الشارقة: رضا السميحيين
على مدى أكثر من أربعة عقود، شكل فيها معرض الشارقة الدولي للكتاب، فضاء ثقافياً تتلاقى فيه الأفكار، وتتجاور فيه الإبداعات في رحلة فكرية مفتوحة بين الأدب والفنون، من الشعر والسرد إلى النقد والمسرح، ومع كل دورة يكرس المعرض مكانته الهامة باعتباره رابطاً يصل الكتاب بالحياة، ويفتح أمام الكتّاب والمبدعين الإماراتيين والعرب آفاقاً أرحب لتجديد لغتهم، وإعادة اكتشاف علاقتهم بالثقافة والوعي.
وفي دورته الحالية، التي تزينت بعنوان «بينك وبين الكتاب»، شهد المعرض تتويج الكاتب والشاعر الدكتور عبد الحكيم الزبيدي بجائزة أفضل كتاب إماراتي – الإبداع الأدبي (مسرح)، عن عمله «ليالي قرطبة.. نصوص مسرحية»، الصادر عن الهيئة العربية للمسرح.
وهو عمل مسرحي يستلهم الذاكرة الأندلسية ليعيد من خلالها طرح قضايا الحاضر بإيقاع شعري ودرامي متقن، يضم العمل ثلاث مسرحيات، تتحاور فيها شخصيات تاريخية ومتخيلة، يناقش الزبيدي فيها مصير الشاعر والمثقف، ويربط بين إرث الأندلس وتحديات اللحظة العربية، كما يعيد هذا العمل الاعتبار لقيمة النص المسرحي المكتوب إلى جانب العرض، وبهذا الحضور، يعيد الزبيدي الاعتبار للنص المسرحي المكتوب، ويرسخ موقع المسرح الإماراتي في مسيرة التجديد، وطرح مساءلة الذات، وتوسيع دائرة الحوار الثقافي بمنظور معاصر، ليعيد للمسرح العربي روحه الجمالية والفكرية.
في هذا الحوار، يتحدث د. الزبيدي لـ«الخليج» عن تجربته المسرحية، ورؤيته لدور المسرح في تشكيل الوعي العربي، وعلاقته بالشعر والتاريخ، وما تمثله له جائزة المعرض..
*فوزك بهذه الجائزة المرموقة، ماذا يمثل لك شخصياً، وكيف ترى انعكاسه على المشهد المسرحي الإماراتي؟
-لا شك أنني أشعر بسعادة غامرة لهذا التكريم وسوف يدفعني إلى كتابة المزيد من النصوص الإبداعية في مجال المسرح، الذي أطرقه لأول مرة، فأنا أعد نفسي في المقام الأول شاعراً، وقد صدرت لي مجموعتان شعريتان، وقُررت إحدى قصائدي على طلاب الصف الثالث الثانوي، وتُرجمت بعض قصائدي إلى الإنجليزية والمالايالم. ولا شك أن اهتمام الجهات الثقافية في الشارقة بتشجيع كتابة النصوص المسرحية له أعظم الأثر على إنعاش الحركة المسرحية في الدولة.
*رمز
*ليالي قرطبة عنوان يحمل نكهة تاريخية وشاعرية، ما الذي ألهمك لكتابة هذا النص؟ وهل كانت قرطبة رمزاً أم فضاء مسرحياً لقضايا معاصرة؟
(ليالي قرطبة) هو عنوان إحدى المسرحيات الثلاث التي يحتوي عليها الكتاب. وتدور أحداثها في مدينة قرطبة في الأندلس في أوج عصر الازدهار الأدبي والسياسي، وتتناول طرفاً من سيرة الشاعر ابن زيدون وقصة حبه لولادة بنت المستكفي وصراعه مع شعراء عصره. والكاتب المسرحي يتخذ من التاريخ معادلاً موضوعياً لقضايا معاصرة، وسأترك للقراء والنقاد اكتشاف المعاني والدلالات التي تحتويها النصوص الثلاثة وكلها مسرحيات تاريخية.
*في رأيك، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه المسرح اليوم في إعادة تشكيل الوعي الثقافي العربي؟
-إن المسرح اليوم، رغم تراجعه النسبي أمام وسائط الإعلام الحديثة، لا يزال يمتلك قدرة فريدة على إعادة تشكيل الوعي الثقافي العربي من خلال عدة أدوار جوهرية. إذ يعيد طرح الأسئلة الكبرى حول الهوية والحرية والعدالة بلغة فنية تجمع الفكر بالعاطفة. إنه مساحة للتأمل الجماعي والمساءلة، تعيد للجمهور حسَّه النقدي وتربطه بجذوره الحضارية في مواجهة التحولات المعاصرة.
*هل ترى أن النص المسرحي لا يزال يحتفظ بقدرته على التأثير في زمن الصورة والمنصات الرقمية؟
-أرى أننا أصبحنا بحاجة أكبر للمسرح في زمن العزلة الرقمية، فالمسرح يُعيد روح اللقاء الإنساني، إذ يجمع الممثلين والجمهور في فضاء واحد يتقاسمون فيه التجربة ذاتها في اللحظة نفسها. هذا التفاعل المباشر يخلق وعياً جمعياً متجدداً يعيد إلى الثقافة العربية بُعدها الجماعي والتواصلي.
*بعد ليالي قرطبة، ما هو مشروعك المسرحي القادم؟
-في الواقع لم أفكر بعد في مشروع مسرحي آخر، وأنا أترك نفسي على سجيتها لتختار النوع الأدبي المناسب سواء الشعر أو المسرحية أو القصة القصيرة، التي لي فيها محاولات قليلة منشورة في المجلات.
المصدر : صحيفة الخليج
