تتنوع المدارس الفنية التشكيلية بين الكلاسيكية والتجريد والتجريدية التعبيرية، إضافة إلى الفنون المعاصرة، وقد انشغل الفنان الإماراتي في توظيف هذه المدارس، ليعبر عن البيئة والهوية الوطنية الإماراتية.
وتعد حرفة التلي، من أشهر الحرف التي تم توظيفها في كثير من الأعمال الفنية المحلية، وهي حرفة كانت تمارسها المرأة الإماراتية قديماً، وتقوم على فن التطريز اليدوي، كما تعتمد على لف وتضفير خيوط مختلفة، خاصة الخيوط القطنية ذات الألوان الزاهية والخيوط المعدنية، لإنشاء تصاميم زخرفية جميلة تستخدم لتزيين الملابس النسائية، تنفذ هذه الحرفة على أداة خاصة يطلق عليها «الكاجوجة»، وهي وسادة دائرية تستند إلى قاعدة معدنية.
ومن الفنانين الذين التقطوا الإشارات التراثية ووظفوها بكل حرفية وذكاء في العمل الفني التشكيلي على نحو يضفي عليه بعدا جمالياً وبصرياً ساحراً يرد اسم الفنان فهد جابر.
في اللوحة التي أمامنا، ثمة امرأة تمارس حرفة التلي، حيث أنجزها جابر مازجاً بين التجريدية والتعبيرية في منظور فني مدروس، من حيث الألوان المستخدمة، التي حرص الفنان على أن تكون ألواناً مشرقة خاصة في رسم صورة المرأة التي ظهرت بألوان تجمع بين الزهري خاصة في لباسها التقليدي، واللون الأحمر الظاهر في «الكاجوجة» التي يثبت عليها طرف البكرة من خوص التلي، وأيضاً في البكرات التي ظهرت باللون الأبيض كما هو ظاهر في اللوحة.
أما خلفية اللوحة، فظهرت بألوان تمزج بين الأخضر والأصفر والزهري، وكان الفنان ذكياً في توظيف هذه الألوان التي عكست جمال البيئة الإماراتية.
في مزجه بين التعبيرية والتجريدية التكعيبية كما هو في رأس المرأة، نجح فهد جابر في توظيف المدرسة الكلاسيكية وروح الفن المعاصر، وكأنه يؤكد فكرة رئيسية فحواها أن الفن يجب أن ينطلق من أرضية صلبة، وأنه لا مانع من توظيف المدارس الفنية المختلفة في الفنون، لكي يكون الفن هادفاً ويقدم رسالة ثقافية متعددة الأبعاد تعبر عن ذات الفنان وتواصله مع المشاعر الإنسانية، ونقله لقضايا المجتمع وقيمه النبيلة، وأيضاً لتهذيب الذوق العام، وهنا، تقدم اللوحة المشار إليها رسالة عميقة، تسهم في توعية المجتمع بوصف الفن هنا، يجسد لغة مشتركة تتجاوز الفوارق البشرية وتخلق حواراً حضارياً بين مختلف شعوب العالم.
*تكوين
حرص فهد جابر على إبراز المرأة التي تمارس حرفة التلي برأس منحن إلى الأسفل في وضعية تركيز شديد أقرب إلى التأمل، ما يعكس صبر المرأة وهدوئها، لإنجاز حرفة التلي على أكمل وجه.
اللون شكل جزءاً رئيساً في تكوين اللوحة، حيث «الأخضر والزهري والأحمر»، وهذا يدل على أن الفنان كان حريصاً على تجسيد الجانب الجمالي والفني لهذه الحرفة، مع إبراز قيمة الخيوط الذهبية التي تمر عبر يد المرأة، أما الخيوط والأشكال الفنية، فظهرت من خلال براعة ريشة الفنان في إبراز ملامح المرأة بأشكال هندسية وزوايا حادة (كما هو في وجه المرأة) ليضفي على العمل روحاً معاصرة مع حفاظه على الطابع التراثي لهذه الحرفة.
من جهة ثانية، فقد نجح الفنان فهد جابر في إيصال رسالة توثق المشهد التراثي وتعكس الجانب الروحي للحرفة، فانحناءة الرأس عند المرأة توحي بالتركيز والصبر وكأنها تعيش طقساً روحياً ولا تقوم فقط بممارسة عمل يدوي.
وكان اهتمام جابر بالتكوين الفني للوحة معكوساً من خلال هذا التوازن البصري بين الألوان خاصة بين اللونين الأحمر والأزرق (المخدة) في آن واحد.
وكما أشرنا فقد كان مزج الفنان بين الأسلوب الكلاسيكي والحديث في هذا العمل يشير إلى أن الموضوع التراثي، قد وظف هنا، وكأنه يرمز إلى جسر بين الماضي والحاضر، ما يؤكد أن اللوحة ليست مجرد تصوير لحرفة التلي بقدر ما هي تعبير عن هوية المرأة الإماراتية وصبرها وإبداعها وارتباطها بجماليات الماضي في ثوب معاصر.
*إضاءة
الفنان الإماراتي فهد جابر، عضو سابق في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، شارك في عدة معارض مشتركة، ومثل الدولة مع مجموعة من الفنانين الإماراتيين في عدة معارض خليجية وعربية، ودولية، له تصميمات في عدة مواقع خليجية، منها ملصقات لمناسبات وطنية وأغلفة كتب وشعارات لعديد من المناسبات الاجتماعية والوطنية عمل في عدة مؤسسات وطنية إماراتية رسمية وأهلية.
المصدر : صحيفة الخليج
