جاء إعلان شركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية نهاية الأسبوع الماضي عن طرح موديلات سياراتها الجديدة ذاتية القيادة في الصين وأوروبا مطلع العام المقبل ضمن محاولات تحسين وضع مبيعات الشركة التي تتراجع في الصين منذ مطلع هذا العام لصالح مبيعات الشركات الصينية.

تعد السوق الصينية أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، مما جعل الشركات الصينية لا توفر جهداً لمنافسة عملاق القطاع “تيسلا” والشركات الغربية الأخرى.

وإلى جانب هيمنة الشركات الصينية على السوق المحلية، فإن موديلاتها من السياسات الكهربائية والهجينة تغزو الأسواق الخارجية بقوة على رغم فرض أميركا وأوروبا رسوماً إضافية وتعرفة جمركية كبيرة عليها.

ونتيجة تطوير الشركات الصينية موديلات حديثة من السيارات الكهربائية بسرعة، يميل المشترون في السوق المحلية لشراء سياراتهم على حساب سيارات “تيسلا” وغيرها من الشركات الغربية المنافسة، ويشير تحقيق مطول لصحيفة “فايننشال تايمز” نشرته أمس السبت.

وبحسب بيانات شركة “أوتوموبيليت” الاستشارية ومقرها شنغهاي تراجع نصيب “تيسلا” من السوق الصينية في الـ7 أشهر الأولى من هذا العام إلى 6.5 في المئة مقابل تسعة في المئة للفترة ذاتها العام الماضي.

كان ذلك، إضافة إلى التباطؤ بصورة عامة في سوق السيارات الكهربائية عن الفورة التي شهدها حتى قبل عامين، وراء مسارعة الشركة الأميركية وصاحبها الملياردير إيلون ماسك إلى الإعلان عن طرح السيارات ذاتية القيادة الجديدة في الصين، خصوصاً بعد تراجع مبيعات شركته في السوق الصينية في النصف الأول من العام إلى 9.2 مليار دولار مقابل 10.6 مليار دولار في النصف الأول من العام الماضي 2023.

تطوير صيني

سيمثل طرح سيارات “تيسلا” ذاتية القيادة في الصين تحدياً للشركات الصينية رغم جهودها لتطوير سياراتها ومكوناتها، فالنظام الذي ستستخدمه الشركة الأميركية للقيادة الذاتي أكثر تقدماً من نظائره الصينية، لكن يظل من غير الواضح إن كان ذلك سيغير من أنصبة الشركات في السوق المحلية، كما يرى المحللون.

وإن كان الأرجح أن يكون التأثير أكبر في أوروبا، إذ تتنافس السيارات الكهربائية من إنتاج الشركات الصينية مع شركات كبرى مثل “تيسلا” و”فورد” وشركات أوروبية مثل “فولكس فاغن” وغيرها.

بحسب ترتيب لشركة تحليل الاستخبارات التكنولوجية الشهيرة “أي بي أي ريسيرش” احتلت شركة “بي واي دي” الصينية المرتبة الأولى متقدمة على “تيسلا” للمرة الأولى في تطوير منتجات صناعة السيارات الكهربائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما نشر موقع مجلة السيارات الكهربائية “أي في ماغازين” فإن تقييم شركة الأبحاث لنحو 18 منتجاً أصلياً مصنعاً للسيارات الكهربائية وضع الشركة الصينية “بي واي دي” في المرتبة الأولى، تليها الشركة الأميركية العملاقة “تيسلا” ثم شركات أخرى مثل “جنرال موتورز” و”هيونداي” و”فولكس فاغن” و”فورد” و”هوندا”.

يعني ذلك تقدم الشركة الصينية في تطوير مكونات السيارات الكهربائية عن نظيراتها المنافسة بما فيها “تيسلا”.

من بين تلك المكونات التي تطورها الشركات الصينية بقوة تكنولوجيا بطاريات السيارات الكهربائية وتصميمات لوحات التشغيل الكهربائية وغيرها من مكونات السيارة، إضافة طبعاً لنصيب السيارات الكهربائية من إجمالي مبيعات الشركة.

ليس غريباً إذاً أن تجد السيارات الكهربائية الصينية تغزو الأسواق العالمية، على رغم القيود المتزايدة التي تفرضها الدول الغربية، حتى في وقت تشهد فيه سوق السيارات الكهربائية تراجعاً في الآونة الأخيرة، وهو ما أدى إلى تدهور أسهم شركات كثيرة في القطاع بل وإفلاس بعضها، خصوصاً من الشركات الناشئة.

عقوبات وقيود

مع احتدام المنافسة في سوق السيارات الكهربائية المتباطئة، وضمن جهود الولايات المتحدة المستمرة في صراعها الاقتصادي مع بكين، فرضت رسوم وتعرفة جمركية هائلة على السيارات الكهربائية الصينية المستوردة للأسواق الأميركية بلغت في بعض الأحيان نسبة 100 في المئة، كذلك فعلت كندا أيضاً بفرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية مماثلة لتلك العقوبات الأميركية.

أما الاتحاد الأوروبي، ففرض رسوماً جمركية إضافية على السيارات الكهربائية الصينية بنسب ما بين 10 و25 في المئة.

على رغم كل هذه القيود والعقوبات على صادرات بكين من السيارات الكهربائية تشير أرقام أغسطس (آب) الماضي إلى زيادة كبيرة في مبيعات شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية مثل “بي واي دي” و”لاي أوتو” و”نيو” و”إكس بنغ”، كما ذكر تقرير لشبكة “يويونيوز” هذا الأسبوع، وزادت مبيعات السيارات الكهربائية الصينية بمعدل سنوي الشهر الماضي 30 في المئة تقريباً.

من شأن تلك الأرقام أن تزيد من اشتعال حرب السيارات الكهربائية، خصوصاً في سوق تشهد تراجع الطلب عليها. وإذا كانت العقوبات والرسوم الهائلة لا تحد من غزو السيارات الكهربائية الصينية أسواق أميركا الشمالية وأوروبا فإن الشركات الغربية المنافسة للشركات الصينية سيكون عليها إما خفض أعيار سياراتها أكثر أو محاولة كسب نصيب أكبر من السوق بتطوير موديلات أكثر تقدماً من موديلات الشركات الصينية، أي بمعنى آخر زيادة نوع جديد من الطلب على سيارات مختلفة عن تلك الصينية المنافسة.

يقدر حجم سوق السيارات الكهربائية بنحو 500.48 مليار دولار خلال العام الماضي 2023، كما أنه من المتوقع أن تصل إيرادات سوق السيارات الكهربائية في العام الحالي 2024 إلى 786.2 مليار دولار على مستوى العالم، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.

حرب النصيب من السوق

يظل نصيب شركات صناعة السيارات الصينية من السوق العالمية هو الأكبر عند 60 في المئة من المبيعات حول العالم في عام 2023، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، وهو رقم مرشح للزيادة في الأعوام المقبلة، فيما باعت الشركات غير الصينية 40 في المئة المتبقية.

وتنافس كل من “تيسلا” و”بي واي دي” على صدارة مبيعات السيارات الكهربائية في العالم، وفي الربع الأخير من العام الماضي 2023 تجاوزت “بي واي دي” “تيسلا” لتصبح أكبر شركة مصنعة للسيارات الكهربائية في العالم من حيث المبيعات، إلا أن الشركة الأميركية استعادت اللقب في الربع الأول من هذا العام.

في غضون ذلك، يرى الصينيون أن الغرب لا يحترم قواعد المنافسة في السوق كما يدعي، ويسعى إلى زيادة نصيبه من السوق ليس عبر تحسين المنتج وتقليل هامش الربح لزيادة المبيعات وإنما بفرض رسوم جمركية هائلة على الواردات من الشركات المنافسة.

في المقابل تقول الولايات المتحدة وأوروبا، إن هدف التعرفة الجمركية هو حماية أسواقها من “إغراق” الصين، لكن في النهاية هي حرب نصيب من السوق تمارس فيها الدول التي تفرض رسوماً هائلة على الواردات سياسات حمائية لتعزيز تنافسية منتجات شركاتها المحلية التي لا تستطيع المنافسة في السوق المفتوحة.

على سبيل المثال، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى حماية قطاع صناعة السيارات الذي يوظف نحو 14.6 مليون شخص، ويرى الأوروبيون أن القطاع مهدد بزيادة مبيعات السيارات الصينية بسرعة في السوق الأوروبية بفضل أسعارها التنافسية، إذ ارتفعت حصتها من أقل من اثنين في المئة من سوق السيارات الكهربائية بنهاية عام 2021 إلى قرابة ثمانية في المئة بنهاية العام الماضي 2023، وفقاً لمعهد “غاتو”.

وترد الصين على اتهامات الإغراق التي يبرر بها الغرب عقوباته بأن مزاياها في إنتاج السيارات الكهربائية تأتي من الابتكارات المستمرة، ونظام سلسلة التوريد الراسخ والمنافسة في السوق، لكن المسؤولين الأميركيين وغيرهم أثاروا مخاوف من أن أعواماً من الدعم الحكومي للصناعة وفرت فائضاً في الطاقة، مما يزيد من خطر إغراق المنتجات الصينية الزائدة الأسواق الخارجية وتقويض الإنتاج المحلي.

وتشير التوقعات إلى احتدام المنافسة أكثر مع تباطؤ نمو سوق السيارات الكهربائية حول العالم، بالتالي استمرار الحرب التجارية بين الصين والغرب على النصيب من هذه السوق، الذي بدا واعداً بقوة قبل نحو عامين ومبشراً بنمو هائل، إلا أن التردد في التحول في مجال الطاقة وتراجع الحماس لتنفيذ تعهدات الدول بمكافحة التغيرات المناخية عبر وقف الاعتماد على الوقود الأحفوري جعل المستهلكين يعودون لشراء سيارات تعمل بالبنزين أو السيارات الهجينة بدلاً من السيارات الكهربائية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية