
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة للترفيه أو البحث عن معلومات سريعة ومختصرة، بل أصبح معلماً خصوصياً متاحاً على مدار الساعة، يلجأ إليه الطلبة لتلقي إجابات دقيقة وشروح مبسطة عن أسئلة معقدة في مختلف المواد الدراسية.
هذه الظاهرة تثير نقاشات حادة بين التربويين وأولياء الأمور حول فاعلية الشرح الآلي مقابل التفاعل البشري، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بفهم المواد العلمية أو تذوق جماليات الشعر، فهل الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة تعليمية في الوصول إلى المعرفة؟
تباينت آراء التربويين حول استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الشرح واعتماد الطلبة عليه، فينما أكد البعض أنه يمثل نقلة ثورية تدعم العملية التعليمية وتكمل دور المعلم، حذر آخرون من مخاطر الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مشددين على أنها تضر بالمهارات الأساسية للطالب.
أما الطلبة فأكدوا أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي، وتحديداً «تشات جي بي تي»، وسيلة أساسية لتجاوز صعوبات المناهج، لا سيما في الحصول على شرح مبسط للمفاهيم الكبرى، فهو شريك رقمي غير ملتزم بضغوط المنهج مثل المعلم البشري.
ويعد «تشات جي بي تي» التطبيق الأبرز الذي يعتمد عليه أولياء أمور الطلبة نظراً لكون سعر الاشتراك به يعتبر في متناول الجميع، حيث لا يتجاوز 100 درهم شهرياً.
فجوات معرفية
أفاد عدد من طلبة الحلقة الثانية والثانوية وهم: يوسف حسن، وفيصل سعيد، وعزوز حسين، وجنى محمد عبدالحميد، وزيدان محمد صبحي، بأن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للمعلم، بل شريك رقمي صبور يملأ الفجوات المعرفية، وعندما يواجهون صعوبة في فهم درس فيزياء معقد يتوجهون إلى الذكاء الاصطناعي.
وقالوا إن النظام يكسر حاجز الخوف ويقدم الشرح عبر تشبيهات من الحياة اليومية، حتى في المواد الأدبية، وعند سؤاله في أي مادة حول القصائد أو اللغة العربية فإنه يقرأ القصيدة بصوت جميل، ويحلل المفردات الصعبة، ويشرح الجماليات بطريقة تجعلهم يشعرون كأنهم في حلقة نقاش أدبية.
وكشف الطلبة عن أن اللجوء إلى الدروس الخصوصية قبل ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي كان يمثل لهم عبئاً نفسياً وضغطاً متواصلاً، مشيرين إلى أن الحصص الخصوصية كثيراً ما كانت تمر من دون أن يفهم الطالب الدرس بشكل كامل، ومع ذلك يتردد في إعادة السؤال أكثر من مرة خوفاً من ضيق وقت المعلم أو انزعاجه، ما كان يتركه في دائرة القلق حتى اقتراب الامتحان.
وأكدوا أن الذكاء الاصطناعي كسر هذا الحاجز، إذ يتيح إعادة الشرح بلا ملل، وبأساليب متنوعة تناسب طريقة الفهم الفردية لكل طالب.
وأوضح بعضهم أن المعاناة لم تكن مرتبطة بالفهم فقط، بل بالوقت والجهد المبذول في الانتقال إلى مراكز الدروس الخصوصية بعد يوم دراسي طويل.
فقد كان كثير من الطلبة يقضون ساعات في المواصلات والانتظار من أجل ساعة شرح قد لا تفي بالغرض، في حين وفر لهم الذكاء الاصطناعي بديلاً مرناً، يمكنهم من المراجعة في أي وقت، ومن دون الحاجة إلى تنسيق جداول أو الالتزام بمواعيد إضافية.
خفض التكلفة
من زاوية اقتصادية وجد أولياء أمور ضالتهم في المعلم الخصوصي الرقمي، فهم يرون أن النظام قد خفف عن كاهلهم ميزانية الدروس الخصوصية التي كانت تستنزف جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة.
حيث تستخدم «أم محمد» الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة فورية، تطلب منه شرحاً بأسلوبين مختلفين، أسلوب بسيط للطفل الأصغر، وأسلوب أعمق للأكبر، وهي ترى أن الذكاء الاصطناعي قد حقق عدالة تعليمية لأبنائها من حيث الوصول الفوري للمعرفة، مع الإقرار بأن دور المعلم البشري يظل حاسماً في الإعداد للاختبارات النهائية والمنهج العلمي الدقيق. «أم مايد» ذكرت أنها دفعت اشتراكاً بـ89 درهماً شهرياً لـ«تشات جي بي تي» يقدم لها كل ما يحتاج إليه ابنها للدراسة.
وشرح عن طريق الصوت وكأنه معلم يحاوره، في حين أن حصة الأونلاين التي كانت تدفعها لمدة ساعة تبلغ 50 درهماً، وحصة الدرس الحضوري تبلغ 200 درهم للساعة، وتزيد بحسب أيام الامتحانات والمواد العلمية.

من جهتها أوضحت فاطمة الحمادي، ولية أمر، أن عدداً كبيراً من أولياء الأمور لجؤوا في الفترة الأخيرة إلى الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي في شرح الدروس لأبنائهم، باعتبارها بديلاً عملياً وفعالاً عن الدروس الخصوصية التي ارتفعت تكلفتها بشكل ملحوظ.
وأكدت أن هذه الأدوات توفر شروحاً مبسطة وتفاعلية بأسعار زهيدة أو حتى مجاناً، ما جعلها خياراً مفضلاً للأسر الباحثة عن حلول تعليمية أقل تكلفة وأكثر مرونة.
وأضافت أن اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي لا يقتصر فقط على التوفير المادي، بل يمنح الطلبة إمكانية التعلم بالوقت والمكان المناسبين لهم، دون الحاجة إلى الارتباط بجدول صارم أو تكبد أعباء التنقل.
وشددت على أن هذه الخطوة ساعدت كثيراً من الأسر في مواجهة غلاء الدروس الخصوصية، وفي الوقت نفسه دعمت أبناءهم بأدوات تعليمية حديثة تحاكي أساليب الشرح التقليدية وتتفوق عليها في بعض الجوانب.
وأشار أولياء الأمور لـ«البيان» إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعاً كبيراً في أسعار الدروس الخصوصية، حتى تحولت إلى عبء ثقيل على ميزانيات الأسر.
حيث أكدت أمينة حسن، ولية أمر، أن أبناءها الثلاثة كانوا يحتاجون إلى حصص خصوصية أسبوعية في الرياضيات والفيزياء واللغة الإنجليزية، ما كلف الأسرة أكثر من 2500 درهم شهرياً، وهو مبلغ لم يعد بمقدورهم تحمله.
وأضافت أن المعاناة لم تكن مالية فقط، بل نفسية أيضاً، إذ كانت تمضي ساعات طويلة في التنسيق بين المواعيد ونقل الأبناء من مركز إلى آخر، في وقت كانت النتيجة النهائية لا ترضي الطموح دائماً.

وأكد التربوي ياسر الأشقر أن دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم يمثل نقلة ثورية، وليس تهديداً كما يعتقد البعض، موضحاً أن المعلم البشري غالباً ما يلتزم بطريقة شرح واحدة تتناسب مع أغلبية الطلبة، بينما يتميز الذكاء الاصطناعي بقدرته على تصميم تجربة تعليمية مخصصة لكل طالب.
ولفت إلى أن النظام قادر على تكرار الشرح بأساليب متنوعة وعديدة لا محدودة، حتى يتمكن كل طالب من استيعاب المعلومة بالطريقة التي تناسبه. وأشار إلى أن هذه الميزة لا تقتصر على المواد العلمية فقط، بل تمتد إلى مجالات الأدب واللغة.
حيث يستطيع النظام أن يقدم النصوص الأدبية بصوت مؤثر يحاكي المشاعر، ويشرح السياق التاريخي للنصوص، ويربطها بقصائد أو نصوص أخرى ذات صلة، ما يخلق لدى الطالب صورة متكاملة وثرية تعزز من متعته في التعلم، وتفتح أمامه باباً للبحث والاكتشاف الذاتي.
كما أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي دور المعلم، بل يعزز مكانته، لأنه يحرره من المهام الروتينية ويوفر له أدوات مبتكرة تساعده في متابعة تقدم كل طالب بدقة، والتدخل عند الحاجة لتقديم الدعم الإنساني والتربوي الذي لا يمكن لأي تقنية أن تحل محله.
ناقوس الخطر

على النقيض، يرى التربوي، محمد فتحي، أن الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يضر بالمهارات الأساسية للطالب، ويقول إن التعليم ليس مجرد نقل معلومات، بل هو تفاعل، حوار، وتشكيل للشخصية، مشيراً إلى أن المعلم البشري ينقل شغفه وانفعاله عند شرح قصيدة، وهو تفاعل ضروري لتنمية التفكير النقدي والقدرة على الاستدلال الشخصي.
وحذر من خطورة التحول إلى مستهلكين للمعرفة، فإذا اعتاد الطالب أن يقدم له الذكاء الاصطناعي شرحاً مبسطاً وسريعاً لكل شيء، فقد يضعف لديه مهارة البحث العميق والتحليل المعقد، وحل المشكلات غير النمطية، أو التعبير العاطفي العميق. وأضاف: «الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون عصا للمساعدة لا عكازاً للاعتماد الكامل».

أما الدكتورة ميساء العبدالله، الخبيرة التربوية، فأوضحت أن دخول الذكاء الاصطناعي إلى المشهد التعليمي يفرض تحديات أخلاقية لا يمكن تجاهلها.
وقالت إن بعض الطلبة قد يلجؤون إلى استغلال هذه الأدوات في إنجاز الواجبات أو كتابة التقارير من دون أي جهد شخصي، ما يهدد الهدف الأساسي للتعليم القائم على بناء التفكير النقدي والمهارات الفردية.
وأكدت أن المعلم والأسرة مطالبان اليوم بترسيخ ثقافة الاستخدام المسؤول، بحيث يدرك الطالب أن الذكاء الاصطناعي وسيلة للتعلم لا غاية للاعتماد الكلي.
وشددت على أن التحدي المستقبلي أمام المؤسسات التعليمية يتمثل في إيجاد آليات رقابة وتوجيه تربوي تضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي معيناً على الفهم والإبداع، لا أداة لتجاوز الجهد الذاتي أو الانفصال عن روح العملية التعليمية.

وأكدت التربوية، إيمان مصطفى، أن الذكاء الاصطناعي استطاع أن يحجز لنفسه مكانة قوية ومرغوبة في حياة الطلاب وأولياء الأمور، بفضل قدرته على تبسيط الشرح العام وتخصيص العملية التعليمية، بما يلائم احتياجات كل متعلم.
وأوضحت أن هذه الأدوات الرقمية باتت اليوم جزءاً لا يتجزأ من التجربة الصفية، حيث توفر وقتاً وجهداً وتفتح للطلاب آفاقاً جديدة في التعلم الذاتي، لافتة إلى أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية ضمان ألا يؤدي الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي إلى إضعاف التفاعل البشري المباشر، ذلك التفاعل الذي يبني شخصية الطالب ويصقل لديه مهارات التفكير النقدي والتعاطف والقدرة على العمل الجماعي.
وشددت على أن التعليم ليس مجرد نقل للمعرفة، بل هو أيضاً بناء للوعي والعلاقات الإنسانية التي لا يمكن لأي تقنية أن تعوضها، مشيرة إلى أن مستقبل التعليم لن يكون في الانحياز الكامل للآلة أو للإنسان.
بل في صياغة معادلة متوازنة توظف ذكاء الأنظمة الرقمية وحكمة المعلم البشري معاً، فالمعلم يظل الملهم والموجه القادر على قراءة ملامح الطالب وفهم احتياجاته النفسية والاجتماعية، في حين يأتي الذكاء الاصطناعي ليكمل هذا الدور من خلال توفير محتوى مخصص وتحليلات دقيقة تساعد في اتخاذ قرارات تربوية أكثر فاعلية.
جهود

من جانبه أكد الخبير التربوي، محمد عبيدات، أن أخطر ما قد يواجه الأسر في رحلة الاستعانة بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن الدروس الخصوصية هو الاعتماد المفرط قبل الامتحانات، موضحاً أن بعض الطلبة قد يجدون في هذه الأدوات وسيلة سهلة للحصول على إجابات جاهزة.
فيفقدون تدريجياً القدرة على المراجعة الذاتية والتحليل الفردي، وشدد على أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يستخدم أداة للتدريب وتثبيت الفهم، لا طريقاً مختصراً للهروب من الجهد الشخصي الذي يكوّن شخصية الطالب المستقلة.
وأضاف أن تنويع مصادر التعلم يمثل عنصراً حاسماً في ضمان استفادة حقيقية من هذه الأدوات، إذ ينبغي أن يظل الكتاب المدرسي والمصادر الأكاديمية الموثوقة مرجعاً أساسياً، في حين يأتي الذكاء الاصطناعي وسيلة داعمة تكسر الجمود وتفتح زوايا جديدة للفهم.
واعتبر أن إشراف الأهل ومتابعتهم الدقيقة خطوة لا غنى عنها، ليس فقط لحماية الأبناء من الغش أو الاستسهال، بل لترسيخ ثقافة واعية تدرك أن المستقبل يبنى على التوازن بين الجهد البشري والوسائل التقنية.
تربويون يحذرون من مخاطره.. والطلبة: يشرح بأسلوب مبسط ومتاح على مدار الساعة
أولياء أمور:
الدروس الخصوصية عبء ثقيل على ميزانيات الأسر

المصدر : البيان