هل تصنع نماذج الذكاء الاصطناعي العربية بديلاً حقيقياً للعالمية؟

هل تصنع نماذج الذكاء الاصطناعي العربية بديلاً حقيقياً للعالمية؟

في خضم السباق العالمي للتفوق في قطاع الذكاء الاصطناعي، تواصل الدول العربية السعي لتطوير نماذجها الخاصة، مستهدفة الحصول على مكانة مؤثرة في المستقبل الرقمي.

ففي السنوات الأخيرة، ظهرت العديد من النماذج العربية، مما يعكس رغبة المنطقة في لعب دور رئيسي في هذا المجال الحيوي. لكن يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن لهذه النماذج منافسة عمالقة عالميين مثل “تشات جي بي تي” (ChatGPT) و”جيمناي” (Gemini) و”غروك” (Grok)؟ أم أنها لا تزال مجرد بدائل مكملة للنماذج الغربية، بحاجة إلى مزيد من التطوير لتحقيق الابتكار المذهل الذي يعد به الذكاء الاصطناعي؟

أبرز نماذج الذكاء الاصطناعي التي أطلقتها الدول العربية

“هيوماين تشات” (Humain Chat)

نموذج ذكاء اصطناعي سعودي جديد يُعرف بكونه الجيل الجديد من نموذج “علام” (Allam) الذي تطوره شركة “هيوماين” (Humain) السعودية المملوكة لـ”صندوق الاستثمارات العامة”. يُقدم كأول نموذج عربي عام ومجاني بالكامل، ويتميز بقدرته على التفاعل باللغتين العربية والإنجليزية، مع تركيز خاص على العربية الفصحى واللهجات المحلية مثل السعودية والمصرية والأردنية واللبنانية، بالإضافة إلى تصميم يعكس الهوية الثقافية والقيم المحلية. 

ويقتصر استخدام هذا النموذج حالياً على المملكة، لكن من المقرر إطلاقه في أنحاء الشرق الأوسط في أكتوبر، بحسب طارق أمين، الرئيس التنفيذي لـ”هيوماين”.

اقرأ المزيد: السعودية تقدم Humain Chat مجاناً.. وتبتكر ذكاءً اصطناعياً للشركات

“أرامكو ميتابرين” (METABRAIN)

أعلنت “أرامكو” عن نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي “أرامكو ميتابرين” في مؤتمر “ليب 2024” بالرياض، يضم 250 مليار معامل، ويُعد من أضخم النماذج الصناعية في العالم. جرى تدريبه على 7 تريليونات نقطة بيانات من 90 عاماً من العمليات النفطية والهندسية. يُستخدم داخلياً لدعم موظفي “أرامكو” في حل المشكلات الصناعية المعقدة وتعزيز الكفاءة التشغيلية باستخدام الذكاء اللغوي والتحليلات اللحظية والحوسبة الكمية.

طالع المزيد: كيف تبني “أرامكو” قدراتها بمجال الذكاء الاصطناعي؟

هذه الأدوات تأتي في إطار خطة أشمل تتبناها المملكة لتصل مساهمة قطاع الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 12% بحلول 2030، وهو ما يعادل 130 مليار دولار. المزيد من التفاصيل في الفيديو أدناه:




“نور” (Noor)

يُعد “نور” واحداً من النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) باللغة العربية، حيث أطلقه معهد الابتكار التكنولوجي (TII) في أبوظبي عام 2022، بالتعاون مع “لايت أون” (LightOn) الفرنسية، وبحجم 10 مليارات معامل. وقد دُرب على أكبر مجموعة بيانات عربية تضم نصوصاً من الويب والكتب والصحافة والشعر والمعلومات التقنية، وهدفه تقديم فهم عميق للفصحى. النموذج متاح للأكاديميين والباحثين دون طرحه للعامة.

“فالكون” (Falcon)

تُعد سلسلة “فالكون” التي أطلقها معهد الابتكار التكنولوجي في أبوظبي واحدة من أبرز المبادرات العربية في مجال النماذج اللغوية الكبيرة. فقد بدأت القصة مع “فالكون-40 بي” (Falcon-40B) في مايو 2023، وهو نموذج ضخم مفتوح المصدر بحجم 40 مليار معامل، دُرب على تريليون رمز نصي، واعتُبر وقتها خطوة نوعية لدولة الإمارات نحو منافسة الكبار.

وسرعان ما تطور النموذج إلى “فالكون-180 بي” (Falcon-180B) في سبتمبر 2023، وهو نسخة أضخم بقدرة 180 مليار معامل ودُرب على 3.5 تريليون رمز، ليصبح من أقوى النماذج مفتوحة المصدر عالمياً، كما أنه متاح بحرية للمطورين عبر منصات مثل “هاجينغ فيس” (Hugging Face).

في 2025، قدم معهد الابتكار التكنولوجي نماذج جديدة، حيث ظهر “فالكون أرابيك” (Falcon Arabic) كنموذج مخصص للغة العربية بحجم 7 مليارات معامل، ومُدرب على بيانات اللغة العربية الفصحى واللهجات الإقليمية، ما يمنحه قدرة استثنائية على فهم التنوع اللغوي والثقافي في العالم العربي. ويقول المعهد إن النموذج الجديد يضاهي في أدائه نماذج أخرى تفوقه حجماً بعشرة أضعاف.

“فالكون” الإماراتي يتحدى نماذج الذكاء الاصطناعي Gemini وChatGPT.. التفاصيل هنا.

وبالتوازي، أطلق المعهد سلسلة “فالكون إتش 1” (Falcon H1) التي تمثل نهجاً تقنياً مختلفاً، يعتمد على معمارية هجينة جديدة لزيادة سرعة الاستدلال مع استهلاك منخفض للذاكرة. تضم السلسلة نماذج بأحجام من 500 مليون و1.5 مليار و3 مليارات و7 مليارات، وصولاً إلى 34 مليار معامل للنموذج الأكبر، وأظهرت نتائج متقدمة في التحليل متعدد اللغات والرياضيات، بل وجرى استخدامها في تطبيقات عملية. هذه السلسلة تدعم أكثر من 100 لغة عبر مشفر متعدد اللغات مُدرب على بيانات متنوعة، ما يجعلها مرنة في البيئات متعددة اللغات.

نموذج “جيس” (Jais)

يُعتبر أيضاً نموذجاً لغوياً كبيراً مفتوح المصدر، تم تطويره عبر شراكة بين شركة الذكاء الاصطناعي الإماراتية “جي 24″ (G42) وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي و”سيريبراس سيستمز” (Cerebras Systems). لكن “جي 42” سحبت مواردها منه، وركزت بدلاً من ذلك على تطوير ميزات مخصصة تُبنى على نماذج طورتها شركات أخرى، مثل “أوبن إيه آي” (OpenAI).

“فنار” (Fanar)

“فنار” هو نموذج لغة كبير طوره معهد قطر لبحوث الحوسبة بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات القطرية وجهات مختلفة، ودُرب على نحو 1.3 تريليون رمز نصي و300 مليار كلمة عربية من مصادر تراثية وثقافية ودينية متنوعة لضمان اتساق النموذج مع الهوية المحلية. يتميز النموذج بفهم معمق للهجة القطرية واللهجات العربية، ويدعم الترجمة والتلخيص والإجابة عن الأسئلة وتوليد الصور والصوت عبر تطبيقات متعددة الوسائط.

يتضمن “فنار” نموذجاً لغوياً أساسياً كبيراً بحجم 7 مليارات مُعامل يُسمى “فنار 7 بي” (Fanar 7B) ومدرب من الصفر، بالإضافة إلى نموذج آخر “فنار برايم” (Fanar Prime) بحجم 9 مليارات معامل.

عقل (AQL)

أطلقت شركة “وايد بوت” (WideBot) المصرية نموذج الذكاء الاصطناعي “عقل” في مؤتمر “ليب 2025” بدعم سعودي كأول نموذج مصري ضخم بحجم 7 مليارات مُعاملة. دُرب النموذج على العربية ولهجاتها إضافةً إلى الإنجليزية والفارسية والتركية والعبرية، وهو متاح حالياً للاستخدام المؤسسي، وليس كنموذج مفتوح للعامة. لا يزال النموذج الوطني المصري الرسمي قيد التنفيذ ضمن استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2025-2030، ولم يُطلق أي نموذج حكومي آخر بشكل رسمي حتى الآن.













نموذج الذكاء الاصطناعي الدولة/الجهة المطورة الجمهور المستهدف الحجم (المعامل) اللغة
هيوماين تشات السعودية / “هيوماين” السعودي N/A  العربية والإنجليزية، مع التركيز على الفصحى واللهجات المحلية 
أرامكو ميتابرين السعودية / “أرامكو” موظفو “أرامكو” 250 ملياراً العربية
فالكون (إصدارين) الإمارات /  مفتوح المصدر للمطورين والاستخدام التجاري والبحثي 40 ملياراً / 80 ملياراً متعدد اللغات
فالكون أرابيك الإمارات /  الاستخدام التجاري والبحثي 7 مليارات العربية الفصحى واللهجات الإقليمية
فالكون إتش 1 الإمارات /  الاستخدام العام 500 مليون / 1.5 مليار / 3 مليار / 7 مليار / 34 مليار متعدد اللغات
نور الإمارات / معهد الابتكار التكنولوجي مع “لايت أون” الفرنسية الأكاديميون والباحثون 10 مليارات العربية
فنار (فنار 7 بي / فنار برايم) قطر / معهد قطر لبحوث الحوسبة مع وزارة الاتصالات الاستخدام العام 7 مليارات / 9 مليارات اللهجة القطرية واللهجات العربية
عقل مصر / شركة “وايد بوت” الاستخدام المؤسسي 7 مليارات العربية والإنجليزية والفارسية والتركية والعبرية
المصدر: الشرق

كيف استعانت النماذج العربية بالخبرات العالمية؟

لجأت الشركات والحكومات المطورة إلى عقد شراكات تقنية عالمية للاستفادة من الخبرات والبنى التحتية المتقدمة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي العربية.

فقد عقدت شركة “هيوماين”، المطورة لنموذج “هيوماين تشات”، شراكة مع شركة “غروك” (Groq) الأميركية الرائدة في مجال معالجات الاستدلال السريع لتوفير نماذج لغوية مفتوحة المصدر على منصة “غروك كلاود” (GroqCloud) داخل المملكة. كما وقعت اتفاقيات استثمارية بقيمة 15 مليار دولار مع كل من “أمازون ويب سيرفيسز” (AWS) لتزودها بالبنية السحابية المتقدمة وشركة “أدفانسد مايكرو ديفايسز” (AMD) لتمد الشركة برقاقات حوسبية عالية الأداء لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في السعودية.

اقرأ أيضاً: كيف تسهم المنطقة العربية في سباق نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

كذلك، تعاون معهد الابتكار التكنولوجي في أبوظبي تقنياً مع شركة “إنفيديا” الأميركية لتسهيل نشر “فالكون” على نطاق مؤسسي، إذ جرى دمج نموذج “فالكون إتش 1” في منصة خدمات “إنفيديا” السحابية مما يتيح للشركات استخدامه بسهولة في البيئات السحابية والهجينة كبديل مفتوح المصدر عن النماذج التجارية المغلقة.

كما عملت شركة “جوجل” كـ“شريك تقني” لتطوير نموذج “فنار” القطري، حيث وفرت منصة “جوجل كلاود” (Google Cloud) لاستضافة وتدريب النموذج، مما أتاح لـ”فنار” الاستفادة من بنية تحتية عالمية المستوى.

هل نماذج الذكاء الاصطناعي العربية بدائل حقيقية لنظيراتها العالمية؟

خلال السنوات الأخيرة، برزت عدة نماذج عربية كخطوات مهمة في مضمار الذكاء الاصطناعي. هذه النماذج أثبتت تفوقاً نوعياً في اللغة العربية تحديداً، حيث أثبتت نماذج مثل “فالكون أرابيك” و”نور” قدرة استثنائية في اللغة العربية، سواء في إنتاج نصوص سلسة أو التفوق على نماذج أكبر في المهام العربية.

تشكل النماذج العربية إضافة مهمة لسد الفجوة اللغوية والثقافية، إذ تخدم المستخدم العربي بلغته ولهجته وتراعي خصوصياته وثقافته. كما أنها تحفز تأسيس بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، ومثال على ذلك مشروع “ستارغيت الإمارات” الذي يُتوقع أن يوفر بنية تحتية للذكاء الاصطناعي وقدرات حوسبة تغطي دائرة نصف قطرها 2000 ميل، بما يصل إلى نصف سكان العالم.

لكن أمام هذه النماذج العربية طريق طويل لإحداث اختراق عالمي، حيث تحتاج إلى التدريب على تريليونات الرموز، وخضوعها للتحسين باستمرار.

المصدر : الشرق بلومبرج