شهد سمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة، رئيس مجلس القضاء، أمس الأربعاء، جلسة حوارية بعنوان: «تسوية المنازعات في الشارقة.. آفاق جديدة لحلول ودية وعدالة مستدامة»، نظمها معهد الشارقة للعلوم القضائية، ضمن الفعاليات المصاحبة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب.
وأكد سمو رئيس مجلس القضاء، على ضرورة انتهاج الفكر التصالحي في المجتمع، وجعل الصلح بين الناس نبراساً يهتدي به أفراد المجتمع في تعاملاتهم، لما لذلك من أثر كبير في تعزيز التلاحم الاجتماعي وترسيخ قيم التسامح والتفاهم، وبما يسهم في تحقيق السلم المجتمعي واستقرار الأسر وحماية النسيج الاجتماعي.
وأوضح سموه، أن برنامج «الخط المباشر» الذي تطرق إليه جميع المتحدثين يعتبر أحد الحلول للوصول إلى العدالة التصالحية، متمنياً سموه أن تسهم هذه الجهود في تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الحلول الودية وتجنب النزاعات، وأن تُحل النزاعات حتى قبل وصولها إلى البرنامج، داعياً سموه إلى تكامل الأدوار بين الجهات القضائية والإعلامية والمجتمعية لترسيخ ثقافة الصلح والتفاهم في مختلف القضايا.
شارك في الجلسة الحوارية كل من القاضي الدكتور محمد عبيد الكعبي رئيس دائرة القضاء، والمستشار الدكتور صلاح الحمادي رئيس نيابة في النيابة العامة بإمارة الشارقة، والعميد الدكتور محمد خميس العثمني مدير أكاديمية الشارقة للعلوم الشرطية، والدكتور عماد الدين حسين محكم مستقل ومستشار قانوني أكاديمي.
وأكد القاضي الدكتور محمد الكعبي، أهمية التركيز على تطبيق العدالة التصالحية لأنها تتناول محورين مهمين هما العدالة والصلح، وإيجاد حلول أخرى غير المنازعات للصلح بين الناس، مشيراً إلى وجود عدة حلول مثل التحكيم والوساطة والإصلاح الأسري وغيرها، التي تأتي وفقاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الداعمة للإصلاح قبل التوجه للقضاء، كاشفاً عن وجود إدارة في الهيكل التنظيمي لدائرة القضاء متخصصة في العدالة التصالحية، نظراً لأهميتها الكبيرة ومواءمتها نهج إمارة الشارقة.
وتناول أهم المبادرات التي تبنتها الدائرة، مبيناً أن الشارقة تمتلك العوامل والمقومات التي تساعدها على تحقيق أهداف العدالة التصالحية، ومن هذه المبادرات صندوق النفقة وهو أحد الحلول التي تسهم في تسوية القضايا وحل المشكلات، بجانب الاتفاقية الوالدية التي تحدد المبادئ وأخلاقيات العلاقة الوالدية بين الأطراف للحد من المشاكل والتفكك الأسري.
واختتم رئيس دائرة القضاء حديثه، متمنياً أن تكون الممارسات في الشارقة نموذجاً يستفيد منه الآخرون وتكون ضمن أفضل الممارسات التي ترتقي بالمجتمعات، مشدداً على ضرورة عقد الشراكات والتعاون مع المؤسسات الأكاديمية لتعزيز الجهود المبذولة، كاشفاً عن العمل على إيجاد مرصد وطني للعدالة التصالحية للحصول على أفضل النتائج ومشاركتها لتطوير منظومة العمل.
من جانبه، أكد المستشار الدكتور صلاح الحمادي، أهمية امتثال النهج القضائي الجديد في الإصلاح بين أفراد المجتمع، من خلال النظر في النزاع الوارد للنيابة والعمل على حله قبل تحويله لأروقة المحاكم، وذلك عبر الجلسات الودية وإيجاد الحلول لجميع الأطراف، مبيناً أن هذا نوع من أنواع حل النزاعات وتخفيف العبء على المحاكم في الإمارة.
وأكد أن النيابة العامة تعمل بتأن وتبسّط الإجراءات للوصول إلى حلول إيجابية، مبيناً أن خدمة التنازل عن الشكاوى تُقدم إلكترونياً لضمان سرعة حل المشكلة والنزاع، إضافة إلى تكثيف الحملات التوعوية، وأهمية الصلح وأنه الخيار الأول، متناولاً مبادرة مسار الصلح التي تتسم بالطابع الأسري وحل النزاعات بسرية تامة وبشكل ودي بعيداً عن الجهات الشرطية وبالتعاون مع عدة جهات محلية مدنية في الإمارة.
وبيّن أن مستقبل العدالة التصالحية مشرق في ظل المتابعة المستمرة والدعم الكبير من صاحب السمو حاكم الشارقة الذي يولي هذا الملف اهتماماً كبيراً، ومواكبة لإعلان دولة الإمارات بأن يكون عام 2026 عام الأسرة، الأمر الذي يؤكد اهتمام القيادة الرشيدة بالأسرة والمجتمع وأهمية تحقيق العدالة التصالحية وتطبيقه.
تحدث العميد الدكتور محمد خميس العثمني، عن دور الشرطة المجتمعية مشدداً على أهمية التواصل وبناء علاقة مع أفراد المجتمع، الأمر الذي يرفع من نسبة الشعور بالأمان وهذا ما يحدث في الشارقة التي بلغ فيها نسبة الشعور بالأمان 99.7٪ وفقاً لإحصائية صادرة من دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية، موضحاً أن التركيز على الصلح يؤدي إلى زيادة الترابط الأسري، كاشفاً أن شعار الشرطة هو «التراضي قبل التقاضي»، مشيراً إلى أن وصول الشخص للمحاكم والزج به في المنشآت الإصلاحية يؤثر في مستقبله.
وكشف أن الهيكل التنظيمي الشرطي يضم أقساماً تدعم الإصلاح بمختلف فئاته، ويضم مختصين مدربين على تناول قضايا النزاعات وتقريب وجهات النظر بين الأطراف، موضحاً وجود شراكات متعددة مع جهات حكومية وخاصة وجمعيات خيرية تعمل في سبيل حل كل خلاف ينشب في المجتمع وإيجاد بيئة خصبة لحل المشاكل.
واختتم مدير أكاديمية الشارقة للعلوم الشرطية، مؤكداً على أهمية الشراكة مع الشرطة المجتمعية ونشر هذا النهج والأسلوب بالتعاون مع الدوائر والهيئات الحكومية، والتوعية بضرورة التحلي بالتراحم لعدم الوصول إلى مرحلة التفكك الأسري، وانتشار الجريمة، الأمر الذي ينعكس بالسلب على المجتمع وأفراده.
تناول الدكتور عماد الدين حسين، التجارب الدولية الناجحة في العدالة التصالحية، وتطور طرق الوساطة على مر السنين، مشدداً على ضرورة وجود منصات متكاملة لتحقيق منظومة قضائية فاعلة، معتبرها أحد الممكنات التي تنتهجها الدول في العالم.
كما تحدث عن مبادرات القضاء الدولي حول العالم وأبرز الحلول العالمية للوصول إلى التسوية الودية، متناولاً بعض التجارب التي كانت نتائجها إيجابية على المجتمعات، مبيناً أن المصالحة تعتبر خياراً اقتصادياً واجتماعياً وفقاً للقيمة الفعلية التي تسجله على أمن المجتمع.
وأشار إلى أهم الأدوات التي يجب غرسها لتحقيق العدالة التصالحية ومنها تفعيل دور المؤسسات الخاصة باحتواء الشباب وصقل مهاراتهم وترسيخ مفهوم التسامح في عقولهم، إضافة إلى تضمين العدالة التصالحية في المساقات الأكاديمية، مؤكداً أن إمارة الشارقة تمتلك جميع المقومات التي تجعلها محققة لهذه العدالة.
وفي نهاية الجلسة الحوارية تسلّم سمو رئيس مجلس القضاء عدداً من الإهداءات والإصدارات التي طرحها مؤلفوها من منتسبي السلك القضائي في الإمارة بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، والتي تناولت موضوعات قانونية وقضائية متنوعة تعكس مستوى التطور المعرفي والمهني للقضاة وأعضاء النيابة العامة.
المصدر : صحيفة الخليج
