بينانس تكسر الحواجز وتُعيد ربط سوريا بالنظام المالي العالمي

بينانس تكسر الحواجز وتُعيد ربط سوريا بالنظام المالي العالمي

يبلغ عدد سكان سوريا نحو 24 مليون نسمة، ولا يزال جزء كبير منهم يعتمد على المعاملات النقدية ويواجه صعوبات في الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية. وقد وفّر هذا الواقع فرصة حقيقية لتقنيات البلوكشين ومنصات Web3 لتجاوز الأنظمة المالية التقليدية، خاصةً بعد رفع العقوبات.

وبعد أكثر من عقد من العقوبات التي عزلت سوريا عن النظام المالي العالمي، بدأت ملامح التغيير بالظهور. فقد أدّت القيود المشدّدة، التي فُرضت منذ عام 2011 وشملت حظراً نفطياً وتجميداً للأصول ومنعاً للصادرات، إلى إغلاق الأبواب أمام الاقتصاد السوري وأعاقت أي فرص للتواصل المالي عبر الحدود.

لكن مع قرار الولايات المتحدة مؤخراً بتعليق عدد من العقوبات، وصدور إعفاءات وتراخيص تسمح بإجراء معاملات مالية محدودة وتسهيل تدفّق المساعدات، بدأت مرحلة جديدة في الاقتصاد السوري. وفي يوليو، صدر أمر تنفيذي رفع العديد من القيود القائمة منذ سنوات، ما مثّل خطوة مفصلية تُمكّن الشعب السوري من إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.

وفي هذا السياق الجديد، بات بإمكان المستخدمين في سوريا الوصول إلى مئات الأصول الرقمية وخدمات التداول الفوري والمستقبلي ومنتجات التجميد والربح والعملات المستقرة، بالإضافة إلى خدمة “Binance Pay” التي توفّر حلولاً للحوالات العابرة للحدود. وتمثل هذه الخطوة نقلة نوعية لسكان سوريا، إذ تفتح الباب أمام تسهيل الوصول إلى الخدمات المالية والشمول والمشاركة الفعلية في النظام المالي العالمي بطريقة لم تكن ممكنة من قبل.

ولا تقتصر آثار هذه الخطوة على الحوالات، بل تمتد إلى مجالات ريادة الأعمال والتعليم والابتكار. فقد أصبح بإمكان الشركات الصغيرة قبول المدفوعات الرقمية والوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية وتقليل الاعتماد على النقد أو الائتمان غير الرسمي. كما أصبح بإمكان المطوّرين الشباب والطلاب والمبدعين السوريين دخول عالم Web3، واكتساب المهارات المهنية وبناء مسارات وظيفية كانت حتى وقت قريب بعيدة المنال. ومع النسبة العالية للشباب في المجتمع السوري، يوفّر هذا الانفتاح على الأدوات الرقمية المتقدمة فرصاً جديدة لبناء جيل متّصل بالاقتصاد المعرفي العالمي.

ولا يقل عامل الثقة أهمية عن أي جانب آخر. ففي بلد لم تتمكّن فيه الأنظمة التقليدية من تلبية احتياجات الناس، توفّر تقنية البلوكشين بديلاً قائماً على الشفافية والاستقرار. وبالنسبة للكثير من السوريين، فإن هذا يعني القدرة على حماية مدخراتهم وتحويلاتهم، ما يمهّد الطريق لاعتماد أوسع للتمويل اللامركزي.

ويبقى التعليم والتوعية عنصراً أساسياً لتحقيق هذه الفوائد. فالتقنية لا تزال جديدة بالنسبة للكثيرين، وبناء الثقة بها ضروري لتبنيها. وتُعدّ موارد مثل أكاديمية بينانس، التي توفر أدوات تعليمية مجانية للجمهور، جزءاً أساسياً من جهود التمكين وتخطي الحواجز المعرفية التي تعيق الدخول إلى هذا العالم.

ولا يُعد دخول بينانس إلى السوق السورية مجرّد خطوة توسعية، بل مؤشراً على بداية مرحلة جديدة. فهو اعتراف بأن البلوكشين يمكن أن يكون جسراً لمن حُرموا سابقاً من الأنظمة المالية التقليدية. وفي سوريا، حيث كان الوصول مقيداً، تُعدّ هذه الخطوة بمثابة تحوّل يتجاوز حدود التقنية.

ومنذ انطلاق المنصة في سوريا، شهدت أعداد التسجيل ارتفاعاً كبيراً بفضل خدمات التداول من نظير إلى نظير، وحلول الإيداع والسحب. كما ارتفعت أحجام التداول الشهرية بشكل ملحوظ، وسجّلت مبيعات “Fan Token” نمواً غير مسبوق. ولا تعبّر هذه الأرقام عن بيانات فحسب، بل تعكس شغف مجتمع ظلّ لسنوات ينتظر الفرصة المناسبة للدخول إلى عالم العملات الرقمية.

ورغم أن الطريق لا يزال يتطلّب وقتاً وجهداً وتثقيفاً وشعوراً بالثقة، إلا أن الأسس وُضعت لبداية مرحلة جديدة. فالأمر لا يتعلق فقط بالتقنية، بل بإيجاد حلول عملية تُساعد الأفراد على تخطّي التحديات المالية التي لم تستطع الأنظمة التقليدية حلّها. وبالنسبة للسوريين، لم تعد الأصول الرقمية مجرّد فرصة استثمارية، بل أصبحت وسيلة حقيقية لإعادة الاتصال بالعالم. ورغم بقاء بعض القيود، فإن الأبواب التي فُتحت اليوم تمثّل خطوة كبيرة نحو الأمام.

المصدر : صحيفة الخليج