
يشهد العالم اليوم سباقًا عالميًا محمومًا لتطوير الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو الجيل الذي يُفترض أن يمتلك قدرات تفكير وتعلّم تضاهي الإنسان وربما تتجاوزه.
لكن رغم الإغراءات الضخمة والوعود بتحولات اقتصادية جذرية، يرى كثيرون أن هذا الاندفاع الاستثماري يشبه رهان رأس المال المغامر الذي يقبل خسارة تسعة مشاريع مقابل ربح واحد ضخم، غير أن الفارق الجوهري هو أن الجميع الآن يضع رهانه في سلة واحدة اسمها الذكاء الاصطناعي العام، ما يجعل المخاطر أكثر تركيزًا من أي وقت مضى.
وفي حال تحقق هذا الطموح، فقد يفتح الباب أمام ثروة إنتاجية غير مسبوقة ويغيّر وجه الاقتصاد العالمي، أما إذا تعثر، فربما تتبخر تريليونات الدولارات في مشروع لم يكتمل بعد.
طفرة استثمارية في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي
تتسابق الشركات العملاقة لإنشاء مراكز بيانات عملاقة لدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي، إلا أن محللين يحذرون من أن العوائد قد لا تأتي بالسرعة المتوقعة.
فشرائح “إنفيديا” المستخدمة حاليًا قد تصبح بلا فائدة خلال أربع أو خمس سنوات فقط، مما يعني أن على الشركات تحقيق أرباح سريعة لتجنب خسائر هائلة، بحسب تقرير وول ستريت جورنال.
وتواجه شركات الذكاء الاصطناعي أيضًا ضغطًا متزايدًا من تكاليف التشغيل.
فشركة “أوبن إيه آي”، مطوّرة “تشات جي بي تي”، تُقدّر قيمتها السوقية بنحو 500 مليار دولار رغم تحقيق مبيعات لا تتجاوز 13 مليار دولار فقط هذا العام، وهو مضاعف تقييم غير مسبوق، بل أعلى من نسب فقاعة الإنترنت عام 2000.
تضخم تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي
المشهد الحالي يذكّر بما حدث في “حروب المتصفحات” في التسعينيات، حين تنافست “نتسكيب” و“مايكروسوفت” قبل أن تهيمن “غوغل كروم”.
واليوم، يتكرر السيناريو ذاته في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تتنافس “مايكروسوفت”، و“أمازون”، و“جوجل”، إلى جانب شركات ناشئة من الصين وأوروبا. حتى المستثمرون الذين يوزعون أموالهم على الجميع قد يكتشفون أن الرابح الحقيقي لم يظهر بعد.
لكن السوق لا يرحم. فقد شهدت أسهم شركات الذكاء الاصطناعي تقلبات حادة:
- تراجعت “سوبر مايكرو كمبيوتر” إلى ثلث قيمتها في 2024.
- خسرت “سي ثري دوت إيه آي” أكثر من نصف قيمتها السوقية.
- هوت “ساوندهاوند إيه آي” بنحو 75% بعد ارتفاع صاروخي العام الماضي.
اشتداد المنافسة وتبدّل خريطة الذكاء الاصطناعي
يتخوف المستثمرون من أن يتحول سباق الذكاء الاصطناعي إلى معركة استنزاف طويلة ومكلفة، إذ تتقارب المنتجات وتتناقص الهوامش بسبب النفقات الضخمة على البحث والتطوير.
وفي المقابل، تظهر ابتكارات منخفضة التكلفة قد تعيد خلط الأوراق بالكامل.
ففي الصين، طوّرت شركة “ديب سيك” نموذج ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة في التدريب، بينما يعمل نموذج “سبايكنغ برين” الجديد على تشغيل أنظمة متقدمة على شرائح رخيصة الثمن، مما قد يهدد هيمنة “إنفيديا” ويغير معادلة السوق العالمية.
الذكاء الاصطناعي وتأثيره المتسارع على الاقتصاد العالمي
الاستثمار المتزايد في الذكاء الاصطناعي بدأ ينعكس على قطاعات الطاقة والصناعة.
فمراكز البيانات الأميركية تستهلك حصة متنامية من الكهرباء، ما يرفع تكاليف الإنتاج الصناعي ويغذي مخاطر التضخم. ويرى خبراء أن الاقتصاد العالمي قد يُجبر على المفاضلة بين تضخم مرتفع أو تباطؤ في النمو، نتيجة لإعادة توجيه الموارد نحو هذا القطاع الجديد.
بين الحلم التكنولوجي والمخاطر الاقتصادية
بالنسبة للمستثمرين، فإن مجرد احتمال ضئيل لظهور ذكاء اصطناعي يفوق البشر يبدو مبررًا كافيًا لضخ المليارات.
لكن من يراهن فقط على التطبيقات العملية مثل المساعدات الرقمية أو تعديل الفيديو، عليه أن يدرك أن السوق تسعّر الآمال في “المعجزة الكبرى”، وهي معجزة قد تبقى لسنوات مجرد حلم تقني بعيد المنال.
المصدر : تحيا مصر