
أظهرت نتائج أولية أن حركة “آنو” بزعامة الملياردير اليميني الشعبوي أندريه بابيش حقق فوزاً محورياً في الانتخابات البرلمانية في جمهورية التشيك، التي انتهت السبت، في انتخابات تهدد بتحويل البلاد إلى “مصدر قلق آخر”، للاتحاد الأوروبي، بجانب الزعيم المجري فيكتور أوربان، وفق مجلة “بوليتيكو”.
وراقبت أوروبا الانتخابات التشيكية بحذر، إذ تعهد بابيش بإلغاء مبادرة تزويد أوكرانيا بالذخائر، ورفض خطط حلف شمال الأطلسي “الناتو” لزيادة الإنفاق العسكري، ومواجهة المفوضية الأوروبية بشأن “الصفقة الخضراء”، التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وتقليل التلوث من أجل الوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050.
وحصل حزب “آنو” على 35% من الأصوات في وقت متأخر السبت، متقدماً بفارق كبير على ائتلاف “سبولو” (يمين وسط) الحاكم بزعامة رئيس الوزراء بيتر فيالا، الذي حصل على نحو 23% بعد فرز الأصوات في أكثر من 98% من الدوائر الانتخابية.
وقال بابيش الذي سيحتاج على الأرجح إلى شركاء للحكم، للصحافيين في مقر حملته الانتخابية مساء السبت: “أنا سعيد”، واستقبل بتصفيق حار من أعضاء حزبه، بينما كانت تترد أنغام أغنية إيطالية قديمة عبر مكبرات الصوت.
وفي حال لم يحقق حزب “آنو” الأغلبية، سيحتاج بابيش إلى أحزاب أخرى قد تشمل الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليميني المتشدد، المناهض للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، من أجل تشكيل حكومة، أو على الأقل دعم حكومة أقلية.
واستناداً إلى تجارب انتخابات سابقة، من المتوقع أن تؤكد لجنة الانتخابات الحكومية، التي تجمع النتائج المؤقتة من أكثر من 14 ألفاً و800 موقع في جميع أنحاء التشيك والعالم، النتيجة النهائية بحلول الاثنين، لكن تطبيق التصويت عبر البريد مؤخراً ربما يتسبب في حدوث تأخير.
ونافس في هذه الانتخابات 4,462 مرشحاً و26 حزباً، وقُدرت نسبة المشاركة في التصويت بـ68%، وهي أعلى نسبة منذ انتخابات عام 1998.
وجاء حزب “ستان” العضو الرابع في الائتلاف الحاكم الحالي، في المرتبة الثالثة بنسبة 11%، يليه حزب “الحرية والديمقراطية المباشرة” (يميني متشدد) المناهض للاتحاد الأوروبي بنسبة 8%، متراجعاً عن 13% في استطلاعات الرأي الأخيرة، أما حزب “القراصنة”، العضو السابق في الائتلاف الحاكم الذي انسحب العام الماضي، فحصل على نسبة 8%.
أما المفاجأة الانتخابية فهي حزب “سائقي السيارات من أجل أنفسهم” (شعبوي يميني)، الذي يتجه لدخول البرلمان بنحو 7%، وتجاوز بالكاد عتبة 5% (المطلوبة لدخول مجلس النواب) أثناء حملته الانتخابية، أما حزب “ستاتشيلو” (يساري متشدد)، الذي حقق نتائج أعلى في استطلاعات الرأي، فمن المرجح ألا يتجاوز تلك العتبة.
وقال الرئيس التشيكي بيتر بافيل إنه سيلتقي بجميع الأحزاب التي ستدخل البرلمان، الأحد.
قلق من تهميش التشيك
ويخشى معارضون في التشيك من أنه إذا استعاد الملياردير اليميني السلطة، فقد تصبح جمهورية التشيك مصدر قلق جديداً للاتحاد الأوروبي إلى جانب المجر بقيادة فيكتور أوربان، وسلوفاكيا بقيادة روبرت فيتسو.
وقال وزير الخارجية التشيكي يان ليوبافسكي لـ”بوليتيكو”: “أعتقد أنه إذا نظرنا إلى تصريحاته وحلفائه في أوروبا، مثل فيكتور أوربان وما فعله مع المجر، سيبدأ (بابيش) في تهميش جمهورية التشيك”.
وأضاف ليبافسكي: “لا أريد أن ينتهي الأمر بجمهورية التشيك على هامش أوروبا، مثلما حدث للمجر أو سلوفاكيا. واليوم هناك فرق كبير بين أن تكون جزءاً من تحالف أ\و لا”.
ومن المرجح ألا يتمكن بابيش من الحصول على أغلبية في مجلس النواب المؤلف من 200 مقعد، ما يعني أنه سيحتاج إلى دعم برلماني لتشكيل حكومة.
واستبعدت كافة الأحزاب الرئيسية في البلاد العمل مع بابيش بعد الانتخابات، وهذا لا يترك له أي خيار سوى اللجوء إلى خيارات أكثر تطرفاً.
وشركاؤه المحتملون هم حزب “سائقي السيارات من أجل أنفسهم”، الذين يريدون مثل بابيش، إخراج التشيك من الاتحاد الأوروبي و”الناتو”؛ أو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي لا يشاركه هذا الموقف.
وأثار هذا الاحتمال قلق محللين ومعارضين سياسيين على حد سواء؛ فحلف “آنو”، وحزب “سائقي السيارات من أجل أنفسهم”، جزء من مجموعة “وطنيون من أجل أوروبا” في البرلمان الأوروبي، التي شارك في تأسيسها بابيش.
وقال بابيش مساء السبت، إنه يهدف إلى تشكيل حكومة أقلية من حزب واحد، بدعم من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، و”سائقي السيارات من أجل أنفسهم”.
وأضاف: “سنقود محادثات مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، و”سائقي السيارات”، وسنسعى جاهدين لتشكيل حكومة حزب واحد بقيادة حركة آنو”.
من هو أندريه بابيش؟
أطلق بابيش حملته الانتخابية بوعود بتوفير طاقة أرخص، ومعاشات تقاعدية أعلى، و”تقديم مصالح التشيك على مصالح أوكرانيا”، وتشبه جاذبيته الشعبوية جاذبية الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة.
وشغل بابيش، وهو ملياردير وقطب قطاع الزراعة، منصب رئيس الوزراء في الفترة من 2017 إلى 2021، وترشح للرئاسة في عام 2023 لكنه خسر أمام جنرال الجيش بيتر بافيل.
وبابيش شخصية معروفة في بروكسل، لا سيما بسبب دعوى قضائية منذ فترة طويلة يُشتبه فيها أنه احتال على الاتحاد الأوروبي بمبلغ مليوني يورو للسماح لإمبراطوريته الزراعية ” أجروفرت” (Agrofert) بالحصول على إعانات مخصصة للشركات المتوسطة الحجم.
وعادت هذه القضية إلى مسارها القانوني مرة أخرى، حيث ينتظر بابيش حالياً صدور حكم من محكمة براغ الجزئية. وما لم يتم العثور على أدلة جديدة، فإن المحكمة ملزمة بأن تسترشد بالمحكمة العليا في براغ، التي ألغت في يونيو حكماً سابقاً يبرئ بابيش من ارتكاب مخالفات.
وينفي بابيش ارتكاب أي جُرم، ويصر على أن القضية “ذات دوافع سياسية”. مع ذلك، لا يزال من الممكن أن تهدد القضية عودته كرئيس للوزراء، إذا اختار الرئيس عدم تعيينه بسبب تضارب المصالح المرتبط بشركة “أجروفرت”، وهو سيناريو لا يزال مستبعداً ولكنه ليس مستحيلاً.
المصدر : الشرق