
يحتفل العالم في الأول من أكتوبر من كل عام بـ اليوم العالمي للقهوة، ذلك المشروب العريق الذي تخطى حدود الزمان والمكان، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لمليارات البشر حول العالم.
فالقهوة ليست مجرد شراب دافئ أو منبه صباحي، بل تحمل في طياتها تاريخًا يمتد لأكثر من 600 عام، وموروثًا ثقافيًا واجتماعيًا وإنسانيًا، يعكس التنوع الحضاري للبشرية وتطور علاقاتها بمصدر من مصادر الطاقة والنشاط.
أصل الحكاية.. من راعٍ أفريقي إلى مشروب عالمي
ترتبط قصة القهوة الأولى بـ قارة إفريقيا، وبالتحديد في منطقة الحبشة (إثيوبيا الحالية)، حيث تروي الأساطير أن راعياً يُدعى “كالدي” لاحظ في القرن السابع الميلادي سلوكًا غير معتاد من قطيعه، إذ كانت الماعز تقفز وتتحرك بنشاط غير مسبوق بعد أن تناولت حبوبًا حمراء معينة.
دفعه الفضول لتذوق تلك الحبوب، ليشعر بتأثيرها، ثم قام بمشاركتها مع راهب كان يعاني من صعوبة في البقاء مستيقظاً لأداء صلاته الليلية. في رواية أخرى، قام الراهب بإلقاء الحبوب في النار رفضًا للتجربة، لكن الرائحة الزكية المنبعثة منها كانت كافية لتغيير رأيه، وتبدأ بعدها رحلة القهوة الأسطورية.
رحلة القهوة من اليمن إلى العالم
في القرن الخامس عشر، وجدت القهوة طريقها إلى اليمن، حيث أُطلق عليها اسم “موكا” نسبة إلى ميناء المخا الشهير، وبدأت هناك مرحلة التوسع الحقيقي لانتشارها.
ثم انتقلت القهوة إلى مصر وفارس وتركيا، حيث أُطلق عليها لقب “نبيذ العرب”، وظهرت معها أولى المقاهي التي سُميت بـ”مدارس الحكماء“، حيث كانت مركزًا للنقاشات الفلسفية والثقافية.
أما في أوروبا، فقد أثارت القهوة جدلاً واسعاً عند دخولها في القرن السادس عشر، إذ وصفها البعض بـ”المشروب الشيطاني“، لكن المذاق الفريد دفع البابا كليمنت الثامن لتذوقها، وبعد إعجابه بها، أعلنها مشروبًا مسيحيًا، لتبدأ بعدها حقبة جديدة من الانتشار الأوروبي.
القهوة تغزو القارات والمجتمعات
مع القرن السابع عشر، غزت المقاهي الأوروبية المدن الكبرى، وأصبحت مساحات للنقاش والحوار والتلاقي، لدرجة أن بعضها سُمي “البرلمان الشعبي”.
وفيما بعد، عبرت القهوة المحيطات إلى الأمريكتين، لتصبح مكونًا رئيسيًا في الحياة اليومية، وترتبط بعادات الصباح، والعمل، والدراسة، والمناسبات الاجتماعية.
وفي عام 2014، أقرت المنظمة الدولية للقهوة يوم 1 أكتوبر من كل عام كيوم عالمي يحتفي بهذا المشروب، ويسلط الضوء ليس فقط على مذاقه، بل على دور المزارعين في إنتاجه، والتحديات التي يواجهونها في ظل تغير المناخ وظروف الأسواق.
رمزية القهوة اليوم
في العصر الحديث، أصبحت القهوة:
رمزًا للتواصل الاجتماعي واللقاءات.
طقسًا يوميًا لا يستغني عنه الملايين.
عنصرًا هامًا في الثقافة الشعبية.
صناعة عالمية تقدر بمليارات الدولارات.
بل وأصبحت علامة تجارية لبعض الدول والمناطق، مثل إيطاليا بـ”الإسبريسو”، وتركيا بـ”القهوة التركية”، وأمريكا اللاتينية بحبوبها الغنية.
أسئلة شائعة عن القهوة والكافيين
هل للقهوة آثار جانبية؟
نعم، عند تناول كميات كبيرة من الكافيين، قد تظهر آثار مثل:
القلق
تسارع ضربات القلب
الأرق
وذلك لأنها تعمل كمحفز للجهاز العصبي المركزي.
هل يمكن أن تُسبب الإدمان؟
الاستهلاك المتكرر للكافيين قد يؤدي إلى الاعتماد الجسدي، حيث يحتاج الجسم إلى جرعات أكبر لتحقيق نفس التأثير، وقد يؤدي التوقف المفاجئ إلى أعراض انسحابية مثل الصداع والتهيج.
كيف تحتفل باليوم العالمي للقهوة؟
شارك في فعاليات القهوة إذا كانت تُقام في منطقتك.
ادعم مزارعي البن عبر شراء منتجات التجارة العادلة.
جرب أنواع قهوة جديدة من بلدان مختلفة.
شارك معلوماتك وصورك على منصات التواصل الاجتماعي.
تعرف على الطرق المستدامة لإعداد القهوة وتقليل هدر الموارد.
فنجان يحمل ذاكرة التاريخ
في كل رشفة من فنجان القهوة، حكاية من رحلة طويلة بدأت في قرون بعيدة بين جبال إفريقيا، ومرت عبر أسواق اليمن ومقاهي إسطنبول وشوارع باريس ونيويورك، واستقرت في قلوب عشاقها حول العالم.
اليوم، القهوة ليست فقط مشروبًا، بل أسلوب حياة، وذاكرة ثقافية، وجسر تواصل بين الشعوب.
فاحتفل بها، وتمتع بمذاقها، وتذكر دائمًا أنها ليست مجرد شراب، بل قصة لا تنتهي.
المصدر : تحيا مصر