
يواجه معلمو التربية الخاصة في المدارس تحدياً كبيراً عند اكتشاف حالات بين طلبة مرحلة رياض الأطفال والمراحل الأولى، على الرغم من الخبرة التي يمتلكونها في تمييز الطلبة الذين يواجهون صعوبات في التعلم أو إعاقة بسيطة أو اضطراب التآزر الحركي، إذ يُجابهون بردّة فعل ولي أمر الطفل، بمجرد إبلاغه بضرورة عرض طفله على الفريق الطبي المختص في المراكز الصحية لتشخيصه مبكراً، إذ يرفض الملاحظة وينكرها باعتبار أن لدى طفله فروقاً فردية فقط.
وحذر أخصائي نفسي ومعلمتا تربية خاصة من عدم الاستجابة لتشخيص المختصين من الكوادر المؤهلة، التي يتركز دورها في تحديد مدى قدرة الطالب في مراحله الدراسية الأولى على تلقي التعليم الأكاديمي بالطرق المناسبة، تمهيداً لإلحاق الطلبة الذين يعانون اضطرابات التعلم وبعض الإعاقات البسيطة بجلسات علاجية تمكنهم من تخطي صعوباتهم في المدرسة، وتخفيف نتائج إعاقاتهم البسيطة.
وأكدوا أن هنالك أطفالاً يحتاجون للتأهيل والتدريب قبل الدخول في التعليم الأكاديمي، لما يعانونه من مشكلات قد تبدو غير واضحة لذويهم، إذ يظنونها مجرد فروق فردية مقارنة بأقرانهم، مشيرين إلى أن إهمال هذه الإعاقات البسيطة والاضطرابات التي يعانيها بعض الأطفال سيتسبب لهم مستقبلاً في التأخر الدراسي، وضعف العلاقات الاجتماعية، وقد يقود أحياناً إلى الاضطراب النفسي.
وقالت معلمة تربية خاصة بإحدى المدارس في الفجيرة، فضّلت عدم ذكر اسمها، إن الطفل الذي يعاني إعاقات بسيطة، متمثلة في اضطراب التآزر البصري والحركي وضعف شديد في السمع، أو يعاني صعوبات في التعلم، يحتاج إلى الاعتراف بنوع الإعاقة التي يعانيها من خلال التشخيص المبكر والتقييم السيكولوجي الصحيح، ليتمكن من تلقي التدريب المناسب الذي يعينه على تخطي صعوباته أثناء تلقي التعليم الأكاديمي.
وأضافت أن معلمي التربية الخاصة يحاولون عادةً أن يتحروا الدقة في تقديم الملاحظات لأولياء الأمور، لأن الخطأ في التشخيص سيؤثر سلباً في نفسية الطفل ووالديه، مؤكدة أن «معلم التربية الخاصة ليس مخولاً تشخيص الطلبة، لكنه يقدم بعض الملاحظات على الأطفال الذين يعانون إعاقات بسيطة أو صعوبات في التعلم وغيرها، وعلى أثر ملاحظاته، يتعين على ولي الأمر عرض ابنه أو ابنته على المراكز الصحية المخصصة للتشخيص المبكر، ثم إعداد تقرير مفصل لحالته الصحية أو الإعاقة التي يعانيها بعد عرضه على طبيب الأسرة وطبيب الأطفال وطبيب الأذن والأنف والحنجرة وأخصائي نفسي وطبيب عيون، كل بحسب الإعاقة أو الاضطراب الذي لديه».
وذكرت أنه بمجرد تقديم التقرير الطبي للطفل – الذي يشمل وصف التشخيص النفسي والاضطرابات التي يعانيها، سواء النفسية أو العقلية ومعرفة طبيعة الإعاقة – لمعلم التربية الخاصة، يقوم المعلم بدراسة حالته لوضع وتنفيذ خطط الرعاية السليمة له، التي تسهم في فعالية تأهيله، وخفض نتائج الإعاقة، لافتةً إلى أن الطالب الذي لديه اضطراب أو يعد من ذوي الهمم، لا يُعزل عن بقية أقرانه في الفصل، بل يتم أخذه بين الحصص الدراسية لجلسات علاجية أو تأهيلية وتدريبية تمكنه من تخطي أي صعوبات يواجهها، ويعاد إلى الفصل لاستكمال اليوم الدراسي.
وأكدت أن بعض أولياء الأمور يواجهون ملاحظات معلمي التربية الخاصة أو معلمي الفصل بالرفض، معتبرين إعاقة أبنائهم البسيطة أو الاضطرابات التي يواجهونها مجرد فروق فردية، الأمر الذي ينعكس سلباً على الطفل وأدائه في الفصل، لعدم استطاعته التغلب على الصعوبات التي يواجهها، لافتةً إلى أن الصعوبات التي تكون لدى الطفل ليس ضرورياً أن تؤثر في مستواه الدراسي، فبعض الحالات التي تحتاج لجلسات نطق يكون فيها الطفل متميزاً وذا تحصيل علمي مرتفع.
وقالت معلمة رياض أطفال بإحدى المدارس في عجمان، مريم أحمد، إن طبيعة الصعوبات التي يعانيها الطفل قد لا تكون واضحة بالنسبة لوالديه، نظراً لقلة خبرتهما في الفصل بين الفروق الفردية وبعض الإعاقات الطفيفة، التي عادةً ما تكون غير واضحة، مؤكدة أن عدداً من أولياء الأمور يرفضون وينكرون تقييم المعلم أو المختص من الكوادر المؤهلة نتيجة الصدمة التي تنتابهم بعد تقييم أبنائهم من ضمن الطلبة الذين يحتاجون لتشخيص مبكر للتأكد من حالتهم الصحية، ونوع الاضطراب الذي يعانونه، بهدف تأهيلهم ومراعاة حالتهم الصحية وقدراتهم في العملية التعليمية، ليتمكنوا من الانتقال من مرحلة دراسية لأخرى دون تعثر، وتجنيبهم التعرض لمشكلات نفسية نتيجة عدم تكافؤ القدرات بينهم وبين أقرانهم في الفصل.
وفي عدة وقائع وثقتها عدد من المدارس الحكومية والخاصة في المنطقة الشرقية، تمثلت في أن أسرة تجاهلت ملاحظات متكررة لمعلمة تربية خاصة بشأن ضعف التركيز لدى طفلها، معتبرة أن المشكلة «مؤقتة»، ويمكن تجاوزها بالدروس الخصوصية ، إلا أن الفحوص الطبية لاحقاً أثبتت حاجة الطالب إلى جلسات علاجية وتأهيلية متخصصة، كان من شأنها أن تجنبه تراكم التأخر اللغوي والدراسي الذي واجهه في خلال المراحل الدراسية التي انجزها بصعوبة.
وفي أخرى رفضت إحدى المدارس الخاصة في المنطقة الشرقية تسجيل طالب في الصف الأول روضة بعد أن كشفت مقابلة القبول التي أجرتها معلمة رياض الأطفال عن مؤشرات لاضطراب نمائي، وطلبت من ولي الأمر إجراء تشخيص طبي للتأكد من حالته غير أن الأب اعتبر الملاحظات «غير دقيقة» مؤكداً أن ابنه لم يعان من أي مشكلات صحية منذ ولادته، وأصر على تسجيله.
ومع تمسك المدرسة بقرارها لعدم توفر فصول مخصصة للتربية الخاصة، اشترطت تقديم تقرير طبي يؤكد سلامة الطفل من أي اضطراب، لكن نتائج الفحوص أظهرت لاحقاً إصابته باضطراب طيف التوحد وحاجته إلى برنامج تأهيلي متخصص.
إلى ذلك أكدت معلمة التربية الخاصة في مدرسة فضلت عدم ذكر اسمها أن دورها يقتصر على رصد العلامات، بينما التشخيص يجب أن يتم من خلال فريق طبي يضم أطباء الأسرة والأطفال والأنف والأذن والحنجرة والعيون، إلى جانب الأخصائي النفسي، لتحديد طبيعة الاضطراب ووضع خطة علاجية ملائمة.
وأضافت أن بعض الآباء يرفضون حتى مناقشة هذه الملاحظات مع المدرسة، بدعوى أن المشكلة بسيطة ولا تستدعي تشخيصاً، وهو ما يتسبب في إضاعة فرص علاجية وتأهيلية كان من الممكن أن تساعد الطفل على تخطي الصعوبات داخل الصف الدراسي.
وفي السياق ذاته، قال استشاري الصحة النفسية ،الدكتور محمد يحيى نصار إن رفض أولياء الأمور الاعتراف باضطرابات أبنائهم يعد استجابة نفسية أولية تعرف بمرحلة «الصدمة والإنكار»، وهي مرحلة طبيعية في التعامل مع الضغوط، لكنها قد تتحول إلى عائق إذا طالت ، موضحاً أن إنكار الوالدين ينبع من فجوة بين الصورة المثالية التي رسماها لطفلهما منذ الولادة، وبين الواقع الذي يفرض تحديات غير متوقعة.
وأشار إلى أن هذا الرفض قد يتغذى على عوامل نفسية متعددة، منها الخوف من الوصمة الاجتماعية، الشعور بالذنب، القلق من مستقبل الطفل بعد رحيل الوالدين، وضعف المرونة النفسية في تقبل التغيرات، لافتاً إلى أن استمرار هذه المرحلة يمنع الوالدين من بدء رحلة التدخل المبكر، مما يفاقم التحديات أمام الطفل.
وشدد نصار على أهمية الإرشاد النفسي في مساعدة أولياء الأمور على تجاوز هذه المرحلة، من خلال توفير مساحة آمنة للتعبير، وتصحيح المعتقدات الخاطئة، وتدريبهم على التكيف، وتعزيز قناعة أن التقبل لا يعني الاستسلام، بل هو نقطة الانطلاق نحو تمكين الطفل ومساندته.
فيما نوهت المستشارة القانونية في مجلس إدارة جمعية حماية الطفل، موزة مسعود على ضرورة التمييز بين الفروق الفردية والاضطرابات النمائية، موضحة أن الفروق الفردية تتمثل في السمات التي تميز كل طفل عن الآخر، سواء في الشكل أو السلوك أو التفكير، ولا تعني أن أحدهم أفضل من الآخر.
وأضافت أن بعض الأطفال يعانون من مشكلات صحية مثل ضعف التركيز، وغيره ما يؤثر سلبًا في أدائهم داخل الفصل، ويجعلهم بحاجة إلى تدريب مختلف عن أقرانهم، وتهيئة خاصة قبل تلقي التعليم الأكاديمي ، محذرة من أن تجاهل هذه الحالات ورفض التشخيص الطبي الذي قد يؤدي إلى مشكلات تراكمية، أبرزها ضعف التحصيل الدراسي، وصعوبة استيعاب المعلومات، خاصة لدى الأطفال الذين يعانون من إعاقات سمعية أو اضطرابات إدراكية، إلى جانب ضعف الشخصية والإحساس بالإحباط.
ودعت مسعود أولياء الأمور إلى إدراك أهمية التشخيص المبكر، وعدم إهمال ملاحظات المعلمين، ومراجعة المختصين لتحديد طبيعة التدريبات المناسبة لأبنائهم، مؤكدة أن إنكار الواقع سيضاعف التحديات في المراحل التعليمية المتقدمة، ويضعف فرص الطفل في اكتساب المهارات اللازمة للانتقال إلى التعليم الجامعي أو سوق العمل.
وأوضحت المستشارة أن التعامل مع حالات الإنكار يبدأ بإبلاغ أولياء الأمور بالملاحظات التي يرصدها المعلمون، يعقبه عقد اجتماع تربوي داخل المدرسة لبحث وضع الطفل بصورة شاملة، مضيفة أن بعض الحالات قد تكون بسيطة، مثل ضعف السمع، وتستدعي فقط تدخلاً طبياً أو جلسات تأهيل، على أن يتم توثيق جميع التفاصيل في ملف الطالب، مع تزويد ولي الأمر بشرح وافٍ للخطة التعليمية الموضوعة لكل طفل بالتعاون مع المدرسة.
وأشارت إلى أن لجنة مختصة داخل المدرسة تتولى تقييم الحالة وتقديم الدعم النفسي للوالدين، خصوصاً في حالات الصدمة والرفض، غير أنه في حال استمرار الإنكار وعدم الاستجابة للملاحظات، فإن مسؤولية المدرسة تصبح محدودة، ويتم رفع الحالة إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحماية الطفل وضمان حقه في التعليم والتأهيل.
من جهة أخرى كشفت إحصاءات معتمدة نشرت في الكتاب الإحصائي الـ 28 الذي أصدره مركز الفجيرة للإحصاء أن وحدة التدخل المبكر قد سجلت ارتفاعاً في عدد الطلبة، فقد بلغ عددهم 64 طالباً وطالبة خلال العام الدراسي الماضي 2024/2025، مقارنة بـ29 طالباً وطالبة خلال العام الدراسي الذي سبقة.
المصدر : الامارات اليوم