
تقود الإمارات المبادرات العالمية لتوحيد الجهود الصحية للتصدي لمرض الانسداد الرئوي المزمن في ظل تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات الصحية العالمية عبر الوقاية أولاً.
وتسعى الإمارات إلى تقديم خارطة طريق مبتكرة لمستقبل الصحة العامة، مع التركيز على تعزيز الوعي الصحي وتعليم الأجيال القادمة أهمية حماية صحة الرئتين، حيث تواصل بذلك ترسيخ مكانتها كداعم رئيسي للمبادرات الصحية العالمية والمساهمة الفاعلة في تحسين الصحة العامة على المستوى الإقليمي والدولي.
وتركز الدولة في إطار جهودها المستمرة لمكافحة مرض الانسداد الرئوي المزمن، على تعزيز البحث والتطوير في مجال الأمراض التنفسية من خلال التعاون مع الجامعات ومراكز البحث العالمية بهدف تحسين أساليب التشخيص والعلاج.
وحذر أطباء مختصون من تفاقم أمراض الرئة المزمنة وما تمثله من عبء صحي عالمي، وقالوا لـ«البيان» إن أمراضاً مثل الانسداد الرئوي المزمن والربو وسرطان الرئة والسل، تعد من أبرز أسباب المرض والوفاة، في حين يظل التدخين «الخطر الأكبر» الكامن وراء إصابة مئات الملايين بتلك الأمراض، إلى جانب عوامل بيئية ومهنية تشمل التلوث الهوائي والغبار والتعرض للمواد الكيميائية.
الدكتور عادل سجواني، استشاري طب الأسرة، تحدث بلغة الأرقام قائلاً: «إن الإحصاءات الطبية العالمية توضح أن التدخين يبقى السبب الأول لسرطان الرئة، وهو مسؤول عن أكثر من 80 % من الحالات».
وأضاف أن ما يثير القلق هو أن ارتفاع معدلات الإصابة مستمر رغم الجهود التوعوية، خصوصاً مع بدء التدخين في سن مبكرة، وتنوع أشكال منتجات التبغ بين السجائر والمدواخ والشيشة، لافتاً إلى أن هذه العادة في مجتمع الإمارات لا تنتشر فقط بدافع شخصي، بل تتغذى على ضغوط الأصدقاء والمحيط الاجتماعي، حيث يُنظر إلى التدخين – ولا سيما المدواخ والشيشة – بوصفه جزءاً من بعض المناسبات والتجمعات، فيما يلجأ الكثيرون إلى التدخين بوصفه آلية للتعامل مع الضغوط النفسية والتوتر اليومي، وهو ما يجعل الإقلاع مهمة أكثر تعقيداً، لأنه يتطلب معالجة الجوانب النفسية والسلوكية وليس مجرد قوة الإرادة.
وأكد أن تعزيز برامج الدعم النفسي والاجتماعي ضرورة موازية لحملات التوعية الطبية، حتى يتمكن الأفراد من إيجاد بدائل صحية للتعامل مع الضغوط، مشيراً إلى أن زيادة الدعم المقدم لعيادات الإقلاع عن التدخين وتكثيف الفحوصات المبكرة لسرطان الرئة يمكن أن يسهم بشكل مباشر في تقليل العبء الصحي المستقبلي. وأوضح أن الإقلاع التام عن التدخين يظل الوسيلة الأكثر فاعلية للوقاية من سرطان الرئة، خصوصاً أن التدخين السلبي يضاعف المخاطر لغير المدخنين.
وبحسب سجواني هناك أساليب علمية مثبتة تساعد المدخنين على الإقلاع، أبرزها العلاج السلوكي والدعم النفسي لتغيير العادات، إلى جانب بدائل النيكوتين مثل اللصقات والعلكة والأقراص، وكذلك بعض الأدوية، وأشار إلى أن النيكوتين نفسه، وفق تقارير إدارة الغذاء والدواء الأمريكية والوكالة الدولية لأبحاث السرطان، لا يُصنَّف مادة مسرطنة، بينما يكمن الخطر الحقيقي في عملية احتراق التبغ التي تنتج آلاف المواد الكيميائية السامة، منها عشرات المواد المسرطنة المعروفة، مشدداً على أن الوقاية الحقيقية والأكثر فاعلية هي الإقلاع التام عن التدخين، مع ضرورة الاستثمار في الدعم النفسي والسلوكي لضمان نسب نجاح أكبر ومساعدة المدخنين على تجاوز التحديات المرتبطة بهذه العادة.
عبء صحي
وأشار الدكتور حسيب بوتومانيل، أخصائي أمراض الرئة، إلى أن الالتهابات التنفسية بمختلف صورها، إلى جانب مرض الانسداد الرئوي المزمن والربو، تمثل أبرز الأمراض التي تزيد العبء الصحي على المجتمع.
وأضاف أن العدوى الفيروسية أو البكتيرية تظل عاملاً محورياً في هذا السياق، ما يستدعي يقظة أكبر عند ظهور الأعراض الأولية، مؤكداً أن من بين العلامات المبكرة التي يجب الانتباه لها: السعال المتكرر أو الطويل، وصعوبة التنفس التي تعيق ممارسة الأنشطة اليومية، إضافة إلى الألم الصدري المصحوب بالحمى أو السعال المصحوب بالدم، وهي جميعها مؤشرات تستوجب مراجعة عاجلة للطبيب.
وشدد على أن التدخين بجميع أنواعه هو السبب الرئيس وراء تدهور صحة الرئة، إذ يؤدي إلى تلف الأهداب التي تنظف مجرى التنفس، وإلى التهابات مزمنة وتراجع سعة الرئة مع مرور الوقت، كما يربط بين التدخين وسرطان الرئة، مبيناً أن أكثر من 80 % من المصابين لديهم تاريخ طويل مع التدخين.
ولا يقتصر الخطر على السجائر التقليدية فقط، بل يمتد ليشمل الشيشة والسجائر الإلكترونية بما تحتويه من مواد كيميائية سامة، مستعرضاً مجموعة من النصائح التي تساعد على حماية الجهاز التنفسي، أبرزها: التخطيط الحكيم للأنشطة الخارجية وتجنّب العواصف الترابية أو الأجواء المزدحمة، ارتداء الكمامة عند الضرورة، ممارسة الرياضة بانتظام في أماكن نظيفة الهواء، الاهتمام بتهوية البيوت ونظافتها، والتطعيم ضد الإنفلونزا، إضافة إلى التوقف عن التدخين بشكل نهائي.
الفئة الأولى
وأوضح الدكتور همام شققي، استشاري أمراض الرئة، أن المدخنين هم الفئة الأولى الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة، يليهم كبار السن، والأشخاص الذين يتعرضون باستمرار للملوثات، سواء في البيئة أو في أماكن العمل، إضافة إلى من يعانون من أمراض رئوية سابقة مثل الربو. ونصح هؤلاء بالاستفادة من برامج دعم الإقلاع عن التدخين، والحصول على التطعيمات الدورية ضد الإنفلونزا والالتهاب الرئوي، فضلاً عن استخدام وسائل الحماية في أماكن العمل المليئة بالغبار أو المواد الكيميائية.
وأكد أن زيارة الطبيب وإجراء الفحوصات الدورية يلعبان دوراً أساسياً في اكتشاف الأمراض مبكراً، وهو ما يتيح التدخل العلاجي في الوقت المناسب، قبل أن تتفاقم المضاعفات أو يحدث تراجع دائم في وظائف الرئة.
تطورات نوعية
ولفت شققي إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تطورات نوعية في رعاية مرضى الرئة، منها برامج الكشف المبكر عن السرطان لدى المدخنين، وتوفر أدوية بيولوجية موجّهة بدقة لبعض الأمراض مثل الربو والانسداد الرئوي المزمن. كما ظهرت أجهزة استنشاق حديثة أكثر سهولة وفاعلية، إضافة إلى إمكانية المتابعة عن بُعد باستخدام التقنيات الرقمية لتعديل العلاج بسرعة. ولا يقل أهمية عن ذلك، برامـج إعادة التأهيل الرئوي التي تجمع بين التمارين والتعليم والدعم النفسي لتحسين حياة المريض.
المصدر : البيان