قبل أقل من ثلاثة أسابيع على انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول، اشتعلت سوق الدروس الخصوصية مجدداً، لكن بملامح جديدة فرضها العالم الرقمي. فقد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات عن دروس «أونلاين» بأسعار تبدأ من خمسين درهماً للساعة، مقابل دروس يقدمها معلمون معتمدون أو ذوو خبرة تصل كلفتها إلى مئتي درهم. هذا الفارق يعكس فجوة أعمق في الكفاءة والتأهيل، فيما يحذر تربويون من ازدياد عدد المدرسين غير المؤهلين الذين يقدمون دروساً دون معرفة دقيقة بالمناهج الدراسية أو أساليب الامتحانات المعتمدة.
نشاط مفتوح
وقال التربوي الدكتور محمد فتح الباب، إن ظاهرة الدروس الخصوصية تحولت إلى نشاط رقمي مفتوح تتنافس فيه حسابات شخصية ومراكز صغيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، تُدار بعضها بشكل تجاري بحت، حيث يتم الترويج لدروس الرياضيات أو اللغة الإنجليزية عبر مقاطع قصيرة وإعلانات ممولة لجذب الطلبة قبل موسم الامتحانات.
وأضاف أن الخطورة تكمن في أن عدداً كبيراً من مقدمي هذه الدروس لا يمتلكون خلفية تربوية أو رخصة تدريس، ما يجعل الطالب عرضة لتلقي معلومات غير دقيقة أو مخالفة للمناهج. وأكد أن الرقابة على الإعلانات التعليمية باتت ضرورة ملحّة، داعياً الجهات المختصة إلى وضع معايير واضحة للمعلنين تتضمن إبراز مؤهلاتهم الأكاديمية لضمان جودة ما يُقدَّم للطلبة.
الكفاءة قبل السعر
وأكدت التربوية نعيمة عوض، أن الكفاءة والخبرة يجب أن تسبقا السعر عند اختيار المعلم، مشيرةً إلى أن من يمتلك رخصة مزاولة التدريس ويعمل في التعليم الرسمي يكون أكثر قدرة على إيصال المفاهيم بطريقة منهجية ومترابطة.
وأوضحت أن المعلمين المؤهلين يمتلكون أدوات تربوية مدروسة وخبرة في التعامل مع أنماط الطلبة المختلفة، ما يجعلهم أكثر دراية بأساليب الامتحانات وأهداف المناهج. وأضافت أن الاعتماد على معلمين غير مؤهلين لمجرد انخفاض السعر قد يتحول إلى عبء على الطالب، إذ يعاني بعض الطلبة من خلط في المفاهيم وضعف في الفهم التحليلي، خاصة في المواد العلمية. وشددت على أن المرحلة الثانوية تحتاج إلى معلمين ذوي كفاءة عالية لأن أي خطأ في المفهوم ينعكس مباشرة على نتائج الطالب ومستقبله الأكاديمي.
توتر متزايد
وقالت فاطمة الظنحاني، الاختصاصية الاجتماعية، إن فترة ما قبل الامتحانات تشهد توتراً متزايداً يدفع الأسر إلى البحث عن حلول سريعة عبر الدروس الخصوصية، وهو ما يترك أثراً نفسياً سلبياً على الطلبة. إذ يلتحق بعضهم بعدة دروس في اليوم الواحد مما يؤدي إلى إنهاك ذهني وتراجع في التركيز.
وأضافت أن الدروس المكثفة قبيل الامتحان لا تعالج ضعف الفهم، بل تخلق ضغطاً إضافياً على الطالب، داعيةً إلى تعزيز مهارات المراجعة الذاتية وتنظيم الوقت، وتوفير حصص دعم نفسي وأكاديمي داخل المدارس بإشراف مختصين، لتكون بديلاً عن الدروس الخارجية العشوائية التي لا تراعي الفروق الفردية.
الحاجة إلى معايير
وأكد التربوي عبدالرزاق مواس، أن انتشار الدروس الرقمية خلق سوقاً موازية تفتقد المعايير التربوية، ما أفرز تفاوتاً كبيراً في جودة الخدمات التعليمية. وأوضح أن بعض الأفراد حوّلوا التعليم إلى نشاط تجاري من خلال الإعلان عن دروسهم دون ترخيص أو متابعة.
وأشار إلى ضرورة وضع معايير واضحة تنظم عمل الجهات التي تقدم الدروس الخاصة وتحدد الأسعار وفقاً لجودة الخدمة، مؤكداً أهمية الرقمنة المنضبطة التي توفر دعماً دراسياً آمناً وفعّالاً تحت إشراف تربوي موثوق.
مبادرات تربوية
وشدد الدكتور عبداللطيف السيابي، الخبير التربوي، على أن الحد من ظاهرة الدروس الخصوصية لا يتحقق بالمنع أو التحذير فقط، بل بخلق بدائل تعليمية منظمة داخل المؤسسات التربوية. وأوضح أن المدارس مطالَبة بإطلاق مبادرات دعم أكاديمي تساعد الطلبة على مراجعة الدروس تحت إشراف معلميهم، وفق المخرجات التعليمية المستهدفة في الاختبارات الوزارية، ليشعر الطالب بأن المدرسة قادرة على تلبية حاجاته دون اللجوء إلى أطراف خارجية.
وأضاف أن تنظيم حصص تقوية منتظمة قبل الامتحانات يسهم في سد الفجوة بين مستوى الطالب ومتطلبات المنهج ويحدّ من القلق، داعياً المدارس إلى إشراك أولياء الأمور في المتابعة لتحويل موسم الامتحانات إلى فرصة للتعلم الذاتي لا سباق للدروس الخصوصية. وأكد أن المدرسة الحديثة مطالبة بأن تصبح مركزاً تعليمياً شاملاً يقدم الدعم الأكاديمي والنفسي معاً، وأن الاستثمار في مبادرات التقوية داخل المدرسة هو السبيل الأنجح لضمان جودة التعليم وحماية الطلبة من الاستغلال التجاري المتزايد في موسم الامتحانات.
عامل رئيسي
وقالت هبة ضناوي، ولية أمر، إن الأسعار أصبحت عاملاً رئيسياً في اختيار نوعية الدروس، إذ تصل الحصة الواقعية داخل المنزل إلى مئتي درهم، بينما تتوفر الحصة الافتراضية بخمسين درهماً فقط. وأكدت أن هذا الفارق دفع كثيراً من الأسر إلى الاتجاه نحو الدروس الرقمية لتخفيف الأعباء المادية، رغم تباين جودة المعلمين.
وأضافت أن الحل يكمن في وجود رقابة على المعلمين الذين يقدمون دروساً عبر الإنترنت لضمان مؤهلاتهم، مؤكدةً أن انخفاض السعر لا يجب أن يكون على حساب جودة التعليم.
كما أوضحت مها البلوشي، ولية أمر لطالب في الصف الحادي عشر، أن الفارق الكبير في الأسعار شجعها على تجربة الدروس الرقمية، حيث دفعت ستين درهماً للحصة مقارنة بمئتين وخمسين للحصة الواقعية. وأشارت إلى أن الدروس الافتراضية ساعدت في تجاوز بعض الصعوبات الأكاديمية، لكنها لا تعوّض التفاعل المباشر الضروري لفهم التفاصيل الدقيقة للمادة.
وأضافت أن بعض المعلمين في الدروس الرقمية يركّزون على الحلول السريعة دون تدريب الطلبة على التفكير والتحليل، مما يضعف جاهزيتهم للامتحانات. وختمت بالتأكيد على ضرورة وجود جهة رسمية تشرف على جودة ما يُقدَّم للطلبة وتحمي أولياء الأمور من التجارب غير الموثوقة.
المصدر : البيان
