قالت 5 مصادر لشبكة NBC News إن مسؤولين في البيت الأبيض أجروا في الأيام الأخيرة نقاشات جادة بشأن إمكانية لجوء الرئيس دونالد ترمب إلى تفعيل “قانون التمرد” (Insurrection Act)، والذي يمنح الرئيس صلاحية نشر قوات الجيش النظامي داخل الأراضي الأميركية لأغراض إنفاذ القانون.
تأتي هذه المناقشات في وقت يسعى فيه ترمب إلى نشر قوات الحرس الوطني في عدد من المدن الكبرى، من بينها لوس أنجلوس وشيكاجو وبورتلاند في ولاية أوريجون، قائلاً إن ذلك ضروري للحد من الجريمة وحماية عناصر وكالة الهجرة والجمارك من المتظاهرين، بينما يرى منتقدوه أن الإدارة تبالغ في تصوير حجم المشكلات في تلك المدن.
وأوضح مسؤول رفيع في الإدارة أن قرار تفعيل القانون ليس وشيكاً، لكنه سيكون خطوة تصعيدية كبيرة إذا حدثت. فحتى الآن، يقتصر دور الحرس الوطني على مهام دعم محدودة، إذ يُحظر على القوات النظامية القيام بمهام الشرطة المدنية، مثل التفتيش أو تنفيذ الاعتقالات.
غير أن “قانون التمرد”، وهو قانون نادر الاستخدام من القرن التاسع عشر، يمنح الرئيس سلطة نشر القوات داخل البلاد للقيام بهذه المهام عند الضرورة.
وكانت خطط ترمب لنشر الحرس الوطني واجهت عقبات قانونية، إذ أصدر قاض فيدرالي في أوريجون، الأحد الماضي، قراراً يمنعه من إرسال قوات الحرس من أي ولاية إلى بورتلاند.
وفي اليوم التالي، صرّح ترمب علناً بأنه سيفعل القانون “إذا لزم الأمر”، قائلاً: “إذا كان الناس يُقتلون، والمحاكم أو الحكّام أو رؤساء البلديات يعرقلوننا، بالتأكيد سأفعل ذلك.. لكن حتى الآن، لم تكن هناك حاجة لذلك.”
وقالت المصادر إن النقاش داخل البيت الأبيض بشأن القانون لم يتوقف منذ عودة ترمب إلى الحكم في يناير، لكنه في الأسابيع الأخيرة انتقل من مجرد بحث جدواه إلى مناقشة تفصيلية حول كيفية، وموعد تطبيقه المحتمل.
وأضافت أن مسؤولي الإدارة أعدّوا بالفعل مذكرات قانونية وخيارات مختلفة لتبرير استخدام القانون، فيما يسود رأي عام داخل فريق الرئيس بضرورة استنفاد كل السبل الأخرى قبل الإقدام على تلك الخطوة.
ووصف أحد المقربين من البيت الأبيض المسار الحالي بأنه “تدرج على سلّم التصعيد”.
وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض أبيجيل جاكسون، بقولها في بيان: “إدارة ترمب ملتزمة بإعادة فرض القانون والنظام في المدن الأميركية التي تعاني من العنف نتيجة سوء إدارة الديمقراطيين”.
وتابعت: “الرئيس ترمب لن يقف مكتوف اليدين بينما يهاجم مثيرو الشغب الضباط الفيدراليين.. سنعمل على حماية الأصول الفيدرالية وجعل مدننا آمنة من جديد”.
ويمنح “قانون التمرد” الرئيس صلاحية واسعة في تحديد الظروف التي تبرر تفعيله، سواء بناء على طلب من إحدى الولايات أو حين يرى أن هناك “عصياناً” أو “تمرداً” يعوق تنفيذ القوانين الفيدرالية.
واستخدمه ثلاثة رؤساء سابقاً خلال حقبة الحقوق المدنية، هم دوايت أيزنهاور، وجون كينيدي، وليندون جونسون، لحماية الناشطين وتنفيذ أوامر قضائية بإنهاء الفصل العنصري، وكان آخر استخدام له عام 1992 بطلب من حاكم ولاية كاليفورنيا خلال أعمال شغب في لوس أنجلوس.
لكن حكّام ولايتي أوريجون وإلينوي يعارضون بشدة إرسال قوات فيدرالية إلى ولايتيهما، مؤكدين عدم وجود تمرد أو عصيان قضائي يبرر ذلك.
وتتوقع الإدارة أن أي خطوة لتفعيل القانون ستواجه طعوناً قضائية فورية قد تصل في النهاية إلى المحكمة العليا.
وكان قاضٍ فيدرالي قد حكم، الشهر الماضي، بعدم قانونية نشر قوات الجيش النظامي في لوس أنجلوس خلال يونيو، استناداً إلى قانون “بوسي كوميتاتوس” الذي يمنع استخدام الجيش كشرطة داخلية.
وأعقب ذلك استئناف الإدارة لمداولات قانونية جديدة بشأن تفعيل “قانون التمرد” كبديل محتمل، ومع ذلك، حذّر مستشارون قانونيون الرئيس من أن الخطوة قد لا تصمد أمام المحكمة العليا في الظروف الحالية، ما دفعه إلى تأجيل القرار مؤقتاً.
وقال مسؤول في البيت الأبيض إن الفريق القانوني للرئيس يركّز على إيجاد “مسار قانوني متين يمكن الدفاع عنه أمام القضاء”، مضيفاً: “في النهاية، يعمل المحامون على تنفيذ رؤية الرئيس، وسياساته التي انتُخب لتحقيقها.”
وكان ترمب قد فكّر في تفعيل القانون خلال احتجاجات المتعلقة بقضية جورج فلويد عام 2020، لكنه رفض آنذاك رغم ضغوط بعض حلفائه، ثم ندم على ذلك لاحقاً، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة، ويُقال إنه ينظر إلى قراره الحالي من هذه الزاوية.
ويُعد ستيفن ميلر نائب رئيس موظفي البيت الأبيض وأحد أقرب مستشاري ترمب، من أبرز الداعمين لفكرة تفعيل “قانون التمرد” منذ فترة طويلة، وقد لعب دوراً محورياً في النقاشات حول هذا الملف منذ تولي ترمب الحكم، بحسب ستة مصادر مطلعة.
وذكرت المصادر أن الإدارة بحثت تطبيق القانون في حال عجزت الشرطة المحلية عن حماية عناصر وكالة الهجرة والجمارك (ICE)، أو رفضت القيام بذلك، لكن بعض المسؤولين أعربوا عن قلقهم من أن تؤدي الخطوة إلى مواجهة بين الجيش الأميركي والمواطنين الأميركيين أنفسهم.
وصعّد ترمب في الأيام الأخيرة من استخدامه لكلمة “تمرد” لوصف الأحداث في بورتلاند وشيكاجو، قائلاً إن عرقلة عمليات وكالة الهجرة هناك تمثل “تمرداً جنائياً”.
وقال ميلر للصحافيين يوم الاثنين الماضي: “إنهم يعلنون نيتهم تنفيذ تمرد ضد الحكومة الفيدرالية باستخدام القوة لعرقلة ضباط وكالة الهجرة والجمارك عن أداء واجبهم”.
واختتم حديثه: “إنها حملة تمرد شاملة ضد سيادة الولايات المتحدة، لأن الحزب الديمقراطي ومن يمارسون العنف في هذا البلد لا يعترفون بشرعية سيادة الأراضي الأميركية.”
المصدر : الشرق
