أبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير للمرة الثالثة على التوالي، موافقاً توقعات الأسواق، وسط استقرار معدل التضخم في منطقة اليورو قرب مستهدفه البالغ 2%.
صوّت مسؤولو السياسة النقدية بالبنك المركزي الأوروبي، اليوم الخميس، لصالح الإبقاء على سعر الفائدة على الودائع عند مستوى 2% للاجتماع الثالث على التوالي. وكان كل المحللون الذين استطلعت بلومبرغ آراءهم توقعوا الحفاظ على معدلات الفائدة الأوروبية عند نفس مستوياتها.
“الاقتصاد واصل نموه رغم التحديات العالمية، وسوق العمل لا تزال قوية، والميزانيات العمومية للقطاع الخاص متماسكة، وتخفيضات أسعار الفائدة السابقة التي أجراها البنك المركزي.. كلها عوامل مهمة للمرونة”، وفق ما ورد بالبيان الصادر عن البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس.
وأوضح مسؤولو السياسة النقدية أن قرار الإبقاء على أسعار الفائدة جاء على خلفية “استقرار التضخم قرب هدفه متوسط الأجل البالغ 2%، فضلاً عن عدم تغيّر تقييم مجلس المحافظين لتوقعات التضخم إلى حد كبير”.
ومع ذلك، يرى البنك المركزي الأوروبي أن التوقعات “لا تزال غير مؤكدة، ويرجع ذلك بشكل خاص إلى النزاعات التجارية العالمية المستمرة والتوترات الجيوسياسية”.
مفارقة بين الطلبين المحلي والخارجي في أوروبا
كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي قالت خلال المؤتمر الصحفي المنعقد في فلورنسا في فرنسا يوم الخميس: “اقتصاد منطقة اليورو نما 0.2% بالربع الثالث، إذ تلقى قطاع الخدمات دعماً من السياحة القوية وتعافي الخدمات الرقمية وسط جهود الشركات في إدماج الذكاء الاصطناعي في عملياتها، رغم تأثر قطاع التصنيع بالتعريفات الجمركية المرتفعة وعدم اليقين واليورو القوي”. وأضافت: “هذه المفارقة بين الطلب المحلي والخارجي ستستمر في المدى القريب”.
مخاطر الصفقات التجارية بين أوروبا وأميركا
على صعيد المخاطر، أشارت لاغارد إلى أن الصفقات التجارية بين أميركا والاتحاد الأوروبي، ووقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، والأنباء الإيجابية حول قمة ترمب ورئيس الصين، “كلها خففت المخاطر على النمو الاقتصادي، ولكن البيئة التجارية المتقلبة قد تؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الإمدادات وتضغط على الصادرات”.
وألمحت لاغارد إلى أن الأثر الكامل للرسوم الجمركية “سيتضح مع مرور الوقت”، مشددة على “الحاجة الماسة لتقوية اقتصاد منطقة اليورو في ظل التحديات الراهنة”. كما أكدت لاغارد أن ضبابية المشهد الجيوسياسي “تضع تحديات أمام الاستقرار الاقتصادي في منطقة اليورو”.
السياسة النقدية الأوروبية في “موقع ممتاز”
لا يرجح مسؤولو السياسة النقدية تغيير أسعار الفائدة في المستقبل القريب، إذ يقولون إنهم راضون عن وتيرة ارتفاع أسعار المستهلكين واقتصاد أوروبا القوي. ووصفت لاغارد السياسة النقدية اليوم بأنها في “موقع ممتاز” يسمح لها بالتفاعل بمرونة مع التحديات الجديدة.
لاغارد قالت في أكثر من مناسبة إن البنك المركزي الأوروبي حقق هدفه المتمثل في ضبط الأسعار، لكن حالة عدم اليقين لا تزال تلقي بظلالها على التوقعات، رغم التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.
وفي مقابلة بُثت نهاية الشهر الماضي مع هيئة الإذاعة الدنماركية “دي آر تي في”، قالت لاغارد: “ينبغي أن تستهدف أسعار الفائدة مستوى التضخم، وهذا ما نستهدفه بالفعل، وقد وصلنا إليه الآن”.
لاغارد: المركزي الأوروبي حقق هدف التضخم وسط استمرار عدم اليقين
أسعار الفائدة الأوروبية الحالية يُتوقع الإبقاء عليها عند 2% حتى عام 2027، وفق استطلاع أجرته “بلومبرغ” لآراء الاقتصاديين. ومع ذلك، لا يُستبعد تماماً اتخاذ إجراءات إضافية بعد ذلك؛ إذ يتوقع ثلث المشاركين في الاستطلاع خفضاً إضافياً واحداً على الأقل يُضاف إلى ثمانية تخفيضات حتى الآن، في حين يرى 17% أنه قد تكون هناك زيادة واحدة أو أكثر بحلول نهاية العام المقبل.
السياسة النقدية في الاتحاد الأوروبي
تُعتبر المخاطر قريبة المدى على النمو الاقتصادي والتضخم متوازنة إلى حد كبير، في حين لا تزال حالة عدم اليقين على المدى البعيد مرتفعة. ويتوقع صُناع السياسة النقدية أن يستقر التضخم حول هدفه البالغ 2% بعد تراجع مؤقت متوقع في العام المقبل، على أن يستعيد الاقتصاد زخمه خلال الأرباع القادمة.
تضخم منطقة اليورو يتجاوز 2% معززاً توقعات الإبقاء على الفائدة دون تغيير
لكن بينما يُتوقع أن ينتعش النمو العام المقبل، إلا أن المخاطر لا تزال كامنة. فالصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين قد يمتد إلى أوروبا، كما أن حالة عدم اليقين السياسي في الداخل تُغذي عزوفاً عن الاستهلاك، إذ يُكافح رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان ليكورنو تخفيضات في التصنيف الائتماني، ويتخلف حزب المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن اليمين المتطرف في استطلاعات الرأي.
كيف هو أداء اقتصاد منطقة اليورو؟
يتزامن قرار البنك المركزي الأوروبي اليوم مع صدور بيانات تكشف نمو اقتصاد منطقة اليورو بأفضل من المتوقع.
ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث بنسبة 0.2% مقارنةً بالأشهر الثلاثة السابقة، مقارنةً بـ0.1% في الربع الثاني، وفق البيانات الصادرة عن “يوروستات” يوم الخميس. وكان محللون في استطلاع أجرته بلومبرغ قد توقعوا ارتفاعاً بنسبة 0.1%.
وجاء هذا النمو بدعم من صمود اقتصاد فرنسا في مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، حيث سجلت أقوى نمو لها في أكثر من عامين. وجاء ذلك في وقت انضمت ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، إلى إيطاليا في حالة الركود، حيث تجنبت كلتا الدولتين الكساد بصعوبة بالغة. كما أظهرت البيانات الصادرة أمس استمرار تفوق اقتصاد إسبانيا.
المصدر : الشرق بلومبرج
