على مدى الأيام الماضية، أثارت التحركات التي تقودها شخصيات عامة ومسؤولون سابقون في مصر لإنشاء حزب جديد تحت مسمى “اتحاد مصر الوطني”، ينبثق من اتحاد القبائل والعائلات المصرية برئاسة رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية ومنصات التواصل الاجتماعي. وطرحت هذه التحركات تساؤلات حول دوافع تأسيس حزب جديد في البلاد.

ووفقاً لتقديرات الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، يوجد في مصر 87 حزباً سياسياً مشهراً. وعلى رغم هذا العدد الكبير، يشير مراقبون إلى أن برامج هذه الأحزاب “لم تصل بالشكل المطلوب إلى الشارع وتطلعاته”. متسائلين عن الفائدة التي قد تضيفها أحزاب أخرى إذا لم تقدم أفكاراً وبرامج جديدة وفعّالة.

أحزاب “المساعدات”

يقول أستاذ الاجتماع السياسي سعيد صادق إن شريحة واسعة من المصريين “لم تعد مهتمة بالحياة الحزبية، لقناعتهم بأنها لا تسعى للوصول إلى الحكم أو تقديم برامج حقيقية، وهو ما يُعتبر الأساس في تكوين الأحزاب”. مشيراً إلى أن غالبية المصريين اتجهوا إلى “البحث عن بدائل، منها الانجذاب إلى صفحات على منصات التواصل الاجتماعي التي تتماشى مع أفكارها”.

وأضاف صادق، “تظل الأحزاب المصرية، على رغم كثرتها، إما موالية للنظام أو غير فاعلة، ولا يوجد حزب يقدم معارضة حقيقية أو مشروعاً مختلفاً. ما جعل المشهد السياسي في مصر يتحول بشكل تدريجي إلى منابر للوجاهة الاجتماعية”.

ويبدي الشاب الأربعيني مراد الألفي اندهاشه من وجود 87 حزباً في مصر، إذ إنه لا يعرف منها سوى 8 أحزاب منها فقط، على رغم اهتمامه بالسياسة. مشيراً إلى أنه حاول أكثر من مرة الانضمام إلى أحزاب، لكنه “لم يجد بينها من يملك برنامجاً يقدم جديداً”، موضحاً “من الممكن أن نجد نائباً معارضاً في البرلمان، لكن لا يوجد كيان يقدم معارضة حقيقية. كل الأحزاب تقدم الدعم المطلق، ولا أجد فرقاً بين هذه الأحزاب سوى اختلاف الأسماء”.

ويضيف الألفي، في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “لا توجد أحزاب مسموح لها بعقد ندوات لمناقشة الأزمات بحرية، ووجودها بات مقتصراً على توزيع مساعدات مثلما تفعل مبادرات خيرية مثل (حياة كريمة) أو (جمعية الأورمان)”. متسائلاً “ما الفرق بينها وبين هذه الجهات؟ ولماذا أهتم بخوض تجربة معها؟”.

وبسؤال المواطن المصري عما يريده من الأحزاب، قال “أن يناقش الحزب الأزمات بجرأة، ويقدم أفكاراً مختلفة، ويطرح بدائل أو رؤى مغايرة، وأخيراً أن يسعى للوصول إلى الحكم كما هو المفترض من إنشائه”. لافتاً إلى أنه في السابق “كنا ننتقد (الإخوان المسلمين) لأنهم استخدموا الخدمات لكسب التأييد، فلماذا يتكرر النهج نفسه؟ وما الذي يفرق الحزب الجديد المزمع تدشينه عن غالبية الأحزاب الموجودة سوى الاسم؟”.

هل يصل صوت الأحزاب إلى الشارع؟

يتوافق مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية، مع الآراء السابقة. ملقياً الضوء على غياب المناخ السياسي الحر الذي يسمح بظهور أحزاب حقيقية تمثل المواطنين ولها قواعد شعبية. في رأي السيد أن “فتح المجال السياسي هو الأساس الذي يمكّن الأحزاب من القيام بدورها”. مشيراً إلى أن غالبية الأحزاب “تتبنى نهج التأييد والدعم الكامل لسياسات الحكومة، من دون الاهتمام بشكل جدي بالأزمات التي تواجه المواطن، مما يفقدها زخمها في الشارع”.

يقول أستاذ العلوم السياسية، “لو كان هناك تنوع حقيقي، لوجدنا أحزاباً قوية تعبر عن تيارات مختلفة، وخفوت الأحزاب واضح في الحياة السياسية. فالتواصل مع المواطنين أحد أدواته الرئيسة هو الصحف، لكن هذا مفقود، ونرى وسائل الإعلام المصرية نادراً ما تستضيف ممثلين عن الأحزاب ذات التوجهات المستقلة التي لا تؤيد الحكومة بشكل مطلق”. معتبراً أن الحزب الحقيقي يجب أن يعكس اهتمامات قطاعات متنوّعة من المجتمع، ويجذب المواطنين حول قضاياه، وهو ما لا يتحقق في ظل الأوضاع الراهنة.

وتشير دراسة بعنوان “الأحزاب السياسية في المجتمع المصري”، أنجزتها الباحثة أمل فراج، إلى أن الأحزاب السياسية في الدول النامية تتميز بطبيعة خاصة تتجلى في صغر قاعدتها الجماهيرية، وضعف اتصالها بالجماهير، وانقطاع علاقتها بهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحت أستاذ مساعد قسم الاجتماع بجامعة القاهرة في دراستها المنجزة في عام 2021، أن هذه الخصائص “انعكست على الأحزاب السياسية في مصر، حيث أظهرت نتائج الدراسة أن 57 في المئة من المبحوثين غير المنتمين حزبياً يعتقدون أن الأحزاب ليس لها وجود واقعي، بينما يرى 43 في المئة أنها موجودة، لكنها غير مؤثرة على الصعيدين الحكومي والجماهيري”. مشيرة إلى أن 80 في المئة من المبحوثين المنتمين حزبياً يعتقدون أن الأحزاب لها وجود واقعي، لكنها لا تزال غير مؤثرة على المستوى الحكومي أو الجماهيري.

بسؤاله “هل يحتاج الشارع إلى حزب جديد؟”، يجيب الشاب الثلاثيني محمد الغنيمي “ما أحتاجه هو حزب يقدم أفكاراً جادة وقابلة للتطبيق، ويمتلك رؤية واضحة، حتى لو كان مؤيداً للسلطة، هذا الأمر لا يزعجني”.

ويسرد الغنيمي محاولته في الانضمام إلى أحد الأحزاب رفض أن يسميها، “منذ أيام حضرت لقاءً لأحد الأحزاب، بغرض الانضمام إليه، ولم أشعر أن التجربة اختلفت عن جلستي في المقهى. الفارق الوحيد أن المقهى الذي يجمعني بأصدقائي غير مرخص، بينما الحزب مرخص”.

ويضيف، “أصدقائي انضموا إلى أحزاب فقط للحصول على الكارنيه والتقاط صور مع مسؤولين بالأحزاب. بالنسبة لهم، الكارنيه يجعلهم يشعرون بالحماية، وأنهم قريبون من النظام، لكنهم لم يستفيدوا بأي شيء فعلي من هذه الأحزاب”.

ويختتم، “تعدد الأحزاب أمر جيد في ظاهره، لكن شرط أن تأتي بأفكار ورؤى مختلفة. للأسف، معظم الأحزاب اليوم متطابقة في خطابها، وهذا يضعف تأثيرها. الأحزاب الحالية أصبحت أشبه بالكافيهات المرخصة”.

ويضم البرلمان المصري 14 حزباً، يتصدرها حزب مستقبل وطن بـ320 مقعداً، بينما يمتلك “الشعب الجمهوري” 50 مقعداً. ويأتي “الوفد” بـ39 مقعداً، يليه “حماة الوطن” بـ27 مقعداً، ثم “النور” الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب “المؤتمر” بـ8 مقاعد.

إعادة استنساخ أم تعددية حزبية؟

يقول المتخصص في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، “الأمر ليس متعلقاً بحزب جديد فقط، بل بالسؤال: هل هو حزب حقيقي ينبت من الجذور، أم مجرد ديكور؟ هل نابع من الشعب وضميره ومعبر وممثل لفئات منه، أم حزب يسقط من أعلى، تصنعه السلطة لخدمة مسار أو هدف أو شخص؟ هذا ليس حزباً”. موضحاً أن غالبية الأحزاب في مصر “لم تنبت من أسفل، ومن نبت من أسفل قُطعت جذوره بسبب التصرفات الأمنية”.

وشدد عمار على أن المواطن العادي سيهتم بالأحزاب، وينضم إليها إذا وجد حياة سياسية حقيقية، “رأينا أحزاباً كانت لها قواعد جماهيرية عريضة في أوقات سابقة. إذا استمرت الحياة السياسية على حالها، وشهدت منافسة حقيقية، ستكون هذه هي التربة التي تنشأ فيها الأحزاب وتقوى. أما في غياب هذا المناخ، تُدمّر الأحزاب وتموت وتُلاحق حتى تنتهي إلى لا شيء، كما نرى الآن”.

الأحزاب الحالية تعاني من إعادة إنتاج النسخ ذاتها، بحسب عمار الذي أوضح “نرى أحزاباً بنفس النسخة تُعاد تدويرها بطرق مختلفة وأسماء متعددة. هذه ليست تعددية حقيقية، بل مجرد تعددية شكلية أشبه بعرائس الماريونيت، حيث تتجمع الخيوط كلها في يد واحدة”.

وأضاف أن كثرة الأحزاب المؤيدة للنظام “تهدف إلى الإيحاء بوجود تعددية شكلية، والمواطن بحاجة إلى أحزاب حقيقية تقوم بعدة أدوار، منها تعليم السياسة، وتمثيل الناس، وصناعة رجال دولة”. موضحاً “في مناخ سياسي حقيقي، الحزب يمثل مكوناً أساسياً للمؤسسة السياسية الحديثة المرتبطة بالديمقراطية. المشكلة ليست في كلمة حزب، بل في تفريغها من مضمونها، إذ إننا بحاجة إلى أحزاب ذات معنى حقيقي، وليست مجرد لافتات عقيمة لا قيمة لها”.

بينما رأى الناشط السياسي عمر قناوي أن الحزب الجديد قد يُهمّش أحزاباً قائمة بالفعل، بخاصة مع التركيز المتزايد على كيانات مثل اتحاد القبائل العربية، ما يثير الاستغرب من الاهتمام بـ”القبيلة” في السياسة المصرية، وهو أمر غير مألوف وغريب.

ويقول قناوي “ما نحتاجه هو أن تكون الأحزاب أكثر شجاعة، وأن يكون لها خطاب قوي يتفاعل معه الشارع، لكن الأحزاب، بما فيها المعارضة، لا تتحرك بالتوافق مع صوت الناس”. معتقداً أن حالة الجمود السياسي الحالية “تفتح المجال لانتشار الأفكار المتطرفة، حيث أصبحت المرجعية الأساسية للناس هي رجل الدين بدلاً من رجل السياسة”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية