يعيش قطاع السياحة في الجزائر على وقع تضاعف عدد الفنادق بشكل لافت، سواء التي دخلت حيز النشاط أو التي لا تزال قيد التشييد، الأمر الذي يدفع إلى التفاؤل بمستقبل سياحي مزدهر في البلاد، لكن بالعودة إلى عدد السياح الأجانب أو المحليين يظهر أن الاستقطاب لا يزال بعيداً على رغم التحسن، ما يثير تساؤلات حول الاهتمام الكبير برفع عدد الفنادق في الجزائر.

ويستفيد قطاع السياحة في الجزائر من جهود لا يمكن إنكارها مقارنة مع وقت سابق، إذ تتخذ الجهات المعنية إجراءات لافتة لتنشيط الدورة السياحية مثل تسهيل منح التأشيرات للأجانب، وتحسين الخدمات من الاستقبال والإطعام والإرشاد والمبيت، والأمر نفسه في ما يتعلق بالسياحة المحلية أو الداخلية، غير أن تشييد وإنجاز المؤسسات الفندقية بات ملاحظاً لدى كل متجول بين شوارع وسواحل مختلف مناطق البلاد.

وتكشف وزارة السياحة عن تعزيز الحظيرة الفندقية بـ 56 مؤسسة فندقية خلال عام 2023، بقدرة إيواء تعادل 6171 سريراً، ليرتفع إجمالي عدد الفنادق إلى 1638 بطاقة استيعاب تبلغ أكثر من 151 ألف سرير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأمام الغموض الذي يكتنف أسباب مضاعفة عدد الأسرّة، تجيب الجمعية الجزائرية للسياحة والأسفار والصناعة التقليدية بأن الجزائر في أمس الحاجة لأماكن إيواء بسيطة ونظيفة تلبي حاجات السياح، والأمر لا يتطلب فنادق ضخمة بأسعار خدماتية خيالية. مؤكدة أن “امتلاك الفنادق منصات إلكترونية خاصة يسهم في اعتماد التأشيرة الإلكترونية التي من شأنها إنعاش قطاع السياحة”.

وأوضحت الجمعية أن إنجاز المرافق الفندقية يساعد على رفع عدد السياح وخفض الأسعار، بشرط أن تكون المؤسسات المشيّدة من نوع قرى سياحية وليس فنادق ضخمة أسعارها ليست في متناول الجميع، داعية إلى مراجعة الخدمات والأسعار.

الذهنيات أولاً

لكن المرشد السياحي عبدالعزيز كريمو يعتبر أن غياب الثقافة السياحية واستمرار الذهنيات البالية والممارسات السلبية هي التي يجب تغييرها في الجزائر قبل بناء الفنادق. مضيفاً لـ”اندبندنت عربية”، أن “توفير خدمات راقية وتجاوز النظرة الاستعلائية في الشارع بشكل يجد السائح سواء الأجنبي أو المحلي راحته وسعادته أمر بالغ الأهمية من أجل تنشيط السياحة بكل أنواعها، إذ لا جدوى من مؤسسات فندقية بخدمات ضعيفة ومنفرة”.

وقال إن بناء الفنادق بالشكل الذي نراه حالياً يطرح عديداً من التساؤلات، لا سيما أمام قوافل الجزائريين المغادرين نحو الجارة تونس من أجل السياحة.

وتابع كريمو أن رفع القدرة الاستيعابية بمضاعفة عدد الفنادق للالتحاق بالدول السياحية الكبرى يبقى هدف القائمين على القطاع بحسب ما يبدو، بخاصة في ظل الأسعار المرتفعة واستمرار غياب الثقافة السياحية، على رغم الجهود المبذولة وعلى رأسها تسهيلات الحصول على التأشيرة.

وختم أن “تغيير السياسات والعقليات يسبق بناء الفنادق، لأن كثرة الغرف الفارغة لا تشجع على الاستمرار في النشاط، بالتالي إعلان الإفلاس والدخول في بطالة إلى حين”.

 

ولعل مخترع “الخيمة العجيبة” حكيم العايب، وهو صاحب وكالة سياحية، أراد بصنيعه أن يثبت للمسؤولين على القطاع الحاجة إلى أفكار خدماتية راقية وجديدة تستقطب السياح بعيداً من الفنادق الضخمة، حيث أنه قدم ابتكاراً يحتوي على كل ضروريات الإقامة مهما كان المكان أو الوجهة. وقال في تصريحات صحافية إن الفكرة كانت بديلاً للمرافق السياحية المعتادة، وتوقع استحسان السياح الأجانب والمحليين لابتكاره وتغيير نظرتهم عن الإيواء.

وزارة السياحة الجزائرية تقول في آخر تقرير لها، إن النشاط السياحي شهد ارتفاعاً كبيراً عام 2023 من حيث إجمالي الوافدين، حيث تمّ تسجيل نحو 3 ملايين و300 ألف سائح، بزيادة قدرها 135.5 في المئة مقارنة بعام 2022، كما عرف نمو عدد السياح الأجانب الوافدين زيادة بـ 66.68 في المئة، وهي الأرقام التي ربما شجعت على رفع عدد الفنادق وتحريك المشاريع السياحية.

قبل بناء الفنادق

وتواصل الجزائر عمليات إنجاز وتشييد الفنادق وتجديد القديمة بشكل لافت، إذ كشفت مديرية السياحة والصناعة التقليدية، في يونيو (حزيران) الماضي، عن نحو 198 مشروعاً استثمارياً سياحياً في طور الإنجاز لتعزيز الحظيرة الفندقية بمحافظة وهران غرب البلاد وحدها تضاف إلى 206 مؤسسات فندقية ناشطة، لكنها شددت على أهمية البحث العلمي والأكاديمي في عملية تشخيص النقائص من أجل الإسهام في النهوض بقطاع السياحة في الجزائر.

كما شدد مدير وحدة البحث في علوم الإنسان للدراسات الفلسفية والاجتماعية والإنسانية عبد القادر بوعرفة، على ضرورة نشر الوعي السياحي وسط المجتمع من أجل إعطاء دفع للسياحة الداخلية والخارجية، لا سيما لدى التلاميذ من خلال تخصيص فقرات حول السياحة في البرامج التربوية، وتنظيم خرجات سياحية، وفتح قنوات تلفزيونية تحمل شعارات جذابة للترويج للمقصد الجزائري.

 

الاتجاه نفسه سار عليه الباحث في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، حين قال إن “عقلية الخوف من الآخر التي تعبر عنها نظرة البيروقراطي الريعي، هي التي يجب العمل على تغييرها قبل بناء الفنادق التي سيكون لملاكها دور أكبر ربما في فتح البلد على السائح الأجنبي من هذا البيروقراطي الخائف الذي يفكر بمنطق أن البلد ليس في حاجة إلى مال السائح الأجنبي”.

وما يؤكد عدم جدوى تشييد عدد مرتفع من الفنادق ما لم يتم اعتماد سياسية مدروسة، تناولت الحكومة مرات عدة مسألة تسقيف أسعار خدمات الإيواء بالمؤسسات الفندقية والهياكل الأخرى المعدّة للإيواء ذات الطابع التجاري، إذ أمام انتشار الفنادق وإنجاز أخرى تبقى كلف قضاء ليلة واحدة غالية، وما ظهور إعلانات عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بشراء شقق ومراقد عائلية إلا دليلاً على أن الأمر لا يتعلق بالعدد بقدر ما هو مرتبط بالخدمات.

وتتراوح أسعار ليلة واحدة لشخص واحد في مراقد المدن الكبرى بين 2000 و4500 دينار جزائري (من 95 إلى 210 دولارات)، بينما في الفنادق ذات الأربع نجوم بين 14 و17 ألف دينار جزائري (ما يعادل 100 – 130 دولاراً)، وقد تصل في فندق الخمس نجوم إلى 30 ألف دينار (نحو 210 دولارات).

استراتيجيات تسويق

إلى ذلك، يرى أستاذ الاقتصاد عبدالله بوراوي في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أنه بحظيرة تتوافر على أكثر من 1600 فندق، ومشاريع قيد الإنجاز، وأخرى تنتظر الانتهاء من الدراسات، إلى جانب الإجراءات التحفيزية والتسهيلات المقدمة من طرف الجهات الوصية، بات من الضروري وضع استراتيجية تسويق دقيقة ومربحة من أجل الوصول إلى صناعة سياحية حقيقية منافسة، مضيفاً أن بلاده تمتلك مؤهلات سياحية مهمة تجعلها في قلب اهتمامات شركات الاستثمار السياحي الدولية.

ويواصل بوراوي أن التسويق السياحي عامل مهم في تحقيق التنمية لما يقوم به من دور في التعريف والترويج للمنتج السياحي، لذا يجب اعتماد خطة شاملة لتحقيق الأهداف والغايات، مبرزاً أن تشييد المؤسسات الفندقية من دون مرافقتها بالثقافة السياحية والتكوين والاحترافية تبقى مجهودات غير كافية قد تستنزف الأموال من دون تحقيق الأرباح.

وختم بالتساؤل حول أسباب سعي الحكومة إلى رفع عدد الفنادق في حين أن الأسعار تبقى مرتفعة مما يدفع السائح سواء المحلي والأجنبي إلى النفور والبحث عن البدائل.

نقلاً عن : اندبندنت عربية