أصبحت شركة “إنفيديا” (Nvidia) يوم الأربعاء، بعد 112 يوماً فقط من بلوغ قيمتها السوقية 4 تريليونات دولار، أول شركة يصل سعر مجموع أسهمها إلى 5 تريليونات دولار.
وتمثل قيمتها السوقية أكثر من 8% من مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، لكن هذه ليست سوى البداية- فالدفعة القوية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في الأسواق مبنية بالكامل تقريباً على أنماط استخدام طُورت استناداً إلى شرائح “إنفيديا”.
تعتمد استراتيجيات الذكاء الاصطناعي لكبرى شركات التقنية، مثل “مايكروسوفت” و”ميتا بلاتفورمز” و”أمازون” وغيرها، على قدرتها على الاستحواذ على أجهزة “إنفيديا” ونشرها بسرعة في مراكز بياناتها.
بينما تحاول بعض مُنافساتها تطوير بدائل لها، تشير مجموعة “ويدبوش” (Wedbush) التحليلية إلى أنه “لا يوجد سوى شريحة واحدة في العالم تغذي ثورة الذكاء الاصطناعي هذه… وهي من (إنفيديا)”.
هل نشهد فقاعة أم ريادةً لتطوير الذكاء الاصطناعي؟
قضى جينسن هوانغ، رئيس “إنفيديا” التنفيذي وهو الرجل الذي يُطلق عليه لقب “عراب الذكاء الاصطناعي”، هذا الأسبوع يطمئن العالم بأنه لا يحاول خلق فقاعة.
في ميزانيته العمومية، على الأقل، يبدو أن المال أصبح حقيقياً جداً: نصف تريليون دولار من الإيرادات المتوقعة خلال الأرباع الخمسة المقبلة من حجوزات أحدث رقائقها. قال هوانغ عن هذه اللحظة، مشدداً على تنوع الأعمال التي تقدمها “إنفيديا”: “إن هذا أمرٌ استثنائي جداً”.
رئيس إنفيديا: أميركا تحتاج إلى الدهاء للتفوق على الصين في الذكاء الاصطناعي
تتجاوز هذه الأعمال بكثير روبوتات الدردشة المتواضعة. وقد شملت عروضها التقديمية هذا الأسبوع السيارات ذاتية القيادة مع شركتي “أوبر تكنولوجيز” و”لوسيد موتورز” (Lucid Motors)، والأمن السيبراني المعزز بالذكاء الاصطناعي مع “كراود سترايك هولدينغز” (CrowdStrike Holdings)، وأبحاث الأدوية مع “إيلي ليلي آند كو” (Eli Lilly & Co)، والتوسع في عالم الحوسبة الكمومية الناشئ والواعد.
إنفيديا تتوقع بيع 20 مليون رقاقة
كانت العثرة الوحيدة، إن صح التعبير، هي المخاوف التي ظهرت في سبتمبر 2024 بشأن تأخير إنتاج أحدث رقائقها، ”بلاكويل“، التي تسببت في موجة بيع حادة بنسبة 13%. ثم كان هناك قلق من أن تحدث شركة ”ديب سيك“ (DeepSeek) الصينية ثورة في إنفاق قطاع التقنية الأميركي على الأجهزة. لكن ذلك لم يحدث، وقد طواها النسيان منذ زمن طويل.
قال هوانغ إن الشركة تتوقع بيع 20 مليون رقاقة من أحدث رقاقاتها، أي أكثر من خمسة أضعاف حجم الجيل السابق. هذا لا يأخذ في الاعتبار احتمال أن تمهّد المحادثات بين الرئيس دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جين بينغ الطريق لبيع أكثر رقاقات “إنفيديا” تطوراً إلى الصين.
“هواوي” تتحدى “إنفيديا” بتقنية جديدة لرقائق الذكاء الاصطناعي
تتوق شركات الذكاء الاصطناعي في البلاد إلى أجهزة أفضل مما يمكن أن تقدمه شركات تصنيع الرقاقات المحلية. تمثل القيود الحالية، التي لا تسمح إلا ببيع الأجيال القديمة من التقنية، القيد التنظيمي الضعيف الوحيد أمام صعود “إنفيديا” المستمر.
قليلون هم من يجدون سبباً للحذر. لا يبدو أن المخاوف بشأن التمويل الدائري، الذي تستثمر فيه “إنفيديا” في عملائها، قد غيّرت من أطروحات الاستثمار. كما أنها لم تضعف رغبة “إنفيديا” في إبرام صفقات- وكان آخرها استثمار بقيمة مليار دولار في “نوكيا” (Nokia)، الذي أُعلن عنه هذا الأسبوع.
اقرأ التفاصيل: “إنفيديا” تستثمر مليار دولار في “نوكيا” لدعم شبكات الذكاء الاصطناعي
اعتماد إنفيديا على تايوان أمر يستحق التمعن
إذا أرادت وول ستريت البحث عن معوقات محتملة لتقدم “إنفيديا”، فعليها البدء باعتمادها على تايوان -حيث تنتج معظم أحدث الرقائق- أو في الخطر المستمر (وإن لم يكن ملحاً بعد) المتمثل في قيام الجهات التنظيمية بفحص دقيق للعلاقة بين أجهزة “إنفيديا” وبرامجها الخاصة لتطوير الذكاء الاصطناعي.
لقد أظهر رد الفعل المتهور تجاه حوادث إنتاج “بلاكويل” العام الماضي مدى حساسية المستثمرين تجاه أي علامة على اضطراب في سلسلة التوريد والخدمات اللوجستية لشركة “إنفيديا”.
صفقة بـ 100 مليار دولار بين إنفيديا و”OpenAI” بمشروع يفوق استهلاك نيويورك للكهرباء
على نطاق أوسع، تحتاج “إنفيديا” إلى أن يبدأ طرح الذكاء الاصطناعي في مراحله النهائية -بوضعه في أيدي المستهلكين والشركات- في تحقيق ثماره، وإلا فقد تبدأ النفقات الرأسمالية الضخمة في التراجع.
تعتمد “إنفيديا” على الآخرين لتحقيق هدفها المتمثل في الذكاء الاصطناعي بمستوى الإنسان، والذي، كما يقول البعض، سيجعل كل هذا الاستثمار مجدياً.
كان هناك وقت كانت فيه “إنفيديا” شركة مسؤولة عن تحسين مظهر ألعاب الفيديو. لقد ولّت تلك الأيام المريحة. يُعدّ بلوغ القيمة السوقية نقطة تحولٍ في تاريخ شركةٍ واحدة، إذ أعاد تعريف معنى “الكبير” في عالم التقنية في هذه اللحظة التاريخية من التغيير الجذري.
إلى جانب كونه مجرد رقمٍ ضخم، فإن ما يمثّل سابقة حقيقية في تاريخ “إنفيديا” هو مدى تكامل نجاحها مع الاقتصاد العالمي بأسره: ثورةٌ صناعيةٌ تُعتبر فيها شركةٌ واحدةٌ فقط قادرة على بناء المصانع. إن ما جعل “إنفيديا” شركة بقيمة 5 تريليونات دولار هو أيضاً ما يجعلها نقطة فشلٍ محتملةٍ بقيمة 5 تريليونات دولار.
المصدر : الشرق بلومبرج
