شهد مؤتمر الناشرين الدولي خلال يومه الأول، 31 ورشة عمل متخصصة، قادها خبراء بارزون من مختلف قارات ودول العالم؛ بهدف تعزيز التعاون المهني وتبادل المهارات والخبرات الأساسية بين العاملين في صناعة النشر.
محمد بن عبد الله الفريح، مدير شركة العبيكان للأبحاث والنشر والترجمة، تحدث خلال ورشة عمل تفاعلية تناولت المراحل الخفية في رحلة الكتاب قبل وصوله إلى رفوف المكتبات، موضحاً أن إنتاج كتاب واحد يمر عبر جهود أكثر من خمسين شخصاً من محررين ومراجعين ومصممين ومسوّقين، وغيرهم، قبل أن يصل إلى القارئ في صورته النهائية.
وأشار الفريح إلى أن النقاش في الورشة قاد المشاركين إلى تحديات التوزيع، التي وصفها بأنها «العقدة المشتركة في سلسلة صناعة الكتاب»، مبيناً أن النشر، كغيره من القطاعات الصناعية، يواجه عقبات معقّدة تتطلب تفكيراً مبتكراً واستلهاماً لتجارب صناعات أخرى. وأوضح أن الورشة شكّلت عصفاً ذهنياً جماعياً أتاح للمشاركين استكشاف حلول يمكن تكييفها لتناسب سوق الكتاب، مؤكداً أن كثيراً من الأساليب المعتمدة في مجالات اقتصادية وتجارية أخرى قابلة للتطبيق بفاعلية في مجال التوزيع والنشر.
ومن أبرز الجلسات التي احتضنها المؤتمر جلسة بعنوان «نشر كتب الأطفال باللغات الفرنسية»، التي أدارها سيمون دو جوكاس، رئيس ومالك دار النشر الكندية Éditions Les 400 Coups في مونتريال؛ حيث قال: «كان معظم الحاضرين من قارة إفريقيا، من دول مثل كوت ديفوار وبوركينا فاسو والكونغو والكاميرون، وقد تبادلنا الرؤى حول طبيعة الأسواق الناشئة وتعقيداتها».
وأوضح جوكاس أن النقاش تمحور حول مرتكزات النشر الحديث مثل البيانات التعريفية (metadata)، وسبل تعزيز اكتشاف الكتب والوصول إليها، وأهمية توحيد الجهود لبناء منظومات نشر قوية. وأضاف أن الجلسة خلصت إلى قناعة مشتركة مفادها أن «البداية الحقيقية للنجاح في عالم النشر تنطلق من خطوات عملية صغيرة وقابلة للتنفيذ، وليس من الضرورة أن تكون الظروف كلها مهيئة للنجاح مئة بالمئة».
بدوره، قاد الدكتور محمد عايش، مدير دار الفكر الجديد في الأردن، إحدى الورش التي تناولت «عوامل تجعل الكتاب الورقي لا يُستغنى عنه»، حيث أوضح أن سحر الكتاب المطبوع لا يكمن في مادته فقط، بل في تكامل عناصره من شكلٍ ومضمونٍ وتصميمٍ وإخراجٍ بصريٍّ جذّاب، وحتى نوعية الورق التي تتناسب مع موضوع الكتاب.
وأكد الدكتور عايش أن الكتاب الورقي والإلكتروني وسيلتان لنقل المعرفة وليسا غاية بحد ذاتهما، لكن فنّ تنسيق المعلومة وتنظيمها وإخراجها يظلّ جزءاً جوهرياً من قيمة النشر. وضرب مثالاً بالأبحاث العلمية التي لا تأتي دائماً بجديد، لكنها تُعيد ما تم اكتشافه بطريقة أكثر وضوحاً ودقة، لتبرهنه وتعرضه بأسلوب منظم. وقال: «وهكذا هو النشر الورقي، فكلّما ازداد الإتقان في الإخراج والتصميم، ارتفع إقبال القراء والناشرين عليه».
*مستقبل
وانتقل النقاش في ورشة أخرى إلى مستقبل النشر الرقمي، في جلسة أدارَتها ميتي كاسيرتا، الشريكة المؤسسة لدار Fioranello Publishing الدنماركية، التي ناقشت خلالها كيفية بناء دار نشر رقمية في اقتصاد يعتمد على البث الإلكتروني.
وأعربت كاسيرتا عن سعادتها بالمشاركة في مؤتمر الناشرين الذي لطالما رغبت بحضوره، مشيرة إلى أن التجربة الدنماركية تقدّم نموذجاً عملياً لتطور صناعة النشر من سوق لم يكن يضم سوى 20 كتاباً صوتياً إلى سوق يشكّل فيه البث نصف اقتصاد النشر.
كما تناولت الورشة تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إدارة الأعمال، حيث قدّمت كاسيرتا رؤية جديدة تتجاوز الاستخدام التقليدي له في الترجمة، نحو توظيفه في خفض التكاليف التشغيلية وتعزيز الكفاءة الداخلية لدور النشر.
أما ورشة «فهم آليات الوصول إلى الأسواق»، فقدّمت فيها ودهة ستراتيستي، مديرة المشاريع في شركة Gramedia International الإندونيسية، خارطة طريق واضحة للناشرين الدوليين الراغبين في التعاون مع نظرائهم في إندونيسيا.
وأشارت ستراتيستي إلى القيمة المتجددة التي يقدّمها المؤتمر سنوياً في تعزيز الروابط المهنية بين الناشرين حول العالم، موضحة أن أبرز الأسئلة التي طرحها المشاركون تمحورت حول كيفية تحديد دور النشر الإندونيسية المتخصصة في أنواع معينة من الكتب، وآليات التواصل المعتمدة معها، سواء عبر الوكلاء أو من خلال الاتصال المباشر.
ونصحت ستراتيستي الراغبين في التعاون بضرورة إجراء بحث مبدئي قبل التواصل، مشيرة إلى أن الاطلاع على فهرس إصدارات أي دار نشر يمكن أن يكشف مدى التقاطع في الاهتمامات والموضوعات، وهو ما يسهل عملية التواصل وبناء الشراكة؛ مؤكدة أن الخطوات البسيطة المدروسة هي مفتاح بناء علاقات مهنية ناجحة ومثمرة في سوق النشر العالمي.
المصدر : صحيفة الخليج
