
قال رئيس وزراء كوريا الجنوبية إن استثمارات بلاده في الولايات المتحدة ستبقى عالقة إلى حين إيجاد حل لأزمة التأشيرات، داعياً واشنطن إلى التحرك سريعاً لطمأنة الكوريين القلقين من احتمال تعرضهم للتوقيف أثناء العمل هناك.
أوضح كيم مين-سوك في مقابلة حصرية مع “بلومبرغ نيوز” في سيؤول يوم الأربعاء، تطرقت أيضاً إلى ملفات الإنفاق الدفاعي وكوريا الشمالية: “بدون حل مشكلة التأشيرات، يصبح إحراز تقدم ملموس أمراً شبه مستحيل”.
وقال كيم، في إشارة إلى أزمة التأشيرات التي تُلقي بظلالها أيضاً على صندوق استثماري إضافي بقيمة 350 مليار دولار اتُفق عليه ضمن صفقة تجارية في يوليو، “رغم أن المشروعات لم تُوقف كلياً أو تُعلق رسمياً، لكن دخول عدد كبير من العمال أو عودتهم إلى الولايات المتحدة سيكون بالغ الصعوبة ما لم يتم التوصل إلى حل”.
أوضح مكتب رئيس الوزراء في بيان لاحق أن تصريحاته لا علاقة لها بخطة الاستثمار التي تبلغ قيمتها 350 مليار دولار والتي يجري التفاوض بشأنها مع الولايات المتحدة.
احتجاز مئات الكوريين في مصنع “هيونداي” و”إلي جي”
تعمل الدولتان على مراجعة نظام التأشيرات عقب احتجاز مئات الكوريين الجنوبيين خلال مداهمة لمصنع بطاريات قيد الإنشاء بولاية جورجيا تابع لشركتي “هيونداي موتور” (Hyundai Motor) و”إل جي إنرجي سوليوشن” (LG Energy Solution) في وقت سابق من هذا الشهر.
اقرأ أيضاً: اتفاق الرسوم بين أميركا وكوريا يكلف هيونداي وكيا 5 مليارات دولار
ورغم إطلاق سراح المحتجزين وعودتهم إلى بلادهم بعد نحو أسبوع، إلا أن الحادثة تركت صدى واسعاً في كوريا الجنوبية، إذ انتشرت صور العمال وهم مكبلون بشكل كبير، مما أثار موجة غضب شعبي وأسئلة حول جدوى الاستثمارات الضخمة التي تخطط التكتلات الكورية لضخها في الولايات المتحدة.
وقال رئيس الوزراء: “بدون ضمانات مؤكدة تكفل سلامتهم، فإن هؤلاء العمال وعائلاتهم يترددون بطبيعة الحال في العودة إلى الولايات المتحدة ما دامت القضية لم تُسوَّ بعد”.
خلافات تجارية بين واشنطن وسيؤول
جاءت أزمة التأشيرات في وقت حساس بالنسبة للحليفين، إذ تجري كوريا الجنوبية والولايات المتحدة مفاوضات مكثفة لإبرام صفقة تجارية تتضمن فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على السلع الكورية، بما فيها السيارات. لكن مسار المفاوضات تعثر بسبب استمرار الخلاف حول آلية هيكلة وتنفيذ حزمة استثمارية بقيمة 350 مليار دولار، تمثل ركناً أساسياً في الاتفاق.
وقال مسؤول رئاسي كوري جنوبي إن سيؤول كانت تتوقع هيكلة الصندوق بشكل رئيسي على شكل قروض وضمانات قروض، بدلاً من ضخ رؤوس أموال مباشرة، وفق ما تم الاتفاق عليه في يوليو الماضي. غير أن واشنطن تطالب بزيادة الاستثمار في حصص الملكية مع اقتراب الجانبين من توقيع مذكرة تفاهم.
اتفاق مبادلة عملات
أضاف كيم أن قيمة التعهد الاستثماري مع واشنطن تفوق 70% من احتياطيات كوريا الجنوبية من النقد الأجنبي، محذراً من أن غياب اتفاق لمبادلة العملات بين البلدين سيجعل الصدمة على الاقتصاد الكوري شديدة الوطأة.
وفي مقابلة مع “رويترز” مؤخراً، قال الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ إن اتفاق مبادلة العملات ضروري لتجنب أزمة اقتصادية مماثلة لتلك التي واجهتها البلاد عام 1997 خلال الأزمة المالية الآسيوية، في حال اضطرت سيؤول إلى تلبية جميع المطالب الأميركية.
طالع أيضاً: شركات كورية تستعد للكشف عن 150 مليار دولار استثمارات في أميركا
وخلال لقائه وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأربعاء، أعرب لي عن أمله في أن تسير المفاوضات التجارية نحو مسار يحقق المنفعة المتبادلة للطرفين.
أما كيم، فامتنع عن الخوض في تفاصيل المحادثات الجارية، لكنه لفت إلى أن أي اتفاق يفرض عبئاً مالياً ثقيلاً على كوريا الجنوبية قد يستلزم موافقة البرلمان، معبراً عن أمله في إلى ألا تستمر المناقشات بشأن الصفقة إلى العام المقبل.
قال كيم، في إشارة إلى مطالب أميركية مماثلة لتلك الواردة في تعهد اليابان باستثمار 550 مليار دولار: “هناك شعور عام بصعوبة قبول ذلك، ليس فقط لدى فريق التفاوض، بل أيضاً بين المواطنين”.
شروط أميركية على غرار اليابان
تشمل الصفقة اليابانية بنداً يتيح للرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع الرسوم الجمركية على طوكيو إذا امتنعت عن تمويل المشروعات التي يطرحها، أو إذا لم يتم توفير التمويل خلال مهلة 45 يوماً.
على صعيد الأمن، أوضح كيم أن كوريا الجنوبية تخطط لزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات العشر المقبلة، ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز قدراتها الدفاعية المستقلة.
وأضاف: “أعلنا مؤخراً عن نسبة 3.5% بعدما رأينا أنها مستوى يمكننا الالتزام به”. وتعتزم كوريا الجنوبية إنفاق 2.32% من ناتجها المحلي الإجمالي على قطاع الدفاع هذا العام.
من جهته، أوضح مكتب رئيس الوزراء لاحقاً أن مسألة رفع ميزانية الدفاع لا تزال محل نقاش، ولم يُتخذ بشأنها قرار بعد.
تحديات النمو الاقتصادي
تستمر الميزانية العامة للدولة في التوسع، حيث تُفاقم جهود إدارة الرئيس لي لتحفيز الاقتصاد العبء المالي.
يتوقع رئيس الوزراء أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في كوريا الجنوبية إلى النطاق الأعلى لنسبة 50% خلال خمس سنوات، مقارنة بنحو 51% حالياً، واصفاً هذه النسبة بأنها تظل قابلة للإدارة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة التي تتجاوز فيها النسبة 70%.
اقرأ أيضاً: الصادرات الكورية تتراجع بفعل الرسوم الأميركية وتأثير عطلة “تشوسوك”
قال كيم: “بينما تُعد إدارة الدين أمراً مهماً، إلا أن الأولوية الأكثر إلحاحاً هي استعادة النمو الذي تراجع عن الإمكانات المتوقعة. وهذا يتطلب استثمارات ترفع معدل النمو، ولهذا نركز سياساتنا على التوسع المالي”.
أشار كيم إلى أن انخفاض معدل المواليد يمثل أكبر تحدٍ هيكلي يواجه الاقتصاد الكوري، موضحاً أن البرامج المتكررة للإنفاق الحكومي فشلت في تغيير هذا الاتجاه، ما يجعل الضغوط الديموغرافية العقبة الأصعب على المدى الطويل أمام النمو الاقتصادي.
على المدى القريب، قد تُلقي المفاوضات المطولة حول الصفقة التجارية وأزمة التأشيرات بظلالها على اللقاء المرتقب الشهر المقبل بين الرئيس الكوري ونظيره الأميركي، عندما يزور الأخير كوريا الجنوبية لحضور قمة قادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ “أبيك” في مدينة غيونغجو.
في وقت تستعد فيه سيؤول لاستضافة هذا الحدث الإقليمي، لمح الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى احتمال عقد لقاء جديد مع ترمب، قائلاً إنه يحتفظ بـ”ذكريات جيدة” عن الرئيس الأميركي، وقد يُجري محادثات معه مجدداً إذا تخلت واشنطن عن مطلبها بنزع السلاح النووي.
وعند سؤاله عن إمكانية عقد لقاء محتمل بين ترمب وكيم الكوري الشمالي، قال رئيس الوزراء إنه ليس على علم بأي اتصالات ملموسة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، مضيفاً: “بما أن الأحداث غير المتوقعة واردة دائماً، أعتقد أنه يمكننا إبقاء الباب مفتوحاً أمام هذا الاحتمال”.
المصدر : الشرق بلومبرج