رفع تعرفة الكهرباء في سوريا.. إصلاح أم مجازفة؟

رفع تعرفة الكهرباء في سوريا.. إصلاح أم مجازفة؟

في بلد يعيش أغلب سكانه تحت خط الفقر، قررت الحكومة في سوريا إلقاء واحدة من أثقل أوراق الإصلاح الاقتصادي على طاولة المواطنين: فاتورة الكهرباء.

بدءاً من نوفمبر الجاري، أطلقت وزارة الكهرباء تعديلات واسعة للتعرفة، هي الأعلى منذ عقود، بما يصل إلى 60 ضعفاً في بعض الشرائح مقارنة بالتسعيرة أيام النظام السابق، وهو قرار وُصف بأنه دواء مر يضع الجميع أمام معادلة رفع التعرفة أو البقاء في العتمة وتعطّل الاقتصاد.

كلفة الإنتاج والدعم المستنزف

وزارة الكهرباء أوضحت أن التعرفة الجديدة تتوزع على أربع شرائح رئيسية، وتهدف إلى تغطية جزء كبير من تكلفة الإنتاج، مع بقاء الشريحة الأولى مدعومة بنسبة تقارب 60%.

اقرأ أيضاً: سوريا: إعفاء استهلاك الكهرباء من الرسوم المالية والإدارية

تناهز تكلفة إنتاج الكيلوواط/ساعة 15 سنتاً أميركياً، ما يفرض على الحكومة أعباء مالية تُقدَّر بأكثر من 75 مليون دولار شهرياً، بحسب المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، التي تُقدّر إنتاج البلاد الحالي بنحو 2200 ميغاواط، بينما الحاجة اليومية تبلغ 6000 ميغاواط.

سدّ هذه الفجوة يتطلب استثمارات كبيرة لا تقوى عليها الحكومة وحدها، فكيف بالحال مع وجود عجز دائم ما بين كلفة الإنتاج وسعر البيع.

تعديل التعرفة ضرورة

يعتبر مدير عام المؤسسة خالد أبو دي أن “تعديل التعرفة أصبح ضرورة” نتيجة اعتماد الإنتاج على الغاز والوقود المستوردَين. موضحاً لـ”الشرق” أن ساعات التغذية اليومية لا تتجاوز 8 ساعات، ما يعكس فجوة كبيرة بين العرض والطلب.

بدوره، يؤكد عبد الحميد سلات، مدير الإعلام في وزارة الطاقة السورية، أن خطوة تعديل التعرفة ضرورية “لضمان استدامة المنظومة الكهربائية وتحسين جودة الخدمة”، مشيراً إلى أن القطاع كان يتكبد خسائر سنوية تفوق مليار دولار بسبب الفارق الكبير بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع، مما أعاق مشاريع الصيانة والتأهيل وزيادة الإنتاج.

سلات أجاب “الشرق” حول التفاوت بين التعرفة أيام النظام السابق والجديد، بأنه “لم يكن هناك دعم مقدّم، إنما خسائر، إلى جانب عدم وصول الكهرباء للمواطنين لأكثر من ساعة يومياً، وبالتالي كانت فترة التشغيل وفقاً للجباية المحصّلة”.

مخاوف وتطمينات

بحسب بيانات وزارة الطاقة، يبلغ متوسط استهلاك الأسرة السورية نحو 1000 كيلوواط/ساعة شهرياً، ما يعني أن الفاتورة قد تتجاوز 1.5 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل راتب موظف حكومي بالكامل.

يشكو المواطن هيثم الحاج من زيادات الأسعار المتتالية التي “بدأت بالخبز والوقود والآن وصلت إلى الكهرباء”.

ويتساءل: “هناك افتراض بأن الأسرة يمكنها استهلاك 10 كيلوواط فقط يومياً لتبقى ضمن الشريحة المدعومة الأولى (حتى 300 كيلو واط) وهذا غير منطقي خاصة في فصل الشتاء، حيث الحاجة للإنارة والتدفئة أكبر بكثير”.

بينما يحذّر الخبير الاقتصادي عمار يوسف من أن القرار قد يؤدي إلى تضخم تسلسلي يطال أسعار السلع والخدمات، وزيادة تكلفة الإنتاج الصناعي والتجاري. وفي ظل عدم القدرة على رفع الأجور، فإن ذلك ينذر بجعل مستوى المعيشة في غاية الصعوبة، وفق تقديره.

يطال القلق أصحاب المصالح أيضاً، حيث يشير ماهر صفية، مالك مطعم شعبي في دمشق، إلى أن ارتفاع أسعار الكهرباء “يدخل مباشرة في تكلفة الإنتاج ليصبح عبئاً على أصحاب الأعمال والمستهلكين معاً”.

اقرأ أيضاً: مشروع ضخم لإعادة تأهيل الكهرباء في سوريا.. محادثات مع “سيمنز” و”جنرال إلكتريك”

وفي هذا الشأن يؤكد سلات، من وزارة الطاقة، أنه “لم يتم رفع التعرفة على القطاعات الخدمية الحساسة، بل على العكس جرت إعادة تنظيمها وخفضها بما يضمن استقرار تكاليف هذه الخدمات، وبالتالي لن يحدث أي ارتفاع في أسعار السلع أو الخدمات الأساسية، بل سينعكس القرار إيجاباً عبر تحسين الخدمة الكهربائية وتقليل الاعتماد على بدائل مكلفة”.

خطة بعيدة المدى.. إصلاح واستثمارات بالمليارات

يشدّد خالد أبو دي على أن قرار تعديل التعرفة نابع من دوافع تقنية ومالية داخلية، موضحاً أن “الخطوة ليست مجرد رفع أسعار، بل هي جزء من خطة مرحلية لإعادة هيكلة التعرفة، تشمل شرائح مدعومة للأسر محدودة الدخل، وأخرى بسعر قريب من التكلفة للقطاعين العام والخاص”. 

ويضيف أن الخطة تهدف إلى وقف نزيف الخسائر وتمويل الصيانة والتشغيل وزيادة ساعات التغذية.

اقرأ أيضاً: سوريا تحتاج 5 سنوات لإنهاء مشكلة الكهرباء بتكلفة 40 مليار دولار

تراهن الحكومة السورية على مذكرات تفاهم وقعتها وزارة الطاقة في مطلع العام الجاري مع شركاء من الولايات المتحدة وتركيا وقطر لبناء 4 محطات لتوليد الكهرباء بتمويل يصل إلى 7 مليارات دولار. وستبلغ القدرة الإنتاجية للمحطات، المرتقب تشييدها في شمال حلب وحمص ودير الزور ودمشق، 5000 ميغاواط، وهو ما قد يساعد بشكل مؤثر على حل مشكلة التغذية.

لكن يبقى السؤال حول قدرة المواطن على تحمل التكلفة، في بلد يعيش 90% من سكانه تحت خط الفقر، وفق تقديرات البنك الدولي. 

ولحين حسم الإجابة، يبقى السوريون بين خيارين: تقنين استخدامهم للكهرباء أو دفع الفاتورة كاملة.

المصدر : الشرق بلومبرج