الذهب يتفوق على نفسه في 3 سنوات ويحقق أسعاراً تاريخية

الذهب يتفوق على نفسه في 3 سنوات ويحقق أسعاراً تاريخية

تجاوز الذهب حاجز 4 آلاف دولار للأونصة، مسجلاً محطة بارزة ضمن موجة صعود امتدت لثلاث سنوات، تحدّى خلالها أكثر المتشككين عناداً، وخرق النماذج التحليلية التي طالما رسمت حركته صعوداً وهبوطاً بدقة لعقود.

في هذا التقرير المصوّر، نستعرض من خلال خمسة رسوم بيانية مسيرة الذهب نحو استعادة مكانته في صميم النظام النقدي العالمي، متجاوزاً الصورة النمطية له كـ”أصل بدائي”.

منعطف الوباء للذهب

بعد أن تجاهله المستثمرون والبنوك المركزية طوال معظم سنوات القرن الحالي، بدأ الذهب يغيّر مساره خلال فوضى جائحة كورونا، عندما اخترق للمرة الأولى مستوى 2000 دولار للأونصة. ومنذ ذلك الحين، اكتسبت موجة الصعود زخماً إضافياً، خصوصاً بعد غزو أوكرانيا، حيث قادت البنوك المركزية إلى جانب المستثمرين الصينيين ارتفاعاً بلغت نسبته 27% في عام 2024.

وفي مارس الماضي، أسهمت عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في دفع المعدن الأصفر لاختراق حاجز 3000 دولار. أما في المرحلة الأحدث من هذه الموجة المتسارعة، فقد تلقى الذهب دعماً من معظم العوامل الاقتصادية الكلية، بدءاً من إغلاق الحكومة الأميركية، وصولاً إلى ضعف الدولار، ما ساعد على تسارع وتيرة الارتفاع بشكل لافت.

اقرأ المزيد: أوقية الذهب تتجاوز 4 آلاف دولار للمرة الأولى مدفوعة بإغلاق الحكومة الأميركية
 

ذروة الذهب المعدلة وفق التضخم

خلال الشهر الماضي، تجاوز الذهب ذروته التاريخية المعدّلة وفق التضخم، والتي سُجلت قبل أكثر من 45 عاماً، عندما بلغ سعر الأونصة 850 دولاراً في يناير 1980. آنذاك، كانت الولايات المتحدة تواجه مزيجاً خانقاً من انهيار العملة، وتضخم مرتفع، وركود اقتصادي متصاعد. وقد تضاعف سعر الذهب خلال شهرين فقط، بعد أن قرر الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر تجميد الأصول الإيرانية، في أعقاب أزمة احتجاز الرهائن في طهران، مما زاد من المخاطر المتصورة للاحتفاظ بأصول مقومة بالدولار لدى عدد من البنوك المركزية الأجنبية. 

اقرأ أيضاً: أرون براون: حمى الذهب الحالية لا علاقة لها بالتضخم.. ولا بالذهب

ويرى بعض المتفائلين بالذهب اليوم أن أوجه التشابه بين تلك الحقبة والظروف الحالية تُعزز جاذبية المعدن كأداة تحوّط عالمية.

الذهب يتفوق على سندات الخزانة

خلال موجة الصعود الممتدة، لعبت البنوك المركزية دور القوة المهيمنة في سوق الذهب، بعدما ضاعفت مشترياتها من المعدن النفيس بشكل دفع المحللين والمتداولين إلى ابتكار نماذج جديدة لتتبع هذا المصدر المتنامي للطلب.

وقد استندت تلك المشتريات إلى مساعٍ لتنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار الأميركي ، وتحقيق قدر أكبر من الحماية للأصول في مواجهة ما تعتبره هذه المؤسسات دولاً معادية.

غولدمان ساكس: أسعار الذهب قد تقفز إلى 5000 دولار في هذه الحالة

ورغم أن الذهب لم يستعد مكانته كركيزة للنظام النقدي العالمي كما كان في السابق، إلا أن قيمته السوقية باتت تُقارب إجمالي ما تحتفظ به البنوك المركزية غير الأميركية من سندات الخزانة الأميركية ضمن احتياطاتها من العملات الأجنبية.

ورغم أن هذه القيمة ما تزال أقل بكثير من إجمالي الاحتياطيات العالمية المقومة بالدولار، فقد مكّن الارتفاع الأخير الذهب من تجاوز اليورو هذا العام، ليصبح ثاني أكبر أصل في احتياطيات البنوك المركزية حول العالم.

كما استفادت الولايات المتحدة أيضاً من هذه الموجة، إذ تجاوزت القيمة السوقية لاحتياطاتها من الذهب حاجز التريليون دولار خلال الشهر الماضي، أي ما يعادل نحو 90 ضعف الرقم المُدرج في الميزانية الرسمية للحكومة.

الصين تتراجع خطوة للخلف

كما كان الحال في عام 2024، شكّل الطلب الصيني على الذهب عاملاً محورياً في دعم الأسعار خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، مدفوعاً بمخاوف السوق من خطط دونالد ترمب لإعادة فرض رسوم جمركية، والتي أثارت اضطراباً في الأسواق العالمية وأطلقت موجة جديدة من الإقبال على الأصول الآمنة في الصين.

الذهب في خزائن الدول: من المتصدر؟ الإجابة هنا

لكنّ الزخم الشرائي الصيني يظهر بوضوح فيما يُعرف بـ”علاوة شنغهاي”؛ وهو الفارق بين السعر الفوري المعياري في لندن والأسعار المتداولة في البورصات الصينية.

ورغم ذلك، فقد تراجعت أسعار الذهب في السوق الصينية خلال الأشهر الأخيرة إلى ما دون السعر المرجعي العالمي، حتى مع صعود المعدن إلى مستويات قياسية جديدة، في إشارة إلى أن المستثمرين الغربيين، وليس المشترين الصينيين، كانوا المحرك الأساسي للموجة الأخيرة من الارتفاع.

تفتح الأسواق الصينية أبوابها اليوم بعد عطلة “الأسبوع الذهبي”، والسؤال الرئيس للتجار هو ما إذا كانت ستمنح الذهب فوق 4 آلاف دولار إشارة دعم للصعود أم مقاومة.

قفزة في حيازات الصناديق المتداولة من الذهب

بالنسبة للمستثمرين الغربيين، سواء من الأفراد أو المؤسسات، تُعد الصناديق المتداولة في البورصة والمدعومة بالذهب من أكثر القنوات شيوعاً للاستثمار في المعدن النفيس.

الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب في الصين تجذب المستثمرين

فعندما يشتري المستثمر سهماً في مثل هذه الصنادوق، تلتزم الجهة المشغّلة للصندوق بشراء كمية معادلة من الذهب المادي لتعكس الحيازات الجديدة، ما يترجم إلى تدفقات مالية داخلة تعزز الطلب وتدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وقد بلغت حيازات بعض أكبر هذه الصناديق مستويات قياسية خلال ذروة جائحة كورونا، قبل أن تبدأ في التراجع بفعل عمليات جني الأرباح. إلا أن هذه التدفقات الخارجة توقفت بحلول منتصف عام 2024، ومنذ ذلك الحين، تراكمت أكثر من 16 مليون أونصة داخل هذه الصناديق.

ورغم أن الحيازات ما تزال دون الذروة المسجلة في ذروة الوباء، يرى المتفائلون أن هذا الفارق يمنح الذهب مساحة إضافية للصعود، في إشارة إلى أن الموجة الصاعدة لم تصل بعد إلى نهايتها.

وقال أولي هانسن، استراتيجي السلع في “ساكسو بنك”، “إن تجاوز الذهب مستوى 4000 دولار لا يُعبّر فقط عن توقعات أسعار الفائدة أو ضعف الدولار الأميركي، بل يعكس تحولاً أعمق في ثقة المستثمرين وتدفقات رؤوس الأموال على مستوى العالم. فقد أدت العقوبات، ومصادرة الأصول، والمخاوف المتعلقة بالاستدامة المالية، إلى دفع المستثمرين –سواء من المؤسسات أو الحكومات– نحو الأصول الحقيقية التي تقع خارج نطاق النظام المالي التقليدي”.

المصدر : الشرق بلومبرج