مع بدايات الاحتجاجات السورية عام 2011، انتشر بين المناهضين لنظام الرئيس السابق بشار الأسد شعار “لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس”، في إشارة إلى الدعوة لمقاطعة المدارس والانضمام إلى حركة الاحتجاج وتكثيف الضغط المدني على النظام السوري.
لكن اليوم، وبعد سقوط الأسد، يعود الشعار بجزئه الأول في شمال شرق البلاد الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، حيث يخيّم على الواقع التعليمي مشهد معقد تتداخل فيه السياسة المحلية والإقليمية مع الاعتبارات العرقية والطائفية.
ومع تواتر الأنباء حول تقارب وشيك بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، عقب سلسلة من جلسات التفاوض لتطبيق اتفاق 10 مارس، الموقّع بين الرئيس أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، يترقب كثير من السوريين مصير هذا الاتفاق الذي تنتهي مهلة تنفيذه مع نهاية العام الجاري.
160 ألف طالب خارج مقاعد الدراسة
ويعتبر الكثير من السوريين الاتفاق المفتاح الأساسي لبداية مرحلة من الاستقرار بعد نحو 14 عاماً من الحرب التي لم تضع أوزارها بعد، رغم سقوط نظام بشار الأسد.
ورغم أن هذا الملف يُعد الأهم بالنسبة للسوريين القاطنين في شمال شرق البلاد، من بين ملفات ما بعد سقوط الأسد، لما يحمله من أبعاد أمنية واقتصادية، فإنه بالنسبة لسكان المناطق التي تسيطر عليها “قسد” يرتبط مباشرة بمختلف تفاصيل حياتهم اليومية.
فقد تأثرت هذه المناطق بانقطاع الكهرباء وشبكات الاتصالات والإنترنت الحكومية، وتعطل مؤسسات الدولة كافة، وفي مقدمتها قطاع التعليم، حيث لا تزال المدارس الحكومية معطلة للعام الثاني على التوالي.
وتتصاعد مخاوف الأهالي من استمرار تعليق ملف التعليم، ما يشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل أطفالهم، مع استمرار الخلافات بين وزارة التعليم الحكومية وهيئة التربية والتعليم في “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا، والذي أدّى لحرمان أكثر من 160 ألف طالب وطالبة من التعليم الحكومي في محافظة الحسكة وحدها، ما يهدد بموجة من الجهل والأمية في المنطقة.
ورغم أن اتفاق العاشر من مارس نص في أحد بنوده على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في مناطق سيطرة قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، فإن ذلك لم يتحقق بعد، إذ لا يزال الطرفان يربطان هذا الدمج بالملف العسكري، وسط تباين واضح في الرؤى حول شكل وآلية الاندماج الشامل.
وتستمر المساعي لردم هوة الخلافات والوصول إلى توافق يسهم في إنهاء عدد من الملفات العالقة، وفي مقدمتها قضايا العسكرة والنفط والغاز والتعليم بمختلف مراحله.
ورغم ذلك، يبدو الصراع في ملف التعليم واضحاً بين الطرفين، بعدما أبلغت هيئة التربية والتعليم التابعة لـ”للإدارة الذاتية” حوالي العشرين موظفاً في مديرية التربية الحكومية في الحسكة بمغادرة مبنى المديرية، والتوقف عن الدوام حتى إشعار آخر، مع منعهم من إخراج أي وثائق أو أختام.
وجرى تفسير هذه الخطوة على أنها محاولة للضغط على دمشق للإسراع في التوصل إلى اتفاق يمنح شرعية للواقع التعليمي القائم في مناطق شمال وشرق سوريا، ويضمن الاعتراف الرسمي بكافة الشهادات العلمية الصادرة عن “الإدارة الذاتية” منذ تأسيسها قبل أكثر من 10 سنوات وحتى اليوم.
الأزمة.. من انسحاب الجيش إلى مناهج “الإدارة الذاتية”
لا يُعد الخلاف بين وزارة التربية السورية و”قسد” وليد اللحظة أو نتيجة لمرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، بل تعود جذوره إلى بدايات الحرب في البلاد، حين انسحب الجيش السوري من المناطق الحدودية في حلب والحسكة، ودخلت “وحدات حماية الشعب” الكردية إلى المدن الحدودية في محافظة الحسكة ومدينتي عين العرب وعفرين بريف حلب الشمالي.
ومع مطلع عام 2014، شُكلت “إدارة ذاتية مؤقتة” تحولت لاحقاً إلى “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” بعد تأسيس “قسد” في سبتمبر 2015، وطرد تنظيم “داعش” من مساحات واسعة في أرياف الحسكة والرقة ودير الزور وحلب، تُقدر بنحو ربع مساحة سوريا.
وقررت “الإدارة الذاتية” لاحقاً إدخال اللغتين الكردية والسريانية ضمن الحصص الدراسية، قبل أن تضع مناهج تعليمية خاصة بها، وتعممها على مدارس المناطق الخاضعة لسيطرتها، وصولاً إلى إقرار مناهج شاملة لجميع الصفوف الدراسية.
وفي عام 2021، حظرت “الإدارة الذاتية” المناهج الحكومية بالكامل داخل مناطقها، وحصرت عمل المدارس التابعة للحكومة السورية في “المربعات الأمنية” التي كان يسيطر عليها نظام الأسد في مدينتي الحسكة والقامشلي، إضافة إلى نحو 60 قرية وبلدة متوزعة بين ريفيهما.
ونقلت صحيفة “الوطن” السورية في نوفمبر 2024 عن مديرية التربية الحكومية في الحسكة قولها إن “عدد الطلاب الملتحقين بالمدارس في المناطق المذكورة بلغ 167 ألفاً و460 طالباً وطالبة”.
حظر التعليم الحكومي
بعد أسبوعين من سقوط نظام الأسد، عادت المدارس الحكومية إلى فتح أبوابها كالمعتاد، غير أن هذا الوضع لم يستمر سوى لأسبوع واحد فقط، بسبب خلافات نشبت بين مديرية التربية الحكومية وإدارة المدارس التابعة لهيئة التربية والتعليم في “الإدارة الذاتية” حول الجهة المخولة بالإشراف على هذه المدارس وآليات إدارتها.
وأدّى هذا الخلاف إلى إغلاقها مجدداً، فيما استمر التعليم فقط في مدارس الطوائف المسيحية، التي تضم نحو 20 ألف طالب وطالبة من مختلف المكونات الاجتماعية والدينية في مدن محافظة الحسكة، موزعين على 20 مدرسة في عدد من مدن وبلدات المحافظة.
وذكر مصدر تربوي حكومي في محافظة الحسكة لـ”الشرق”، أن إدارة المدارس التابعة للإدارة الذاتية “قررت منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد وسيطرتها على المربعات الأمنية في محافظة الحسكة، وضع يدها على كل المدارس التي كانت تدار من وزارة التربية الحكومية، بما في ذلك الوثائق والأختام”.
وأشار إلى أنهم “أبلغوا مديرية التربية بأن المدارس ستدار بمدراء يعينون من الإدارة الذاتية، وهو ما رفضته الوزارة، ما أدى إلى تعطل التعليم منذ ديسمبر 2024 وحتى الآن”.
اتفاق 10 مارس.. نافذة أمل معلّقة
وظل ملف التعليم محور نقاش غير رسمي بين دمشق و”الإدارة الذاتية”، قبل أن يأخذ طابعاً رسمياً عقب توقيع اتفاق العاشر من مارس، وما تبعه من تصريحات لوزير التربية في الحكومة السورية محمد تركو، الذي أشار إلى “وجود مساعٍ للاعتراف بالشهادات العلمية الصادرة عن الإدارة الذاتية، وحل مسألة الامتحانات الوزارية، بما في ذلك امتحانات الشهادات العامة”.
وبالفعل أثمرت اللقاءات بين الطرفين، عن تنظيم الامتحانات العامة لطلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي في مناطق سيطرة “قسد” مع بقاء المدارس الحكومية مغلقة والتعليم الحكومي معطل لطلاب الصفوف الانتقالية، ما اعتبر أنها “انفراجة مؤقتة”، تمهد لتوافق على بقية الملفات التعليمية بما يتيح إعادة افتتاح المدارس المغلقة.
ولم يسهم تنفيذ امتحانات المناهج الحكومية لطلاب الشهادات العامة، المعروفة محلياً باسم “البكالوريا والتاسع”، في تطوير الاتفاق نحو صيغة شاملة تخص قطاع التعليم، في ظل تعثر المفاوضات بين حكومة دمشق و”الإدارة الذاتية” حول تطبيق اتفاق العاشر من مارس منذ مطلع يوليو الماضي.
غير أن هذه المفاوضات أُعيد إحياؤها بعد زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر والمبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك إلى الحسكة واجتماعهما بقائد “قسد” مظلوم عبدي، أعقبها بيوم واحد لقاء بين الشرع وعبدي بمشاركة وفدين من الطرفين لمناقشة آليات تنفيذ بنود الاتفاق.
وجاءت هذه التطورات بعد توتر عسكري أثار مخاوف من اندلاع مواجهات واسعة بين الجانبين، إثر حشد ومناوشات وقصف واشتباكات متقطعة في أرياف حلب والحسكة، انتهت بإعلان وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، وقفاً لإطلاق النار بشكل فوري وشامل مع “قسد” في مناطق شمال وشمال شرق سوريا، وذلك قبل أقل من أسبوعين، في أعقاب الاجتماع الأخير بين الشرع وعبدي برعاية أميركية.
تحييد التعليم
ويرى الباحث والأكاديمي فريد سعدون في حديثه لـ”الشرق” أن “التعليم هو إحدى القضايا الجاري مناقشتها بين الحكومة السورية وقسد، لارتباطه بالمجتمع والشعب قبل أن يكون متعلقاً بالقضايا الأساسية والسلطة”.
وذكر سعدون أن التعليم بات يحتل مساحة في التجاذبات السياسية بين الحكومة وقسد مع استخدامه كورقة ضغط من الطرفين، وهو ما ظهر من خلال قرار الإدارة الذاتية بمنع التعليم الحكومي في مناطقها، قابله قرار حكومي بإيقاف تسجيل طلاب الجامعات للسنة الأولى في كليات محافظة الحسكة.
وأشار إلى أن هذه القرارات “دفعت الطلاب للانتقال إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية من أجل استكمال تعليمهم”، مضيفاً أنه “ليس بمقدور جميع الطلاب تحمل أعباء السفر وتكاليفه”، كما دعا إلى “حلول وسطية لتحييد ملف التعليم عن الصراعات الحالية”.
حق التعليم باللغة الأم
وقبل 3 سنوات، تراجعت “الإدارة الذاتية” عن تطبيق قرار كانت قد أصدرته عام 2022 بحظر التعليم الحكومي، وذلك تحت ضغط الأهالي، لتستمر المدارس الحكومية في مناطق سيطرة الدولة السورية داخل المحافظة بالعمل حتى سقوط نظام الأسد.
وجاء ذلك من خلال السماح للمعلمين والطلاب بعبور مناطق سيطرتها في مدينتي الحسكة وريفهما للوصول إلى المدارس الحكومية، وسط اتهامات شعبية لـ”قسد” و”الإدارة الذاتية” بإرسال معظم أبناء كوادرهما إلى المدارس الحكومية، في الوقت الذي فُرضت فيه مناهج الإدارة على الطلاب في مناطق الخاضعة لسيطرتها.
وقالت سميرة حاج حسين الرئيس المشترك لهيئة التربية والتعليم في “الإدارة الذاتية” إن “التعليم المتاح في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية هو التعليم وفق مناهج الإدارة الذاتية”، مشيرةً إلى أن “المنطقة هي تحت سيطرة الإدارة الذاتية بالكامل، ومن الطبيعي أن تكون المناهج المعتمدة هي مناهج الإدارة الذاتية”.
وأشارت في حديثها لـ”الشرق”، إلى “حرص الإدارة الذاتية منذ تأسيسها على منح كافة الطلاب حق الدراسة بلغتهم الأم، في ظل وجود مناهج بثلاث لغات هي الكردية والعربية والسريانية”، لكنها نفت “فرض مناهج كردية على كافة الطلاب في المنطقة”.
بدوره، ذكر مصدر تربوي حكومي لـ”الشرق” أن “الإدارة الذاتية طالبت باجتماعات فنية مع ممثلين عن وزارة التربية بالاعتراف بالشهادات الممنوحة من قبلها منذ تأسيسها أسوة بمناطق إدلب وشمال حلب”.
وتابع: “هناك اجتماعات تعقد بين الطرفين لإيجاد تسوية لملف التعليم في مناطق شرق سوريا، دون التوصل لنتائج”.
وأقرت “الإدارة الذاتية” مناهجها بشكل تدريجي على الطلاب في مناطق انتشارها من خلال إقرار مناهج للطلاب من الصف الأول وحتى الخامس في 2015، ومن ثم أدخلت مناهج للطلاب في الصفين السابع والثامن، قبل أن تضيف إليها مناهج حتى الصف الثاني الثانوي، وهو آخر صف دراسي في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي قبل الانتقال إلى المرحلة الجامعية.
وتواجه مناهج “الإدارة الذاتية” صعوبة في قبولها من المجتمع في مناطق وجودها، بسبب عدم وجود اعتراف رسمي محلي أو دولي بها، إضافة إلى اتهامات بتخصيص فقرات في بعض المواد لتمجيد “قسد” ورئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المحكوم عليه بالسجن المؤبد في جزيرة إيمرالي التركية، بتهمة قيادة حزب محظور في تركيا.
وترفض “الإدارة الذاتية” كافة الاتهامات بعدم وجود إقبال على المدارس التي تعتمد مناهجها، واستندت في ذلك إلى إحصاءات هيئة التربية والتعليم، والتي تؤكد التحاق أكثر من 713 ألف طالب وطالبة بهذه المدارس مع مطلع كل عام في 3 آلاف و647 مدرسة، ما يعبر عن حالة احتضان شعبي وقبول أهلي لهذه المناهج، مع مطالبتها بضرورة اعتمادها رسمياً من الحكومة، ضمن مبدأ اللامركزية التي تطالب بتنفيذها كشكل إداري للحكم، وكمدخل للتطبيق الفعلي لاتفاق العاشر من مارس.
عام دراسي جديد وأزمة مستمرة
وبعد انقضاء العام الدراسي الماضي، وعدم تمكّن معظم طلاب الحسكة في المدارس الحكومية من أداء امتحاناتهم والانتقال إلى صفوف جديدة، أعاد تنفيذ الامتحانات العامة في المحافظة الأمل بإمكانية إعادة فتح المدارس المغلقة والعودة إلى حالة من الاستقرار التعليمي التي طال انتظارها.
ويأتي ذلك في ظل واقع تعليمي منقسم تعيشه الحسكة، وهي المحافظة الوحيدة في سوريا التي كانت تُدرس فيها 4 مناهج قبل سقوط نظام الأسد وهي: مناهج الحكومة السورية في المربعات الأمنية داخل مدينتي الحسكة والقامشلي وبعض أريافهما، ومناهج “الإدارة الذاتية” في معظم المدن والبلدات، ومناهج الحكومة المؤقتة في رأس العين وريفها، إضافة إلى مناهج منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” المطبق في مخيمات النزوح مثل الهول والعريشة وروج.
ومع استمرار تعثر المفاوضات بين دمشق و”الإدارة الذاتية”، أقدمت الأخيرة على السيطرة تدريجياً على مقر مديرية التربية الحكومية في مدينة الحسكة، إلى أن أبلغت الكادر الإداري بمنع دوامهم في المبنى، وتحويله إلى مقر خاص بهيئة التربية والتعليم التابعة لها.
وأوضح مصدر تربوي حكومي لـ”الشرق” أن “مسؤولاً في الإدارة الذاتية عقد اجتماعاً مع الكوادر الإدارية لمديرية التربية الحكومية، وعرض عليهم العمل معهم في هيئة التربية أو مغادرة المقر نهائياً مع منع إخراج أي وثيقة، بعد منع الدوام الإداري للموظفين”.
وتقدر المصادر الحكومية في دمشق أن استمرار “الإدارة الذاتية” في هذا المسار يؤثر على “آلاف المعلمين” لجهة تسيير أمورهم الإدارية من إجازات واستقالات وبقية الإجراءات، مع تجميد عمل مديرية التربية التابعة لدمشق، ما قد يؤدي في مرحلة لاحقة إلى خسارة “نحو 14 ألفاً و350 معلماً وإدارياً” وظائفهم.
مدارس الطوائف المسيحية في قلب الأزمة
ومع تطبيق “الإدارة الذاتية” قرارها بمنع التعليم الحكومي وحصر التعليم بمناهجها في مناطق سيطرتها بمختلف المراحل التي تسبق التعليم الجامعي، شمل القرار أيضاً مدارس الطوائف المسيحية التي تضم طلاباً من مختلف مكونات الحسكة، بعد أن كانت مستثناة سابقاً من المنع، بما في ذلك مدارس المالكية والقامشلي والحسكة والقحطانية وتل تمر.
لكن الطوائف المسيحية رفضت القرار، وطالبت بالسماح لها بتدريس المناهج الحكومية بعدما عقدت اجتماعات متكررة مع عدد من مسؤولي “الإدارة الذاتية” و”قسد” بما في ذلك قائدها مظلوم عبدي.
وقدم عبدي وعوداً بإيجاد حلول وسط تسمح لمدارس الطوائف من استئناف الدوام المدرسي، لحين التوصل إلى صيغ نهائية لوضع التعليم في مناطق شمال شرق سوريا وفق مخرجات اتفاق العاشر من مارس.
ويشرح المشرف على عمل مدارس الأمل الخاصة التابعة لكنيسة السريان الأرثوذكس الأب كبرئيل خاجو في حديث لـ”الشرق” تفاصيل الأزمة، موضحاً أن: “مشكلة التعليم في منطقتنا تعود إلى أكثر من 10 سنوات، جرت خلالها مفاوضات عديدة مع الإدارة الذاتية، وتوصلنا إلى حلول باستثناء مدارس الكنائس، وعملها بمناهج وزارة التربية السورية وقتئذ، واستمرينا على هذا المنوال حتى هذا العام”.
وأردف: “كانت المطالبة النهائية أنه بعد التطورات الأخيرة والأحداث التي جرت صدر القرار بحظر تام لمناهج وزارة التربية السورية، مع مطالبتنا بإقرار مناهج وزارة التربية السورية، كما كنا عبر السنوات منذ بداية تاريخ هذه المدارس منذ ما يقارب 100 عام”.
ولفت خاجو إلى أن “مدارس الطوائف تقدم خدماتها لكل أطياف وأبناء مجتمع المنطقة، وليس المسيحيين فقط”، مشيراً إلى تلقي وعود لحل المشكلة عقب لقاء عدد من مسؤولي الإدارة الذاتية، إلا أنه لم يتم التوصل لذلك إثر طرح ممثلي هيئة التربية اقتراحات لتدريس مناهج منظمة اليونيسيف أو الإدارة الذاتية، و”هو ما تم رفضه، لكوننا نحتاج إلى مدارس معترف بها دولياً”، وفقاً لقوله.
ويرى أن “المشكلة لا تعود إلى المناهج بحد ذاتها أو محتويات هذه المناهج، لأنها بالحقيقة وضعت بحسب ما ترى هيئة التربية والتعليم، وفق المقاييس والمعايير التي يرونها مناسبة بالنسبة لهذا المجتمع”، مبيناً أنه “لا مشكلة جوهرية في هذا الموضوع، ولكن في الاعتراف بهذه المناهج، سواء في الجامعات في المحافظات الأخرى أو عالمياً”.
ورجّح أن هذه المشكلة هي “ما دفع الأهالي إلى عدم الرغبة في إرسال أبنائهم للدراسة وفق هذه المناهج”.
هجرة طلابية
تعطل التوافق على آلية تسمح بإعادة افتتاح المدارس الحكومية، وتحييد التعليم عن الصراعات السياسية والعسكرية، أدخل اليأس إلى نفوس الكثير من العوائل التي قرر بعضها تغيير مكان إقامته والانتقال إلى محافظات أخرى مثل دمشق ودير الزور وحلب، بهدف الحفاظ على مستقبل أطفالهم التعليمي عبر تأمين مقعد دراسي لهم في مدرسة تعتمد المنهج الحكومي.
ودعا محجوب عبد الأحد، وهو من سكان مدينة الحسكة، كافة الجهات إلى “تحييد التعليم”، قائلاً: “الناس تعبت وتحملت أعباء مادية إضافية والانتقال إلى دمشق في سبيل أن يواصل أولادهم الدراسة”، مطالباً بـ”افتتاح مدارس للجهتين الحكومة والإدارة الذاتية، وترك الخيار للأهالي والطلاب باختيار المنهج المناسب، تطبيقاً لمبدأ الديمقراطية”.
في ما تساءل أيوب عبد الله، وهو من أهالي الحسكة، “عمن سيتحمل مسؤولية ضياع عامين دراسيين للطلاب في المحافظة”، داعياً إلى “إيجاد حلول تساعد الطلاب في الحصول على حقهم الطبيعي في التعلم بمنهج حكومي معترف به”.
وقال: “ما الجدوى من دراسة مناهج غير معترف بها ولا بالشهادات الممنوحة منها”، مطالباً الجهات المعنية بالتدخل ومساعدة الطلاب من أجل الحصول على حقهم بالتعليم.
سيناريوهات الحل
ووفقاً لمراقبين، فإن “الإدارة الذاتية” حظرت التعليم الحكومي بعدما طالبت دمشق بالاعتراف بالشهادات التي منحتها لطلابها خلال السنوات الماضية، إلى جانب الاعتراف بمناهجها الحالية، بما في ذلك نظام التعليم الأساسي والثانوي والجامعي، وهو ما رفضته الحكومة السورية، ما دفع “الإدارة الذاتية” إلى إصدار قرار حظر التعليم الحكومي.
وأمام حدة الخلافات بين الطرفين في ملف التعليم، خاصة مع تمسك الحكومة بمركزية التعليم، واستحالة وجود مناهج مغايرة للمناهج الحكومية، يبدو التعليم كأحد أكثر الملفات الشائكة التي تحتاج إلى تفكيك، للوصول إلى حلول تعيد تفعيل التعليم الحكومي في منطقة يدرس فيها نحو مليون طالب وطالبة يصنفون كمتسربين من التعليم الحكومي، لكونهم يدرسون مناهج غير معترف بها حكومياً، وذلك في عموم المناطق التي تسيطر عليها “قسد” في الحسكة والرقة ودير الزور وريف حلب.
ويرى الباحث فريد سعدون أن مسألة التعليم “لن تحل طالما كانت مدرجة على الأجندة السياسية للمفاوضات بين الحكومة وقسد، ولن يحدث ذلك إلا بتوافق شامل بين الطرفين”، معتبراً أن “تحييد التعليم عن الصراعات، هو الخيار الأفضل لحل هذه المشكلة”.
وتابع: “على الإدارة الذاتية أن تفسح المجال للطالب لاختيار المنهج الذي يريد دراسته بين منهجي الحكومة والإدارة”، مطالباً الإدارة الذاتية بـ”السماح بافتتاح مدارس خاصة ودولية وحتى جامعات خاصة، لتوفير خيارات مناسبة للطلاب لاختيار ما يناسبهم من أنماط تعليمية”.
وشدد سعدون على “ضرورة أن تتحرك الحكومة السورية في ملف التعليم، وإيجاد مخرج له إما بالاعتراف بمناهج الإدارة الذاتية أو الاتفاق معها على إلغاء وتغيير بعض المواد أو حتى تغيير المنظومة التعليمية بما يراعي الحالة الأكاديمية لجهة المدرسين والإدارات”.
وأكد أهمية وجود “لجان مختصة من الطرفين تناقش هذه القضايا بحيث يُعْتَرَف بمدارس الإدارة الذاتية وفق معايير علمية وأكاديمية، مع سماح الإدارة الذاتية بافتتاح المدارس الحكومية في مناطقها”.
وحاولت “الشرق” الحصول على تعليق من وزارة التربية في دمشق، إلا أن الوزارة رفضت الإدلاء بأي تصريح حالياً، في ما رجحت مصادر مقربة من الحكومة السورية عدم وجود نية للتصريح حول الملف في هذه المرحلة، باعتباره مرتبطاً بتطبيق الاتفاقيات المبرمة مع “قسد” ومؤسسات “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، بما فيها الحسكة، والتي لا تزال ملامح تنفيذها غير واضحة حتى الآن.
المصدر : الشرق
