الناشر: دائرة الثقافة
كثيراً ما انحصرت الدراسات والبحوث المسرحية المترجمة أو المعدة بواسطة كتاب عرب في التاريخ والحراك والتيارات التي ظهرت في الغرب، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وقليلة هي المؤلفات التي اهتمت بالتجارب المسرحية في أنحاء العالم الأخرى خاصة أمريكا الجنوبية التي تحظى بفعل درامي ومسرحي مميز وثري، حيث أفرزت العديد من الأعمال والكتاب والمخرجين الذين تميزوا بالفعل في خريطة المسرح العالمي.
كتاب «جماليات الرفض في مسرح أمريكا اللاتينية»، للكاتب د. طلعت شاهين، الصادر عن دائرة الثقافة في الشارقة، من المؤلفات التي تعمل على تقديم إضاءات عن المسرح في أمريكا اللاتينية وتبديد عتمة الجهل بالممارسات الفنية المسرحية هناك لدى القارئ العربي، بالتالي فإن الكتاب يعتبر إضافة جيدة للمكتبة العربية لما يحمل من معلومات متنوعة، حيث إن المؤلف لم يكتف فقط بموضوع الدراسة وهو «جماليات الرفض»، بل قدم تطوافاً تاريخياً وتعريفاً بالمشهد الراهن في الحراك المسرحي في دول أمريكا الجنوبية التي عرفت بالكثير من الكتاب والممثلين والمخرجين المتميزين وبالعروض الساحرة التي تحمل الكثير من التقنيات والأساليب الخاصة بأمريكا اللاتينية.
الكتاب يقع في 180 صفحة من الحجم الصغير، ويحمل العديد من المواضيع المهمة التي من شأنها أن تمنح القارئ فكرة عن الاتجاهات والدوائر التي يتحرك فيها المسرح في أمريكا اللاتينية ومن أهم عناوين تلك المواضيع: «مسرح أمريكا اللاتينية الجديد»، وتحت هذا العنوان يتناول المؤلف عدداً من المواضيع مثل: «الدراما العرقية» و«مسرح الباروك»، و«المسرح الفكاهي»، و«العبثي»، و«المسرح من نبض الثورة إلى أزمة الستينيات»، ثم يتوقف الكتاب عند واحد من أهم أعمدة المسرح اللاتيني وهو الكاتب والناقد المسرحي بيرخيليو بينييرا، متناولاً جانباً من سيرة حياته وأعماله وأثره في الحراك المسرحي وفي كونه من أهم رواد «مسرح الرفض»، حيث يبين الكتاب أن التكوين المعقد لنفسية الكاتب بينييرا، والظروف التي مر بها هي التي جعلت ثيمات الرفض والمقاومة تبرز في نصوصه.
*وجوه
إن السؤال الذي يبرز بصورة مباشرة لدى القارئ وهو يتصفح الكتاب هو: ما المقصود بالرفض، والواقع أن ذلك الموضوع اكتسب وجوهاً متعددة في أدب أمريكا اللاتينية من رفض الاستعمار إلى التهميش والإقصاء وغياب العدالة الاجتماعية، وسحق السكان الأصليين، وكيف صاغ المسرح خطاباً متمرداً بأدوات إبداعية، مؤثراً لدى عشاق الفنون المسرحية، وذلك هو الجانب الذي برع فيه عدد من الكتاب على رأسهم بينييرا، ولعل من أهداف هذا الكتاب، إلى جانب التعريف بأدب أمريكا الجنوبية، هو أن الواقع هناك قريب من ما يجري في العالم العربي من حراك اجتماعي وسياسي ومشاكل وصراعات وتقلبات، بالتالي فإن الاحتكاك بالتجارب المسرحية الأمريكية اللاتينية يفتح نافذة جديدة أمام صناع المسرح العربي.
*مقاربات
تميز الكتاب بجهد بحثي من كاتب ومترجم منقب ومطلع على الإرث المسرحي والثقافي المكتوب باللغة الإسبانية، حيث شد الرحال إلى العديد من دول أمريكا اللاتينية وعرف الواقع الأدبي والمسرحي عن قرب، واطلع على التجارب والإبداعات المسرحية والتيارات الفنية هناك، ما مكنه من إنجاز هذا الكتاب الذي كتبه بأسلوب يجعل القارئ في قلب الحراك المسرحي في العديد من البلدان اللاتينية، ويقدم له أسماء ربما لم تكن معروفة من قبل من كتاب وممثلين، كما أن المؤلف يقوم بإجراء العديد من المقاربات والمقارنات بين الممارسات والطقوس الفنية في أمريكا الجنوبية وبين الفنون العربية مثل تركيزه على الاحتفالات الشعبية الإسبانية ومقارنتها بالمصرية وهكذا، وهو أمر يرسخ في ذهن القارئ مضامين وأهداف الكتاب، وذلك بجعل المواضيع قريبة من بيئته.
*بدايات
يعرف الكتاب ببدايات المسرح في أمريكا اللاتينية بأسلوب سردي يشبه قص الحكاية عند الراوي المسرحي، حيث يشير المؤلف إلى أن ظهور «أبو الفنون»، هناك جاء مع اكتشاف قارة أمريكا اللاتينية والغزو الإسباني لها، وكانت تلك النشأة قريبة من ما حدث في أي مكان ظهر فيه المسرح من حيث أغراض التسلية والترفيه عن الجنود والحكام الجدد للقارة، بطريقة يتسلل من خلالها الهدف السياسي المتمثل في تثبيت الواقع الاستعماري الجديد وممارسة التهميش ضد السكان الأصليين هناك، كما استخدم المسرح كذلك في نشر ديانة وأساليب عيش الوافد الجديد بحيث يصبح ثقافة عامة في تلك الدول تتراجع معها ثقافات الشعوب الأصلية.
*قرار
يرسم الكتاب لوحة تاريخية لأول حضور للطقوس المسرحية من احتفال ضخم جرى في المكسيك عام 1529، وتضمن عروضاً بشكل مسرحي تحمل دلالات ورسائل سياسية واضحة، حيث شارك في ذلك الاحتفال ممثلون للشعب من طوائف وعرقيات ثقافية مختلفة، ومنذ تلك اللحظة وظفت العروض المسرحية في توصيل الأفكار الدينية، بطريقة ترغب سكان البلاد في اعتناق دين المستعمر، ليتطور بعدها «أبو الفنون»، هناك وتظهر التيارات المسرحية الجديدة في مشهد تم فيه القطع مع المسرحيات العقائدية التي كانت تقدم، وهي العملية التي رفعت من الذائقة الدرامية، حيث جذب المسرح جمهوراً جديداً، خاصة في مجال العروض الفكاهية الساخرة والتي اعتبرها الكثيرون معادية للدين والدولة، ما أدى إلى صدور قرار بمنع مثل هذه المسرحيات التي كانت تقدمها فرق وافدة من أوروبا ومحملة بالأفكار العلمانية، غير أن التعطش للمسرح جعل ذلك القرار غير قابل للتنفيذ، ما يشير إلى أن حب المسرح قد رسخ في قلوب السكان في المكسيك وبقية دول أمريكا اللاتينية.
*طقوس إفريقية
ينتقل الكتاب إلى مشهد المسرح في أمريكا اللاتينية، بعد انتقال الأفارقة إلى هناك بواسطة تجارة الرقيق، حيث بيع هؤلاء الأفارقة كعبيد لملاك الأراضي خاصة في منطقة الكاريبي التي أخذ الفعل المسرحي يتوهج فيها من خلال نقل الأفارقة لثقافتهم وطقوسهم الساحرة وممارساتهم وإيمانهم بالخرافات، وهي الممارسات الإبداعية التي تسربت وامتزجت بالفنون المسرحية السائدة المحلية والقادمة من أوروبا، ما خلق واقعاً جديداً، حيث تعرف الناس هناك إلى الطقوس الراقصة واستخدام الأقنعة خاصة في البرازيل والمكسيك وكوبا والتي ينتمي معظم سكانها إلى الأصول الإفريقية، ما جعلها في مقدمة الحركة المسرحية في أمريكا اللاتينية التي اعتمدت على الفنون الزنجية من موسيقى ورقص وغناء وطقوس دينية، في خلق ورسم هوية مسرحها الجديد الذي يعتمد الشكل والتقنية العامة الأوربية.
ولعل من أهم مميزات هذا التلاقي بين الممارسات المسرحية في أمريكا اللاتينية والطقوس الأدائية الإفريقية، تعزيز قيم الرفض والمقاومة التي عرفت بها الثقافة الإفريقية وترسيخها في الممارسة المسرحية في بلدان أمريكا اللاتينية، وذلك كان أثراً عظيماً كان له ما بعده، حيث فتح الباب لظهور مسرح وأدب الرفض، وخلص الكتاب إلى أن المسرح استخدم في البداية لفرض ثقافة المستعمر وعقيدته وأساليبه الحياتية وحضارته، ولكن تطور «أبو الفنون» ورسوخه في أمريكا اللاتينية جعل صناع المسرح يوظفونه في المقاومة.
*اقتباسات
*«برز المسرح في أمريكا اللاتينية بأهداف دعائية».
*«الثقافات في أمريكا الجنوبية ليست كتلة واحدة».
*«تلاقي الأفارقة بالهنود الحمر صنع حضارة جديدة».
*«هناك نصوص مسرحية مكتوبة بلغة الهنود الحمر».
*«لعب المسرح الديني دور المدرسة والتعليم».
*«الرقص الإفريقي أضاف نوعاً من الفرجة السحرية».
*«نشأ المسرح العبثي في أمريكا اللاتينية في عالم بلا قيمة ثابتة».
*«استخدم المسرح العبثي في أمريكا الجنوبية كنوع من المقاومة».
المصدر : صحيفة الخليج
