يحضر التراث في حلة فنية آسرة لدى معظم الفنانين التشكيليين الإماراتيين، ذلك أنه يمثل جوهر الهوية الوطنية وتاريخ الأجداد، وهو بذلك يعتبر ملهماً لمعظمهم بما يشتمل عليه من غنى وتنوع، ما يمكن هؤلاء الفنانين من استثمار مفرداته في العديد من اللوحات الفنية المعاصرة، ويجسد الروح الإماراتية التي يحرص الفنانون على تقديمها بما يليق بها للأجيال الشابة.
لدينا لوحة ذات تكوين فني آسر للفنانة سلوى الشميلي، تعكس من خلالها جمال الطبيعة الإماراتية، بما تشتمل عليه من الكثير من الزهور الحمراء كأشجار البوانسيانا التي تلقب بـ ( شعلة الصحراء) وهي إحدى الأشجار المزهرة المستخدمة على نطاق واسع بمشاريع البستنة والتشجير في دبي، وتتألق بأزهارها الحمراء والبرتقالية وتزهر في الصيف، بالإضافة إلى الياسمين الهندي الأحمر، وهو متسلق ذو أزهار حمراء زاهية ورائحة عطرية جميلة، وغيرها الكثير.
*تكوين
أول ما يلفت النظر في اللوحة هو تلك الصياغة الفنية والجمالية للون بدرجة أولى، وللشكل بدرجة ثانية، حيث وظفت سلوى الشميلي خبرتها ليكون للتجريد اللوني، وللشكل، دورهما في التعبير عن رؤيتها من أجل خلق توازن بصري، لجهة العلاقة بين الكتلة والفراغ.
والتجريد في هذه اللوحة يتعامل مع اللون كأداة للتعبير وليس الوصف، فالأحمر في اللوحة والذي لونت به الفنانة زهرات مصطفة بشكل أفقي متقارب الحجم، يمنح قاعدة شبه مستقرة لهذا العمل الفني، حيث شكل الزهرة هنا، يترجم إحساس الشميلي أكثر من كونه شكلاً لزهرة يحاكي الواقع.
من جهة ثانية، فإن اللون الأصفر في خلفية اللوحة، بما يمنحه من إحساس هادئ لدى المتلقي، يتعارض مع الألوان الأخرى، كالأسود والأخضر والأحمر، وهذا أسلوب شائع في التجريد اللوني، حيث يصبح اللون جزءاً من اللعبة الفنية، وبعبارة أصح جزءاً من المشهد بما يعززه من إحساس لدى الفنانة، وليس معبراً عن الطبيعة بصورتها الحقيقية أو الواقعية.
*لغة بصرية
اتكأت سلوى الشميلي على التجريد اللوني، واعتمدته لغة بصرية بصورة أساسية، من خلال ألوان مدروسة، تنقل حالة شعورية، من خلال كثافة الأحمر وما يشكله من حضور قوي على سطح اللوحة، وأيضاً من خلال تلك الخلفية الصفراء التي توحي بالهدوء، وما تشتمل عليه اللوحة من مزيج لوني بين الأسود والأخضر، وهذا يمنح اللوحة قدراً من التوازن البصري غير المتماثل، الذي يوزع عناصر بصرية مختلفة الشكل والحجم ويخلق شعوراً بالحيوية والديناميكية، ويتطلب مهارة كبيرة من الفنانة كما هو واضح في اللوحة،.
في اللوحة يقف المشاهد أمام تجريد لوني يعبر عن المشاعر الذاتية، نفذته الشميلي بحرفية مدروسة تتبدى بوضوح من خلال ضربات الفرشاة الموزعة بحرفية على سطح اللوحة كما هو في الجزء العلوي حيث الدوائر أو النقاط صغيرة الحجم باللون الأحمر، وتلك الخيوط الخضراء والبنية التي توزعت في اللوحة.
*تأثيرات
اعتمدت الفنانة في هذه اللوحة على إيقاعية بصرية بين مختلف العناصر الجمالية، ومن يدقق في الرسم أكثر، يكتشف أن توزيع هذه الكتل اللونية كان مقصوداً من قبل الفنانة، وكأنها تسير بالعين من أعلى إلى أسفل، حيث تشكل الدائرتان الملونتان في الأعلى مركزاً بصرياً قوياً، ثم تنزل بؤرة نظر المشاهد من خط النقاط الدائرية المائلة نحو الزهور في الأسفل بلونها الأحمر الكثيف، ليستقر النظر على هذا المسار الأفقي للورود الحمراء، ما يعكس تدفق الحياة وحيويتها، وكأن للون هنا، إيقاعية لونية وانسيابية ومن خلال حس تجريدي متقن.
*إضاءة
سلوى الشميلي، فنانة إماراتية تستلهم التراث، في كثير من لوحاتها، وهي تعنى باستكشاف العلاقة بين الإنسان وبيئته، من خلال مزج التراث بالحداثة، ولديها شغف فني يمنحها شعوراً عارماً لترجمة مشاعرها من خلال اختبار عدة مدارس فنية، لنقل الكثير من القيم الجمالية التي تستحق القراءة والتأمل، وهي تمزج بحرفية بين أكثر من مدرسة فنية بين الواقعية والتعبيرية والتجريد.
المصدر : صحيفة الخليج
