ما هي السندات الزرقاء وكيف تحمي المحيطات وتدعم الاقتصاد؟

ما هي السندات الزرقاء وكيف تحمي المحيطات وتدعم الاقتصاد؟

تلعب المحيطات دوراً يتجاوز كونها مجرد مسطحات مائية، فهي رئة الأرض الثانية التي تمنحنا الأكسجين وتخزن الكربون وتؤوي ملايين الكائنات البحرية. لكنها أيضاً شريان اقتصادي عالمي، إذ تُنقل عبر ممراتها أكثر من 80% من تجارة العالم، ويُقدر حجم “اقتصاد المحيطات” عالمياً بنحو 2.5 تريليون دولار سنوياً، وفق الأمم المتحدة.

ومع ذلك، تواجه هذه الثروة الحيوية تهديدات متزايدة من التلوث والصيد الجائر وارتفاع درجات الحرارة، ما يهدد استدامة بيئتها وأمنها الاقتصادي.

في مواجهة هذه التحديات، ظهرت أدوات تمويلية جديدة تواكب طموحات التنمية المستدامة، أبرزها السندات الزرقاء، التي عادة ما تربط رأس المال بحماية الشعاب المرجانية والمصايد والبنية التحتية المستدامة. في هذا المقال سنكتشف نشأتها، وما يميزها عن غيرها، وأبرز مُصدريها، وفرص استفادة الدول العربية من هذه الموجة الزرقاء.

ما هي السندات الزرقاء؟

السندات الزرقاء تُعرف بكونها أداة دين تصدرها الحكومات أو بنوك التنمية أو المؤسسات المختلفة بهدف جمع تمويل مخصص لمشاريع مرتبطة بحماية البحار والمحيطات وتحقيق منافع بيئية واقتصادية ومناخية.

استُلهمت الفكرة من نجاح السندات الخضراء، لكن مع تركيز على الموارد المائية والأنظمة الإيكولوجية البحرية. وكانت جمهورية سيشيل أول دولة في العالم تُصدر سندات زرقاء سيادية عام 2018 لتمويل مشروعات الصيد المستدام وتوسيع المحميات البحرية. ساعد هذا الإصدار في تحسين إدارة قطاع الثروة السمكية وضمان استدامته، كما مثل نموذجاً يُحتذى به من قبل دول ساحلية أخرى.

اقرأ أيضاً: علماء يتهمون ظاهرة الاحتباس الحراري بتغيير ألوان المحيطات

ما هو الفرق بين السندات الزرقاء ونظيراتها الأخرى؟

تندرج السندات الزرقاء ضمن التمويل المستدام وتشترك مع السندات الخضراء في كونها سندات موجهة الغرض، حيث تُخصص عائداتها لمشاريع ذات أثر بيئي أو اجتماعي مستدام. ووفقاً للبنك الدولي، تُعد السندات الزرقاء فئة فرعية من الخضراء، لكن الفرق الأساسي يكمن في التركيز، إذ تُوجه حصراً إلى المشاريع البحرية والمائية التي تُسهم في تحقيق هدف التنمية المستدامة رقم 6 (المياه النظيفة والصرف الصحي) ورقم 14 (الحياة تحت الماء)، بحسب مؤسسة التمويل الدولية.

أما السندات الخضراء فهي تمول مشاريع بيئية متنوعة تشمل الحد من تغير المناخ والتكيف معه، وحفظ الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي، إضافة إلى مكافحة التلوث، وذلك وفق مبادئ السندات الخضراء الصادرة عن الاتحاد الدولي لأسواق رأس المال.

هناك أيضاً السندات المستدامة التي تجمع بين التمويل الأخضر والاجتماعي معاً، حيث يمكن تخصيص عائداتها لكلا النوعين من المشاريع، وفقاً لبنك “سوستيه جنرال”. في المقابل، فإن السندات المرتبطة بالاستدامة لا تقيد استخدام الأموال، لكنها تربط شروطها بمؤشرات أداء الاستدامة الخاصة بالمُصدر.

اقرأ أيضاً: دراسة: محيطات العالم تعج بـ171 تريليون قطعة بلاستيكية

أما السندات الاجتماعية فتمول مشاريع ذات أثر اجتماعي إيجابي مثل التعليم والصحة ومكافحة الفقر.

باختصار، السندات الزرقاء تشبه الخضراء في الهيكل والأساس، لكنها تختلف في المجال المستهدف، ما يجعلها أداة مكملة لبقية أدوات التمويل المستدام.

من أكبر الدول والمؤسسات المُصدِرة للسندات الزرقاء؟

رغم حداثة عهد السندات الزرقاء، شهدت السنوات الأخيرة عدداً من الإصدارات البارزة من قبل دول ومؤسسات حول العالم، لكل منها دوافعها وأهدافها الخاصة.

فقد أصدرت جمهورية سيشيل أول سند أزرق سيادي بالعالم في عام 2018 بقيمة 15 مليون دولار أميركي لأجل 10 سنوات، لتمويل حماية التنوع البحري وتنمية الاقتصاد الأزرق. هذه الخطوة شكلت نموذجاً أولياً شجع دولاً أخرى على دراسة أدوات مماثلة.

في 2021، أبرمت بليز اتفاقاً مع منظمة “ذا نيتشر كونسرفنسي” (The Nature Conservancy) أصدرت بموجبه سندات زرقاء بقيمة 364 مليون دولار، بدعم من “كريدي سويس” وضمان مؤسسة التمويل الدولية الأميركية (DFC)، ما منحها تصنيفاً ائتمانياً مرتفعاً (Aa2). خفضت الصفقة الديون الخارجية لدولة أميركا الوسطى بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل زيادة المناطق البحرية المحمية من 16% إلى 30% بحلول 2026، وتخصيص 4 ملايين دولار سنوياً حتى 2041 لمشاريع حماية الشعاب المرجانية وغابات المانغروف.

تُعد اليابان من رواد آسيا في السندات الزرقاء. ففي 2022، أصدرت عملاقة المأكولات البحرية “ماروها نيشيرو” (Maruha Nichiro) أول سند أزرق ياباني بقيمة 5 مليارات ين (نحو 35 مليون دولار) لأجل 5 سنوات بفائدة سنوية 0.55%، وذلك لدعم مشاريع مصايد الأسماك والاستزراع المائي المستدام. تلتها محافظة إيواتي بإصدارات مماثلة في 2023 و2024 مولت مبادرات المجتمعات الساحلية مثل تطوير الصرف الصحي واستعادة الأعشاب البحرية وإزالة الحطام من مناطق الصيد.

اقرأ المزيد: اليابان تخطط لطرح أول سندات زرقاء عبر شركة مأكولات بحرية

دخلت الصين مجال التمويل الأزرق عبر مجموعة من الإصدارات البارزة، حيث وصل إجمالي السندات الزرقاء المحلية إلى 32 إصداراً بنهاية 2024، بقيمة إجمالية بلغت 30.99 مليار يوان (نحو 4.3 مليار دولار)، بحسب تقرير “شونغتشنغ كريدت غرين فاينانس” (Zhongcheng Credit Greenfinance).

بالنسبة للمؤسسات العالمية، فقد أصدر بنك الاستثمار الاسكندنافي (NIB) أول سندات زرقاء في شمال أوروبا بقيمة ملياري كرونة سويدية (حوالي 200 مليون دولار) لأجل 5 سنوات، خُصصت لتمويل مشاريع إدارة وحماية الموارد المائية في دول إسكندنافيا وحوض بحر البلطيق، بما فيها تحديث محطات معالجة مياه الصرف لمنع تلوث البحار. ويعد هذا الإصدار مثالاً على دور المؤسسات الإقليمية في دعم التمويل الأزرق لتحسين نوعية المياه ومكافحة التلوث البحري.

وفي سبتمبر 2021، أصدر بنك التنمية الآسيوي أول سنداته الزرقاء بقيمة 208 مليون دولار أسترالي (151 مليون دولار) لأجل 15 عاماً و217 مليون دولار نيوزيلندي (151 مليون دولار) لأجل 10 سنوات، لتمويل مشاريع متعلقة بالمحيطات في آسيا والمحيط الهادئ ضمن خطة المحيطات الصحية والاقتصادات الزرقاء.

كما أصدر بنك التصدير والاستيراد الكوري أكبر سند أزرق فردي في يناير 2023 بقيمة مليار دولار أميركي، وفقاً لتقرير “سيستميك” (SYSTEMIQ).

السندات الزرقاء في الشرق الأوسط

في الشرق الأوسط، أصبحت مجموعة موانئ دبي العالمية (DP World) أول شركة في المنطقة تصدر سندات زرقاء، وذلك في ديسمبر 2024 عبر طرح خاص قيمته 100 مليون دولار لمدة 5 سنوات لتمويل مشاريع مستدامة تشمل النقل البحري والبنية التحتية للموانئ ومبادرات حماية النظم البيئية الساحلية من التلوث.

وقد أسهمت هذه الإصدارات الكبيرة في رفع إجمالي حجم سوق السندات الزرقاء إلى نحو 7.2 مليار دولار بحلول يوليو 2024.

كذلك، دخلت المؤسسات المالية العربية سباق التمويل الأزرق مؤخراً. فقد أصدر بنك أبوظبي الأول (FAB)، أكبر بنك في الإمارات، في 2025 سندات زرقاء بنحو 50 مليون دولار أميركي لأجل 5 سنوات، عبر اكتتاب خاص وبدعم من مستثمرين في الاستثمار المستدام.

هل يمكن أن تستفيد الدول العربية من السندات الزرقاء؟

يمكن للدول العربية، خاصة المطلة على البحار والمحيطات، الاستفادة من السندات الزرقاء لتمويل حماية النظم البحرية ومشاريع الاقتصاد الأزرق. فقد كانت الإمارات سباقة في هذه الخطوة، ما يعكس انفتاح أسواق المال الإقليمية على هذا التوجه عند توافر الأطر والضمانات المناسبة.

كما أعلنت مصر في 2023 أنها تدرس إصدار أول سندات زرقاء سيادية، بجانب سندات استدامة، لتمويل مشروعات في مجال حماية السواحل والموارد المائية.

اقرأ المزيد: وزير مالية مصر لـ”الشرق”: نترقب مليار دولار إضافية من “الآسيوي للاستثمار”

وتشير تقارير مجلس الأطلسي إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأكثر ندرة في المياه عالمياً، إذ تضم 16 دولة من أصل 25 الأكثر إجهاداً مائياً، فيما تعتمد دول الخليج بشكل كبير على تحلية مياه البحر كثيفة الطاقة لتلبية احتياجاتها المائية.

في السعودية، يُتوقع أن يسهم الاقتصاد الأزرق بـ22 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي ويوفر 100 ألف وظيفة بحلول 2030، بحسب المركز الوطني للحياة الفطرية. كما أطلق ولي العهد محمد بن سلمان استراتيجية البحر الأحمر للاستدامة في أغسطس 2025 لرفع نسبة المناطق البحرية والساحلية المحمية من 3% إلى 30% بحلول 2030، وفق موقع “بلو إيكونومي نيوز” (Blue Economy News).

وإذا ما مضت دول مثل مصر والمغرب وتونس والخليج في هذا المسار، يمكنها توجيه عائدات السندات الزرقاء لتمويل مشاريع حيوية مثل حماية الشعاب المرجانية، واستزراع المانغروف، وتطوير مصايد الأسماك المستدامة، وهي مجالات تحتاج استثمارات ضخمة وتحظى باهتمام المستثمرين العالميين.

المصدر : الشرق بلومبرج