 جنيه فحسب (نحو عشرة دولارات).

خليل، وهي أم لثلاثة، واحدة من ملايين المصريين الذين استفادوا من قانون أبقى على مدى 44 عاماً شريحة واسعة من المساكن ضمن نطاق معقول. ومع تعرض أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان لأزمات اقتصادية متكررة، ساعد القانون الكثيرين من الفئات الأكثر هشاشة على الاحتفاظ بمنازلهم وتوريثها إلى الجيل التالي.

والآن، تخشى خليل -التي تعيش بمدينة شبين الكوم على بعد 40 ميلاً شمال القاهرة- أن ينتهي كل ذلك. فبعد جدل طويل، قررت الحكومة المصرية رفع القيود على زيادة إيجارات مساكن مثل شقتها. وإذا طلب المالك زيادة الإيجار، فربما لا يكفي معاش زوجها الراحل البالغ 9 آلاف جنيه شهرياً لذلك.

وتقول في أسى: “هل من المعقول أن نُفاجأ بإجراءات جديدة بعدما عشنا في المكان حوالي نصف قرن؟”.

نهاية للسياسات الاشتراكية

المهلة التي توشك على النفاد تهدد ما لا يقل عن 6 ملايين شخص آخر في مصر، وسط مخاوف من عمليات إخلاء جماعية. بعض هؤلاء كان يدفع إيجاراً يعادل دولاراً واحداً فقط شهرياً بموجب القانون الذي يمثل امتداداً لبعض سياسات جمال عبد الناصر الاشتراكية في الستينيات.
لم يكن ذلك في مصلحة الملاك، الذين يشكون من أن عقاراتهم التي تزداد قيمتها -وبعضها في مواقع مميزة مثل وسط القاهرة- تدر عائداً ضئيلاً لا يكاد يُذكر.

لكن الوضع لم يعد كما كان. فالدولة في وسط برنامج إصلاح مدعوم من صندوق النقد الدولي يهدف إلى تمكين القطاع الخاص وإحداث طفرة استثمارية، صاحبه أيضاً خفض في الإنفاق الحكومي وتراجع كبير للعملة، وهي أوضاع جعلت كثيراً من المصريين يعانون بسبب تكاليف المعيشة المتصاعدة، حتى من قبل ظهور شبح ارتفاع الإيجارات أو الإخلاءات.

“سكن لكل المصريين”

أحد شعارات مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي هو “سكن لكل المصريين”، وقد تعهدت السلطات ألا تترك أحداً بلا مأوى. وتقوم السلطات حالياً بتجهيز وحدات جديدة منخفضة التكلفة وتُشجع المتضررين على التسجيل لاستئجارها أو شرائها بنظام التمويل العقاري المدعوم.

لكن المعارضين يقولون إن التشريع -الذي فُرض عقب حكم قضائي اعتبر القوانين السابقة غير دستورية- صيغ على عجل ويعتمد على أرقام قديمة، ما يجعل تقدير التداعيات مجرد تخمينات.

“اعتدنا (في مصر) ترك المشكلات على حالها لفترة طويلة جداً وهذا يزيد جداً من صعوبة العلاج” على حد قول سامر عطا الله، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية في القاهرة.

أرقام مقلقة

تشير أحدث البيانات المتاحة الصادرة عن جهاز الإحصاء الحكومي عام 2017 إلى أن 55% من الأسر التي تستأجر مساكن في منطقتي القاهرة الكبرى والإسكندرية تخضع لنظام “الإيجار القديم”.

استناداً إلى هذه الأرقام، فإن نحو 1.64 مليون وحدة سكنية ستتأثر بتعديلات قانون الإيجارات، رغم عدم وضوح عدد الوحدات المشغولة فعلياً حتى الآن. كما يُتوقّع أن تطال التعديلات أيضاً نحو 1.4 مليون وحدة غير سكنية.

وبموجب التعديلات، ستُلغى عقود الإيجار القديمة بعد فترة سماح مدتها سبع سنوات. وخلال هذه الفترة، سترتفع الإيجارات بما يصل إلى 20 ضعفاً في المناطق الراقية تاريخياً، على ألا تقل الإيجارات عن ألف جنيه شهرياً في المدن. أما في المناطق منخفضة الدخل، فسترتفع الإيجارات بمعدل عشرة أضعاف. وقد بدأ تنفيذ بعض هذه التعديلات اعتباراً من أغسطس.

اقرأ أيضاً: توترات المنطقة والوقود يفاقمان ارتفاع أسعار عقارات مصر

تتزايد المخاوف في ظل ارتفاع الإيجارات في المناطق الحضرية بشكل حاد خلال الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ عامين، ما ينذر بأن من سيُجبرون على دخول سوق الإيجارات الحرة قد يواجهون صدمة سعرية غير مسبوقة.

وفي بعض أحياء القاهرة الكبرى، يشكو السكان من زيادات تجاوزت 200% في قيمة الإيجار خلال السنوات الأخيرة. ويقول البعض إن تدفق الوافدين من دول مجاورة مزقتها الحروب، مثل السودان أسهم في ارتفاع الطلب والأسعار.

قال يحيى شوكت، الباحث المتخصص بالمناطق الحضرية والشريك المؤسس لمنظمة “عشرة طوبة” المصرية المتخصصة في دراسات عدم المساواة في السكن والتخطيط الحضري: “المهلة المحددة بسبع سنوات قاسية، لأنها لا تمنح الحكومة وقتاً كافياً للوفاء بوعدها بعدم ترك أحد.”

وتشير الحكومة إلى أنها أنجزت بناء نحو مليون وحدة سكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل، إلى جانب 300 ألف وحدة أخرى ضمن خطة لإزالة أكثر من 350 منطقة عشوائية في مختلف أنحاء البلاد، واستحداث أحياء جديدة أكثر أماناً.

وتأتي إصلاحات قانون الإيجارات ضمن مجموعة من الملفات الشائكة التي تحاول الحكومة معالجتها تدريجياً لتفادي أي اضطرابات اجتماعية محتملة. وتشمل هذه الجهود أيضاً خفض الدعم الحكومي، وتنفيذ خطة مدعومة من صندوق النقد الدولي لبيع أصول مملوكة للدولة، وتقليص دور الدول – بما في ذلك دور المؤسسة العسكرية – في الاقتصاد.

وكانت الحكومة المصرية بدأت في أعقاب حزمة إنقاذ دولية بقيمة 57 مليار دولار حصلت عليها مصر العام الماضي، من بينها استثمار إماراتي بقيمة 35 مليار دولار، تنفيذ إصلاحات هيكلية واسعة، وسط دعوات متزايدة للبحث عن مصادر جديدة للإيرادات.

لكن بالنسبة لمواطنين مثل خليل، تبدو النقاشات حول المكاسب الاقتصادية الكبرى بعيدة كل البعد عن واقعهم اليومي. ففي شيخوختها، يساورها القلق على ابنتها البالغة التي لا تزال تقيم معها في المنزل، وكان يبدو أنه أنه سيبقى لديها سقف يحميها مدى الحياة، حتى بعد وفاة والدتها. أما اليوم، فكلّ شيء قابل للتغيير.

المصدر : الشرق بلومبرج