
أكد عدد من الخبراء التربويين والنفسيين أن انشغال الأبوين المستمر لا سيما الأمهات، سواء في وظائفهما أو في العالم الافتراضي أو حتى انشغالهما مع أصدقائهما، قلص الحوار مع الأبناء بشكل خطير، موضحين أن الطفل أو المراهق، الذي لا يجد أذناً مصغية لأسئلته أو فضاء للتعبير عن مشاعره، يلجأ غالباً إلى مصادر خارجية قد لا تكون آمنة، مشددين على أهمية إعادة بناء جسور التواصل بين الآباء والأبناء.
علاقات صحية
وقالوا لـ«البيان»، إن ضعف الحوار الفعّال بين الأطفال وذويهم قد يؤدي إلى 7 أبعاد وخيمة على الأبناء وهي: ضعف الثقة بالنفس، الانطواء والعزلة الاجتماعية، التوتر والقلق الدائم، تقليد سلوكيات سلبية من محيط الأصدقاء، التفكك الأسري، تراجع دور الآباء في توجيه الأبناء وتصحيح سلوكياتهم، الشعور بعدم الأمان، مشيرين إلى أن التواصل الفعال بين الآباء والأبناء هو حجر الأساس لبناء علاقات أسرية صحية ومستقرة.
وأوصى الخبراء والمختصون بـ 4 حلول عملية لاستعادة جسور التواصل داخل الأسرة أبرزها: تخصيص وقت يومي قصير للحديث مع الأبناء دون مقاطعة، إبعاد الهواتف أثناء جلسات العائلة، تشجيع الأبناء على التعبير عن آرائهم بحرية، استخدام لغة حوار إيجابية بعيداً عن التوبيخ المستمر.
آثار سلبية
وأكدت خولة المطروشي، مديرة إدارة فعاليات أجيال المستقبل في جمعية النهضة النسائية بدبي، أن غياب التواصل يترك آثاراً سلبية واضحة على شخصيتهم، مؤكدة أن الحوار العائلي ليس رفاهية، بل هو خط الدفاع الأول ضد الانحرافات السلوكية والمشكلات النفسية. وأوصت المطروشي بضرورة تخصيص وقت يومي للحوار مع الأبناء، حتى ولو كان قليلاً، بعيداً عن الهواتف أو التلفاز، أو الانشغال بأي شيء آخر، والاستماع للأبناء بجدية واهتمام، ومن دون إصدار أحكام مسبقة، مشيرة إلى أن إدارة أجيال المستقبل تحرص على تنظيم دورات تأهيلية، وبرامج مثل برنامجي «نوافذ» و«تحدث مع كلثم»، اللذين يتيحان للأمهات التحدث، وتناول القضايا التربوية، التي تؤرقهن وأبنائهن، والاستفادة من خبرات الآخرين والاختصاصيين التربويين، الذين تستقطبهم الإدارة في هذه البرامج، لتدريب الأمهات على كيفية التعامل مع الأبناء، والاستماع لهم.
نقل الأفكار
وقال الدكتور جاسم المرزوقي، استشاري العلاج النفسي بدبي، إن لغة التواصل هي وسيلة لنقل الأفكار والخبرات بين الآباء والأبناء، وبين الكبار والصغار عموماً، فاللغة ليست مجموعة من الألفاظ والعبارات الجامدة، بل هي أحاسيس ومشاعر وأفكار وميول حية، تربط الأجيال بعضها بعضاً، ومن دونها يبقى هناك حاجز في انتقال الخبرات والنجاحات من جيل إلى جيل، وهذا ما يعكسه واقع العلاقات بين الآباء والأبناء، فالشباب، ومن بينهم المراهقون، يرفضون تلقي أي معلومة من آبائهم أو من يكبرهم سناً، بسبب غياب لغة التواصل.
احتواء عاطفي
وترى الدكتورة آشا دولاب، أخصائية علم النفس السريري في دبي، أن غياب التواصل داخل الأسرة لا يترك فراغاً عادياً، بل يصنع فجوة قد تمتد إلى مستقبل الأبناء وسلوكياتهم، مؤكداً أن الحوار المستمر والاحتواء العاطفي هما الأساس لحماية الأجيال القادمة من العزلة، والاضطراب النفسي.
وأضافت أن ضعف الحوار بين الأمهات والأبناء يؤدي إلى آثار عميقة على شخصية الطفل والمراهق، أهمها ضعف الثقة بالنفس، والبحث عن مصادر بديلة للتوجيه قد تكون غير آمنة.
ويقول الدكتور ألكسندر ماشادو، أخصائي علم نفس عصبي إكلينكي بدبي، إنه في ظل إيقاع الحياة السريع، وإغراءات العالم الرقمي، يبقى الحوار الأسري حاجة إنسانية لا غنى عنها، مشيراً إلى أن الكلمة الدافئة والإنصات باهتمام قد تشكل درعاً واقية، تحمي الأبناء من الانجراف في طرق مجهولة، ويعيد للأسرة دورها حاضنة أولى للتربية والطمأنينة.
وأضاف أن التواصل يساعد على تنمية قدرات الأبناء على التحليل والتفكير، والحرية في طرح الآراء واحترام آراء الآخرين، كما أن إنصات الآباء لحديث الأبناء وفهم مشاكلهم والاستماع إليهم ومناقشتهم بأسلوب مرن، ومناسب لعقولهم وعدم إهمالهم، يزرع الثقة بنفوسهم، ويجعلهم يتكلمون بصراحة مع آبائهم.
إزالة الحواجز
ويرى عدد من الأبناء أن إزالة الحواجز بين الآباء والأبناء لا يمكن أن تتحقق من دون رغبة وإرادة الوالدين، حيث يقول يوسف محمد، إن التزامات الأمهات المهنية المتزايدة، وضغوط الحياة الاجتماعية تؤدي إلى ضعف الحوار الفعال داخل البيوت، ما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأمهات وأبنائهن، فيتحول التواصل إلى أوامر سريعة أو عتاب عابر، بينما يفتقد الأبناء إلى الدفء والإنصات الحقيقي.
وترى مريم عبدالمنعم أن انشغال الوالدين باستمرار بتأمين لقمة العيش والعمل، الذي تمتد ساعاته إلى المنزل تعتبر من أبرز أسباب تراجع الترابط الأسري، وتشعر الأبناء بالإهمال، والتقليل من قيمتهم، قد يفضي في الأغلب إلى لجوء الأبناء إلى التواصل مع أصدقائهم، للتعويض عن التواصل الأسري، وتكمن الخطورة عندما يكون هؤلاء الأصدقاء من المنحرفين خلقياً. وترى بعض الأمهات أن ضغوط العمل ليست مبرراً كافياً للانقطاع عن الأبناء، تقول نادية غريب (موظفة): «أحاول أن أخصص وقتاً قصيراً يومياً لحوار صريح مع أولادي قبل النوم، حتى لو كان عشر دقائق، أشعر أنه يصنع فارقاً كبيراً في قربهم مني».
وتقول سمر عبدالله «ربة منزل»: «أحياناً أقضي معظم وقتي بين متابعة العمل المنزلي والانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي، فأكتشف أنني لم أستمع جيداً لابنتي عندما حاولت أن تكلمني، وتعترف أن الأمر يتكرر معها ومع صديقاتها، حتى صارت عادة يومية».
المصدر : البيان