التراث في حلة عصرية مبهجة

التراث في حلة عصرية مبهجة

استلهام التراث الإماراتي بما فيه من مفردات وعناصر فنية غنية يعد من المسائل المطروحة بقوة في الفن التشكيلي الإماراتي، وهذا الاهتمام نابع من كون التراث يمثل جوهر الهوية الوطنية، كما يعكس تاريخ وثقافة الأجداد، وهو مصدر إلهام يغذي الإبداع، ويسهم في تجسيد هذه الثقافة الغنية في أعمال فنية معاصرة تحمل بصمة متفردة، ما يحافظ على هذا الموروث ويعزز الشعور بالفخر والانتماء لدى الأجيال الجديدة.

التراث بما يمثله من جماليات وعناصر فنية يسهم في تأكيد روح الانتماء الوطني للفرد والجماعة، خاصة في ظل التطور السريع للحياة العصرية، لذا لجأ الفنانون الإماراتيون إلى توثيق كثير من مفردات هذا التراث في الحياة التقليدية والمهن والحرف المحلية وأنماط الحياة الاجتماعية التي عاشها الآباء والأجداد، ما أكسب الأعمال الفنية قيمة جمالية وتاريخية وثقافية كبيرة.

ومن المسائل التراثية التي تهتم بها الفنانة الإماراتية على وجه الخصوص، تبرز المرأة في طقوسها الحياتية والاجتماعية على نحو ملحوظ عمد معظم الفنانات، خاصة في تلك المناسبات التي لها علاقة بالأعراس، بما تعكسه هذه المناسبة الخاصة من بهجة وسرور، حيث تقاليد العرس التي تتميز دائماً باليسر والبساطة والعفوية، كما هو حال الفنانة سريعة راشد المنصوري التي لها لوحة تمثل العروس الإماراتية، أبرزت من خلالها الكثير من التفاصيل الجوهرية من حيث تفاصيل الثوب، تفاصيل وجه العروس، بالاعتماد على لمسات لونية معبرة في دلالاتها الشكلية والبعيدة فجاء مزركشاً بالألوان المبهجة، ناهيك عن الإبراز الذي قدمته الفنانة مشرقاً وذا تفاصيل تعبر عن الفرح والسرور والطمأنينة.

لون

تتألق الفنانة سريعة المنصوري في هذه اللوحة، فتبرز العروس الإماراتية في زيها التقليدي الموشى بروح عصرية، العروس في هذا العمل هي محور اللوحة ومرتكزها، وقد ظهرت في حلة من الألوان المشرقة والمبهجة، وقد أبدعت المنصوري في توزيع الألوان في هذه اللوحة، ليكون لكل لون على حدة دلالته ورمزيته، ما بين البرتقالي والأحمر والأزرق وغيرها من الألوان المشرقة، كما رسمت المنصوري في هذه اللوحة (المرأة – العروس) وهي مزينة بوردة حمراء، لها دلالة خاصة تحمل معاني الهدوء، والصفاء، والحب، والجمال وهي هنا بمثابة رمز للاحتفال بمناسبة العرس.

يبدو واضحاً أن الفنانة المنصوري قد قدمت لوحتها تلك ضمن صياغة عصرية واضحة في كل تفاصيل اللوحة، فجاءت اللوحة متقنة وتعكس مفردات التراث، بتأثيرات انطباعية واضحة، هذه الانطباعية تتجلى في اللون، وفي إيقاع اللوحة وفي انعكاسات توزيع الضوء على المسطح الجمالي للمشهد بشكل عام.

توازن

جاءت خلفية اللوحة باللون البرتقالي، وهو لون يعكس الدفء والأصالة والمرأة ترتدي عباءة سوداء بخيوط ذهبية كناية عن الوقار والفخامة، أما الثوب الذي ترتديه (المرأة – العروس) فجاء بالأزرق الفيروزي، الموشى بزخارف صفراء أو ذهبية، وهذه الألوان تعبر عن النقاء والبهجة، أما الوردة الحمراء وأغصانها الحمراء المثبتة في العباءة من جهة اليسار، فقد أضافت توازناً بصرياً ساحراً كأنها تربط بين المرأة والطبيعة، وقد كسرت هذه الألوان (ألوان الوردة) من حدة اللون الأسود الظاهر في العباءة، كما رمزت هنا للحياة والجمال والأنوثة والنعومة.

أيقونة

المرأة في اللوحة تشكل الكتلة الرئيسية، وتغطي معظم مساحتها، كأن الفنانة هنا أرادت أن تبرز المرأة كأيقونة جمالية، وكان هناك تباين واضح ما بين الأسود والخلفية البرتقالية، وهذا عزز من وضوح الشكل، ومنحه مسحة جمالية واضحة.

ظهرت العروس في هذه اللوحة في حلة منتقاة من الألوان المدروسة، التي ترمز للهوية الإماراتية، كما هو ظاهر في شكل ثوب المرأة بلونه الأزرق المبهج، وجاء مذهباً، ويعكس فن التطريز الإماراتي المعروف ب (التلي أو السدو) وهو يعد من أهم مظاهر التراث الإماراتي.

العينان شبه المغمضتين للمرأة تعكسان رمزية الصفاء والتأمل، هو بالضرورة صفاء داخلي تعيشه (المرأة العروس)، في مناسبتها الخاصة التي ستقدمها عروساً في حياة جديدة، تحتل مكانة خاصة عند المرأة، وعند المجتمعات العربية بشكل عام.

إضاءة

الفنانة التشكيلية سريعة راشد المنصوري هي فنانة إماراتية عشقت الفن منذ طفولتها، وهي تهتم على نحو خاص بتقديم لوحات تستلهم التراث الإماراتي برؤية عصرية واضحة في معظم أعمالها، لها مشاركات محلية ودولية، تميل أحياناً إلى مزج أدوات الفن التقليدي والرقمي، من خلال بصمة تجمع بين الإبداع والالتزام، وبين الهوية الوطنية والانفتاح على العالم.

المصدر : صحيفة الخليج