الشاعرة سافو لا تحب العسل ولا النحل

الشاعرة سافو لا تحب العسل ولا النحل

يوجد في الشعر اليوناني القديم، كما يقول د. أحمد عتمان في كتاب «الشعر الإغريقي» وزن يسمى «الوزن الأليجي»، وقبله وزن آخر يسمى «الوزن السداسي الملحمي» لكن من أين جاءت «الأليجي» هذه؟ جاءت من العبارة الإغريقية eelegeih أي القول: أوّاه، أوّاه، ويضيف د. عتمان:.. في العالم القديم كان الشعر الأليجي بصفة عامة يعرف بأنه شعر «المراثي».
لفت نظري أيضاً أن هناك شعراً يونانياً يُسمى»شعر القبريات«=من القبر= وهو بذلك شعر المراثي.
يخبرنا بحث د. عتمان عن «ثنائي إليجي» يتكون من بيت «سداسي داكتيلي» متبوع ببيت «خماسي داكتيلي» وهذه بالطبع مصطلحات عروضية وزنية إغريقية معقدة أو صعبة بالنسبة لنا، وربما ليس لها علاقة بعروضنا الخليلي العربي، بل المهم علينا أن نعرف أن هذه الأوزان والموسيقات اخترعها الشعراء، فقد اخترع الشاعر أرخيلوخوس أو كالينوس أو ميمنروس وزن الشعر الأليجي.
الشاعر «أناكريون» يقال إنه فضّل وزناً خاصاً أطلق عليه اسمه في ما بعد، وتعرف الأغاني المنظومة على هذا الوزن بِ«الأناكرونيات»، وكان الشاعر «أناكريون» قد وُلِدَ في العام 470.
من أوزان الشعر اليوناني في العصور القديمة وزن «الأيامبي»، الذي كان ينظم عليه «أرخيلوخوس» الذي كان يضعه النقاد على قدم المساواة مع هوميروس، وبعد «أرخيلوخوس» بقرن من الزمان عاش شاعر يُسمى «هيبوناكس»، وهو من اخترع «الوزن الإيامي الجديد» المسمى «سكازون».. وسكازون تعني الأعرج، أي الوزن الأعرج أو «خوليامبوس» أي المترنح، ولكن، لماذا الأعرج أو المترنّح، يقول د. عتمان: لأنه جعل البيت الإيامبي ثلاثي الوحدات ينتهي بقدم تروخي أو سبوندي.. وعلى أي حال بالنسبة لي الآن كقارئ أتأمل هذه المنظومة من الأوزان الإغريقية ومن بينها «القدم».. فهل يا ترى ثمة من شبه بين «القدم» اليوناني، وبين «الوتد العربي»، ذلك سؤال استفهامي، استنتاجي لا أكثر، يطرح نفسه في سياق التعرف المدهش إلى الأوزان اليونانية.
يقول د. أحمد عتمان: إن الأغلبية العظمى من كتابات الإغريق القدامى فُقدت، وبالتالي، هناك معلومات مفقودة أيضاً عن وزن الشعر الإغريقي الذي كان يصنعه الشعراء أنفسهم، وليس النقاد.

علاقة

أصل الآن إلى حكاية طغاة الإغريق والشعراء، وهي حكاية تحمل وجهاً من وجوه التناقض، إذ كيف يتقبّل الشاعر، الاقتراب من طاغية، وفي الوقت نفسه كيف لطاغية، أن يأمن لسان شاعر؟ ومع كل هذا التناقض تماهى الشاعر بالطاغية، أو العكس، حتى بات الأمر كله عادياً وطبيعياً، تماماً.

المسرحي التراجيدي الإغريقي «ثيسبيس» حظي برعاية الطاغية «بيسيستراتوس»، وعلى أي حال فالتراجيديا الإغريقية كانت تقوم على الشعر «ويحكى أن الطاغية» ريجيون أنا لسيلاس «بعدما فاز في الألعاب بفريق من البغال طلب من الشاعر «سيمونيديس» أن يكتب له أغنية نصر، فلما تبيّن لسيمونيديس أن ثمن القصيدة المعروض صغير لا يستحق الجهد رفض نظم القصيدة بحجة أن بغال الطاغية من نسل الحمير، وليست جديرة بقريحته الشعرية، وفطن الطاغية للسبب الحقيقي، فرفع الثمن إلى درجة أن سيمونيس نظم على الفور أغنية يصف فيها البغال بأنها سليلة خيول سريعة».
يشير د. عتمان أيضاً إلى أن القرن السابع برز فيه بعض الطغاة الحكماء أمثال «بوليكراتيس» طاغية ساموس، و«بيسيستراتوس» طاغية أثينا، و«بيتاكوس» طاغية لسبوس، أما الشاعر «آريون» فقد أمضى معظم سني حياته في قصر «بيرياندروس» طاغية – كورنثة، وكان «هيرون» طاغية سيراكيوز يحيط نفسه بالشعراء الغنائيين.

بدايات

أوّل معرفة لنا نحن العرب بالشاعرة اليونانية «سافو» كانت عن طريق ترجمتها إلى العربية التي أنجزها عبدالغفار مكاوي في العام 1954، أي أننا نعرف هذه الشاعرة قبل أكثر من سبعين عاماً، ولعلها المرأة الأولى الوحيدة التي، كما يقول مكاوي ضُرِبتْ صورتها على العملة في مدينة إريزوس وميتيلينه، وظهر رسمها على كثير من الأواني والزهريات.
وقبل الذهاب أبعد في حياة سافو أشير إلى أن الشاعر طاهر رياض، والكاتبة د. أمنية أمين قد نقلاها إلى العربية في ترجمة صدرت في عمان عام 2008 تحت عنوان «لا العسل تشتهيه نفسي ولا النحل»، لكن رياض والدكتورة أمنية يأخذان على ترجمة مكاوي أنها «كانت حرفية تركت في النص العربي النقص وفقدان الكلمات، ملتزمة بالأصل وفق أوراق البردي المهترئة».
وُلدت سافو في جزيرة «لسبوس» في نحو 612 أو 609 قبل الميلاد في الفترة نفسها التي ولد فيها بوذا في الهند كما يذكر مكاوي، أي في حدود القرنين السادس والسابع قبل الميلاد، وعاشت في زمن الشاعر «الكايوس» ويعتقد أنهما كانا على علاقة حب.
عرفت سافو المنفى، مثلها مثل «الكايوس»، فقد اضطرت إلى مغادرة جزيرتها «لسبوس» وهي في نحو الرابعة عشرة إلى مدينة تسمى «سيراقوصة» في صقلية، لكنها كرّمت بعد ذلك، وأقيم لها تمثال. بحسب د. مكاوي أيضاً كان عند الإغريق نوع من الأغاني يُسمى «أغاني الزفاف» «أبيثا لاميا»، وكانت هذه الأغاني تحتل منزلة مهمّة في أشعار سافو.

شهرة

وول ديورانت صاحب «قصة الحضارة» دخل هو الآخر على خط سافو، واعتبرها في فصل خاص بها أنها أشهر نساء اليونان أجمعين، ويذكر ديورانت أن أفلاطون كتب في سافو قطعة شعرية يقول فيها: «يقولون أن ربّات الشعر تسع، ألا ما أكثر غباءَهم فليعلموا أن سافو هي العاشرة» وفي قصة الحضارة يأتي وصفها على النحو التالي: «كانت صغيرة الجسم، ضعيفة البنية، وكان سمراء الشعر والعينين والبشرة وكان ذلك مما يحبه اليونانيون، ولكنها كانت تسحر الناس برشاقتها، ورقتها، ودماثة أخلاقها وحصافة عقلها..» ويضيف ديورانت في «قصة الحضارة».. «وصفها أثيس تلميذها المقرّب إليها بأنها كانت ترتدي الثياب الزعفرانية اللون والأرجوانية، وتتوج رأسها بالزهر».
تزوّجت سافو من أحد التجار الأثرياء في «إندروس» وورثت ثروة زوجها بعد وفاته، ويشير ديورانت إلى أن سافو بعد ترملها أنشأت مدرسة للفتيات تعلمهن فيها الشعر والموسيقى والرقص، وتعتبر هذه المدرسة أوّل مدارس صقل الفتيات في التاريخ، ويقول إنها كتبت شعراً في موضوعات أخرى غير الحب، واستخدمت فيها بحوراً من الشعر بلغ عدد ما بقي خمسين بحراً، وَلَحَّنَتْ هي بنفسها أغانيها ووقّعتها على العود، لكن المعلومة الأهم التي يوردها ديورانت هي أن رؤساء الكنيسة في القسطنطينية وروما قد أمروا في العام 1073 بإحراق جميع أشعار سافو علناً.
تقول مصادر حياة سافو أيضاً أنها كانت تحب رجلاً اسمه: قاؤون، ولكنه لم يكن يبادلها الحب، وهكذا، قفزت من فوق صخرة في جزيرة لوكاس فقضت على نفسها.
اعتمدت أيضاً في تتبع حياة سافو على الفصل الذي خصّصه حولها د. أحمد عتمان في كتابه «الشعر الإغريقي»، وهو يقول إن لسافو اسما آخر هو «بسافو»، وتنحدر من أسرة ميسورة تنتمي لطبقة مالكي الأرض أو الارستقراطية ويرى د. عتمان أن النقاد اعتبروا سافو شاعرة من الطراز الأول، ووضعوها إلى جوار هوميروس.
ويقول د. عتمان لم يكن تعليم بنات سافو فنون الرقص والموسيقى والشعر يهدف إلى تخريج المحترفات في هذه الفنون، وإنما يرمي، في الأساس، إلى تكريس الشخصية النسائية المتكاملة والصالحة للزواج، ومن الفتيات اللواتي علمّتهن سافو ووردت أسماؤهن في شعرها: انثيس، وجيرينو، وأناكتوريا، وجونجيلا، وأريجنوتا.
الآن، سأقطع، مسافة زمنية واسعة جداً، بل، سأقفز من سافو إلى الشعر اليوناني الحديث مضطراً إلى اختصار كل هذا الزمن الثقافي والتاريخي واليوناني رغماً عني، فلو أسلمت نفسي للذة البحث الصحفي في هذا الزمن، لاحتجت إلى تأليف كتاب في حدّ ذاته، وعلى أي حال، سأعتمد هنا، على كتاب «مختارات من الشعر اليوناني الحديث» للمترجم المصري محمد حمدي إبراهيم.
يقول محمد حمدي إبراهيم: إن تجربته مع الشعر اليوناني الحديث بدأت منذ العام 1973.. وأنه عكف على قراءة متأنية لعيون الشعر اليوناني الحديث سنوات عديدة.. وهذا القول يجعلنا مطمئنين إلى ترجمة د. إبراهيم من حيث اللغة، فالرجل ينقل لنا عن اليونانية مباشرة، اللغة التي درسها في سبعينات القرن العشرين في أثينا.

دراما

بدأ د. إبراهيم من مرحلة سمّاها «الفترة المبكرة» من القرن العاشر وحتى 1453 ميلادية، وهنا يشير د. إلى ملاحم قديمة ستكون أساساً في بناء الشعر اليوناني مثل ملحمة «ذيجنيس اكرتياس» وملحمة «كاليماخوس وخريسوري، وغيرها من ملاحم شعرية يونانية تقع في إطار الشعر الملحمي اليوناني».
ينتقل د. إبراهيم إلى ما سمّاه «المدرسة الكريتية 1453-1669» وخلال هذه الفترة ظهرت دراما شعرية بعنوان «إروتوكريتوس» ودراما دينية عنوانها «تضحية إبراهيم» ويرجح الباحث أن مؤلف هذه الدراما شاعر مجهول.
مدرسة الجزر الأيونية تبدأ من 1669 وإلى 1830، في حين أن مدرسة الفناريين أو مدرسة الفنار في تاريخ الشعر اليوناني تمتد من 1830 وإلى 1880 وهي الفترة التي انفتح فيها الشعراء اليونانيون على الثقافة الأوروبية، ثم ننتقل بسرعة أيضاً إلى «المدرسة الأثينية الجديدة» من العام 1880 – وإلى العام 1922، ثم يشير الباحث إلى الشعر اليوناني المعاصر من العام 1922، وإلى العام 1945، وذلك، كما يقول بعد انكسار حدّة المدرسة الرومانسية التي خضع لها شعراء المدرسة الأثينية عموماً.
ترجم د. إبراهيم نصوصاً لثلاثة وسبعين شاعراً وشاعرة.

توظيف

يعتمد الشعر اليوناني على الأساطير اليونانية، والكثير من الشعراء اليونانيين يوظفون هذه الأساطير في قصائد طويلة أو حتى قصيرة.
ثورة اليونان في العام 1821 ضد الاحتلال التركي حاضرة في الكثير من هذا الشعر.
بعض الشعراء شاركوا في الحرب البلقانية وقاوموا بأنفسهم الاحتلال الألماني لليونان.
لاحظت أن الشعر اليوناني في النصف الأول من القرن العشرين وبعده، ظل نائياً عن تأثيرات الحداثة الأوروبية «الدادائية، السوريالية مثلاً».
بعض الشعراء اليونانيين عندهم تأثيرات بعمر الخيام، وهناك شعر ساخر، وشعر يتمحور حول موضوعات: الحب،
الذات الإغريقية، الإسكندرية، طروادة، الطبيعة، الحرب «ضد الأتراك والألمان والطليان» كلها موضوعات موجودة في الشعر اليوناني.

المصدر : صحيفة الخليج