
يصعب أن تكون منافساً لشركة ”سبيس إكس“، سواءً كنت تُصنّع الصواريخ أو تقدم خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية أو تسعى لدخول قطاع الاتصالات المباشرة مع الهواتف المتنقلة الناشئ.
نجحت شركة إيلون ماسك الفضائية في حل معضلة إعادة استخدام الصواريخ الفضائية، ما خفّض تكاليف الإطلاق، ولم تقترب منافساتها من خفض تكاليفها بعد. هذا يمنح ”سبيس إكس“ ميزةً لا تُضاهى لإطلاق أقمارها الصناعية الخاصة وبناء شبكة مدار أرضي منخفض لا مثيل لها، وبلغ عددها، الذي ما يزال يتزايد، حوالي 8000 قمر صناعي.
أثبتت ”ستارلينك“، شركة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التابعة لـ ”سبيس إكس“، براعتها في تصميم وإنتاج معدات للفضاء والأرض، إذ نالت إشادة عملاء الإنترنت بفضل السرعة التي يوفرها هوائيها الصغير وجهاز الواي فاي. يُشكّل الهيكل منخفض التكلفة الناتج عن هذا التكامل الرأسي بين جهاز واي فاي الشركة وصاروخها قدرة تنافسية غير مسبوقة.
“سبيس42” الإماراتية تخطط للتوسع في أفريقيا ومنافسة “ستارلينك”
لهذا السبب، أثارت اتفاقية ”سبيس إكس“ لدفع 17 مليار دولار أميركي مقابل جزء كبير من تراخيص نطاق موجات من شركة ”إيكوستار“، دهشة واسعة في عالم الاتصالات. يمنح هذا الطيف ”سبيس إكس“ القدرة على تقديم خدمة أقمار صناعية مباشرة إلى الأجهزة، وهو ما سيواجه منافسوها صعوبة في تحقيقه. يعود ذلك إلى إمكانيات الإطلاق منخفضة التكلفة. وسيتسع التباين أكثر بعد أن تُتقن ”سبيس إكس“ إطلاق واسترجاع مركبة ”ستارشيب“، التي تتميز بأكبر سعة حمولة بين جميع الصواريخ.
سوق ضيقة
من المشاكل الإضافية التي تواجه منافساتها في مجال الأقمار الصناعية محدودية أسواق خدمات الفضاء، وتطلب هذه الصناعة نفقات رأسمالية ضخمة. لا يمكنها منافسة أسعار وسرعة كابلات الألياف الضوئية وأبراج الاتصالات الخلوية لخدمات الإنترنت عريض النطاق والهواتف المحمولة في المناطق المكتظة بالسكان. هذا يحصر السوق المُستهدفة في المناطق الريفية، حيث لا يُبرر عدد الزبائن تكلفة مد كابلات أو بناء أبراج الاتصالات الخلوية.
قال فيليب بورنيت، المحلل في شركة نيو ستريت ريسيرش، في مقابلة: “نصف مليون ميل مربع من الولايات المتحدة غير مشمولة بشبكات لاسلكية، وهي مساحة تعادل مساحة كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا مجتمعة… إنها مساحة أرض كبيرة، لكن عدد سكانها قليل جداً”.
إيلون ماسك يربط جزر إندونيسيا بالعالم عبر “ستارلينك”
يصعب تقدير حجم سوق خدمة الاتصال المباشر بالهاتف المتنقل، ويعود ذلك جزئياً إلى تطور التقنية. تُقدر رابطة تجارة صناعة الهاتف المتنقل، أن سوق الاتصال المباشر بالجهاز، الذي يشمل أجهزة التتبع المستخدمة في الخدمات اللوجستية، سيبلغ حوالي 33 مليار دولار في 2035. وتتوقع شركة ”نوفاسبيس“ الاستشارية أن يبلغ حجم السوق حوالي 13 مليار دولار بحلول 2033.
لا داعي لأن تقلق الشركات الأميركية الثلاث الكبرى ”إيه تي أند تي“ (AT&T) و“فيرايزون كوميونيكشنز“ (Verizon Communications) و“تي موبايل يو إس“ (T-Mobile US) بشأن استحواذ تقنية الاتصال المباشر بالهاتف عبر الأقمار الصناعية على عملائها. إن خدمة الأقمار الصناعية تعاني من قيود على جودة الإشارة الداخلية وتفتقر إلى النطاق الترددي اللازم للمناطق الحضرية.
لذا قد يقتصر استبدال أبراج الاتصالات على المناطق قليلة السكان. وبدلاً من ذلك، ستسعى ”سبيس إكس“ إلى الشراكة مع شركات الاتصالات هذه لإضافة خيار “المناطق خارج التغطية” لعملائها.
موقع هيمنة
سيُمهّد هيكل تكاليف ”سبيس إكس“ الطريق لمركز مهيمن في سوق الاتصالات المباشرة إلى الأجهزة، تماماً كما نجحت الشركة في ترسيخ هذا المركز في مجال الإنترنت عبر الأقمار الصناعية وإطلاق الصواريخ.
هذا يُنذر بمشاكل للشركات التي تستثمر في هذه التقنية الجديدة. منذ الإعلان عن صفقة شراء الطيف الترددي صباح الاثنين، انخفضت أسهم شركة ”إيه إس تي سبيس مويايل“ (AST SpaceMobile) بنسبة 11%. وخسرت شركة ”إيريديوم كوميونيكشنز“ (Iridium Communications)، التي تبيع هواتف أقمار صناعية خاصة، أكثر من ربع قيمتها. وانخفضت أسهم شركة ”تيليسات“ (Telesat)، ومقرها أوتاوا، بنحو 9%.
“أمازون” تؤجل إطلاق أقمارها الصناعية لخدمات الإنترنت الفضائي
إن التقدم الكبير الذي تحوزه ”سبيس إكس“ سيصعب على شركة ”أمازون دوت كوم“. اقتحام السوق من خلال مشروع ”كويبر“ (Kuiper)، الذي يملك الآن حوالي 100 قمر صناعي في مدار أرضي منخفض من أصل 3200 قمر صناعي مُخطط لإطلاقها. تزمع ”بلو أوريجين“ إطلاق صاروخها القابل لإعادة الاستخدام”نيو غلين“، في رحلته الثانية في وقت لاحق من هذا الشهر.
دارت تكهنات حول ما إذا كان شراء ”سبيس إكس“ للطيف الترددي يعني أن الشركة تسعى لأن تصبح رابع مزود لخدمات الهواتف المتنقلة على مستوى الولايات المتحدة. سيتطلب ذلك عمليات شراء أكثر بكثير للطيف الترددي، ويعني معركة شاقة لانتزاع حصة سوقية من المنافسين المتمرسين والشرسين. بدلاً من ذلك، لمّحت ”سبيس إكس“ تلميحاً غير مباشر إلى رغبتها في الشراكة مع مزودي خدمات الهواتف المتنقلة لتقديم تغطية شاملة لعملائهم مع رسوم إضافية على فواتيرهم.
تحسين وليس استبدال
سيتيح قمر ”ستارلينك“ الصناعي الجديد، الذي يتمتع بسعة أكبر بمئة مرة من الجيل الأول، اتصالاً “بتجربة مماثلة لخدمة (LTE) الأرضية الحالية، التي ستُستخدم بالشراكة مع مشغلي شبكات الهاتف المحمول لتعزيز شبكات الجيل الخامس الأرضية عالية السعة”. الكلمة المفتاحية هنا هي التحسين، وليس الاستبدال.
تتيح التطورات التقنية خدمة الأقمار الصناعية للعمل على الهواتف الحالية مع تغيير بسيط في مجموعة الشرائح. سيستغرق إطلاق هذا بعض الوقت. لدى ”ستارلينك“ شراكة بالفعل مع ”تي موبايل“ تتيح للرسائل النصية والتطبيقات المحدودة العمل في المناطق المعزولة. ستُرقى الخدمة قريباً إلى الصوت والفيديو مع تطور التقنية.
سيتعين على صانعي الهواتف المتنقلة ومُزودي خدمات الاتصالات اللاسلكية اتخاذ قرار بشأن الانضمام إلى شبكة ”ستارلينك“ أو المُخاطرة بفقدان ميزة تنافسية لصالح من يُقدمون خدمة “التغطية الكاملة“.
وسط نزاع ترمب-ماسك.. هل تتمكن “ناسا” من العمل دون “سبيس إكس”؟
في نوفمبر، استثمرت شركة ”أبل“ مُباشرةً في شركة ”غلوبال ستار“ كجزء من صفقة لتوفير اتصالات عبر الأقمار الصناعية لأجهزتها، بما في ذلك ”آبل وتش“. لقد تخلت أسهم ”غلوبال ستار“ عن مكاسبها بعد أن قفزت بنسبة 21% يوم إعلان ”سبيس إكس“ عن طيفها، ثم انخفضت في اليومين التاليين.
تُظهر اتفاقية ”آبل“ و“غلوبال ستار“ رغبة الشركات في وجود مزيد من المُنافسين في سوق الاتصالات المُباشرة إلى الأجهزة. تُنشئ ”غلوبال ستار“ شبكة مدار أرضي منخفض، لكنها تعتمد على شركات خارجية لتصنيع الأقمار الصناعية وإطلاقها. هذا يعني أن هيكل تكلفة ”غلوبال ستار“ سيكون أعلى من ”سبيس إكس“، وهذا سيصعب مُواكبة السعر وسرعة الخدمة. هل ستكون ”أبل“ على استعداد لدفع المزيد للحفاظ على استمرارية منافسة؟
يُرجح أن تُقدم حكومات المناطق دعماً للمُنافسة. ستكون هناك شركات وطنية رائدة تُقدم كلاً من الإنترنت عبر الأقمار الصناعية وخدمة الاتصالات المُباشرة إلى الأجهزة. ستبني الصين شبكة مدار أرضي منخفض مهما كانت التكلفة، وستسعى جاهدةً لكسب عملاء حول العالم حيثما يُسمح لها بالعمل. وقد اختارت أوروبا بالفعل شركة ”يوتلسات للاتصالات“، لتكون رائدتها في هذا المجال، وستدعمها حسب الحاجة لضمان استمرارية الخدمة.
تسعى عدة شركات لتحقيق حلم خدمة البث المباشر إلى الأجهزة، وهي ما تزال مجهولة الإمكانيات. قد يبدأ التنافس وخروج الشركات الأضعف حتى قبل أن تصبح الخدمة متاحة على نطاق واسع.
المصدر : الشرق بلومبرج