في منزل متواضع بقرية دكران التابعة لمحافظة أسيوط، كانت الأصوات البريئة لأربعة أطفال تملأ الأرجاء.
محمد، الطفل ذو الثلاثة أعوام، كان يحمل ضحكة لا تفارق وجهه، بينما كان علي، البالغ من العمر خمس سنوات، دائم اللهو، يقفز بين حجرات المنزل الصغيرة.
جنى، الطفلة ذات التسع سنوات، كانت تلعب دور الأخت الكبرى، تحتضن إخوتها وتُعلمهم أبجديات الحياة، بينما كانت جنات، أختها الكبرى ذات العشرة أعوام، هي اليد الحانية التي تعين جنى على هذا الدور.
لم تكن تلك الحياة المثقلة بالتفاصيل البسيطة تشي بما هو قادم، في عالمهم الصغير، لم يعرف الأطفال سوى المرح والطمأنينة، بعيدين عن أي شر أو خوف، ولكن في لحظة واحدة، انقلبت الطمأنينة إلى فاجعة هزت قريتهم بأكملها.
في ذلك اليوم المشؤوم، اجتمع الأطفال كعادتهم حول والدهم الذي كان يعاني من اضطراب نفسي لم يدركوا أن هذا المرض قد تحول إلى قنبلة موقوتة، فجأة، أمسك الأب بـ”ساطور”، وتحول إلى شخص لا يعرفه أبناؤه، ليبدأ بفعلٍ لم يكن لأحد أن يتخيله.
”محمد وعلي”، الصغيران اللذان كانا يلهوان منذ لحظات، سقطا ضحيتين لأول ضرباته القاسية، صرخاتهما التي مزقت سكون القرية سرعان ما خفتت، تاركة وراءها صمتًا ثقيلًا.
أما ”جنى وجنات”، فقد حاولتا الهرب، لكن الأقدار لم تمهلهما، حيث أصابتهما الضربات العنيفة بجروح خطيرة، وفارقت جنا الحياة بعد محاولات عديدة لإنقاذها
حين وصلت الإسعاف إلى مكان الحادث، كانت جنى وجنات لا تزالان على قيد الحياة. حملهما المسعفون سريعًا إلى المستشفى، محاولين إنقاذ الطفلتين من براثن الموت.
كانت القلوب تنبض بالأمل في أن تُكتب لهما النجاة، لكن الإصابات كانت أعمق من أن تُشفى بسهولة.
وفي المستشفى، رحلت جنات أولًا، تبعتها جنى بعد ساعات من الألم، لتلتحق بأشقائها، تاركة خلفها قلوبًا مكسورة وقرية كاملة غارقة في الحزن.
أهل القرية، الذين اعتادوا رؤية الأطفال يمرحون أمام منزلهم، لم يصدقوا ما حدث، الجميع وقف في حالة من الذهول أمام المأساة. “كيف تحول الأب الذي كان يُفترض أن يكون مصدر الأمان إلى يدٍ أطفأت نور هؤلاء الملائكة؟” كان السؤال الذي تردده شفاه الجميع دون إجابة.
قصة الأطفال الأربعة ليست مجرد مأساة أسرة، بل ناقوس خطر يدق لتنبيه المجتمع بأكمله إلى أهمية العناية بالصحة النفسية ومراقبة العائلات التي تعاني من أزمات.
هؤلاء الأطفال الذين عاشوا حياة قصيرة، كانوا ضحايا ظروف لم يكن لهم يد فيها، ضحايا عجزنا كمجتمع عن حماية أضعف حلقاته.
رحل محمد، وعلي، وجنى، وجنات، لكن ذكراهم ستظل درسًا مريرًا، يدعونا إلى العمل على حماية كل طفل من أن يكون ضحية لليأس أو الغضب أو المرض. فلنكن الصوت الذي يصرخ نيابة عن الأطفال الذين لا يستطيعون أن يصرخوا طلبًا للنجدة.
بلاغ الواقعة
تلقى اللواء وائل نصار، مدير أمن أسيوط، بلاغًا من مأمور مركز شرطة أبو تيج حول الحادثة، وعلى الفور انتقلت قوات الأمن وضباط المباحث إلى مكان الحادث، يرافقهم سيارات الإسعاف، وجرى تحرير محضر بالواقعة ونُقلت جثامين الأطفال الثلاثة إلى المشرحة، بينما نقلت الطفلة “جنا” للمستشفى قبل وفاتها.
حالة من الذهول والحزن سيطرت على أهالي قرية دكران، الذين لم يصدقوا أن الأب أقدم على هذا الفعل المأساوي.
وبدأت النيابة العامة بأسيوط تحقيقاتها لمعرفة دوافع الجريمة والوقوف على ملابساتها، فيما تم تكليف المباحث الجنائية بجمع التحريات.
نقلاً عن : الوفد