تلقي الانتخابات الأميركية المرتقبة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، واحتدام السباق الانتخابي بين الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب ونائبة الرئيس جو بايدن والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، بمزيد من عدم اليقين السياسي الداعم لصعود الذهب بقوة خلال الأسابيع المقبلة.

وتشكل سياسة كلا المرشحين الاقتصادية، بما في ذلك التعريفات الجمركية على الواردات وقيود الهجرة التي يعتزم ترمب فرضها، فضلاً عن ضوابط الأسعار وضرائب مكاسب رأس المال غير المحققة من جانب هاريس، درجات متفاوتة من الأخطار على النمو الاقتصادي الأميركي، مما دفع بنك “ستاندرد تشارترد” إلى تفضيل تخصيص حصة كبيرة من المحافظ الاستثمارية للذهب، كتحوط فاعل ضد الركود والأوضاع الجيوسياسية والتضخم والافتقار إلى ضبط النفس المالي.

وبحسب الرئيس التنفيذي للاستثمار شمال آسيا في البنك ريموند تشنغ، فمن المرجح أن يكون الارتفاع الملحوظ الذي شهدته أسعار السبائك بنسبة تزيد على 20 في المئة منذ بداية العام أخذ في الاعتبار عدداً من الأخطار التي تراوح بين العوامل الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي، ومع ذلك، يعتقد البنك البريطاني، في تقرير، بأن الرياح المواتية يمكن أن تساعد في الحفاظ على زخم الأسعار ومساعدة المعدن النفيس في تحقيق مزيد من المكاسب على مدى الأشهر الستة إلى الـ12 شهراً المقبلة.

تقلبات أغسطس

بعد التقلبات التي شهدتها الأسواق في أوائل أغسطس (آب) الماضي، هدأت التقلبات في أسواق الأسهم، لكن التغييرات في أسعار الصرف الأجنبي لم تتراجع بالكامل، مما يعكس التباعد في السياسات النقدية العالمية.

ورفع بنك اليابان أسعار الفائدة للمرة الثانية هذا العام، ثم أكد بعد ذلك عزمه على رفع أسعار الفائدة مرة أخرى، ويمثل هذا تناقضاً صارخاً مع البنوك المركزية الكبرى الأخرى التي تتبنى نهجاً تيسيرياً، إذ أدى تباطؤ سوق العمل في الولايات المتحدة إلى رفع التوقعات ببدء بنك الاحتياط الفيدرالي دورة خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام.

ويلفت التقرير إلى أنه في وقت كان بعضهم يزعم أن توقعات السوق من بنك الاحتياط الفيدرالي كانت مفرطة في العدوانية، أرسل رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي جيروم باول إشارة داعمة في ندوة “جاكسون هول”، إذ لم يؤيد فقط “أن الوقت قد حان” لخفض أسعار الفائدة، بل احتفظ أيضاً بخيار إجراء خفوضات أكبر.

ضعف الدولار الأميركي

ومن المرجح أن يصبح ضعف الدولار الأميركي الناتج من ذلك، إلى جانب الانخفاض المتوقع في عائدات السندات (أي الكلفة البديلة لحيازة الذهب)، بمثابة الحصن المنيع وراء مزيد من المكاسب المستدامة في أسعار الذهب، بحسب ما يقول بنك “ستاندرد تشارترد”.

ويبدو أن أسعار الذهب المرتفعة إلى مستويات قياسية أدت إلى تثبيط الطلب الصيني على الذهب خلال الأشهر الماضية، إذ تُظهر البيانات أن السلطات الصينية لم تضِف الذهب إلى الاحتياطات الرسمية منذ مايو (أيار) الماضي، كما شهد استهلاك المجوهرات الذهبية على نطاق أوسع في الربع الثاني من هذا العام انخفاضاً بنسبة 35 في المئة مقارنة بالعام الماضي، في حين يخشى كثيرون أن تكون هذه الاتجاهات دليلاً على أن قوة أسعار المعدن النفيس ليست مستدامة، ومع ذلك ورد أن مصارف صينية عدة حصلت على حصص إضافية من استيراد الذهب في منتصف أغسطس الماضي، مما قد ينذر بعكس اتجاه الطلب الصيني نحو الانخفاض.

وكان بنك الاحتياط الهندي يخزن الذهب طوال العام على رغم ارتفاع أسعاره، واستناداً إلى أحدث البيانات المتاحة من مجلس الذهب في الـ19 من أغسطس الماضي، استحوذ البنك المركزي الهندي على 44.3 طن من الذهب حتى الآن هذا العام، متجاوزاً 16 طناً و33 طناً في عامي 2023 و2022 على التوالي، ويمثل الذهب الآن 8.8 في المئة من احتياطات النقد الأجنبي الرسمية للهند، مقارنة بأقل من خمسة في المئة للصين.

طلب هندي مرتفع

وتعمل الهند على تحفيز المستهلكين الهنود على الشراء، إذ خفضت موازنتها الاتحادية في يوليو (تموز) الماضي الرسوم الجمركية على واردات الذهب من 15 إلى ستة في المئة، ومع اقتراب موسم الأعياد في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تشير تقديرات مجلس الذهب العالمي إلى أن الهند ستسجل طلباً استهلاكياً إضافياً لا يقل عن 50 طناً لبقية هذا العام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة إلى الذهب قوية، ومع ذلك تراجع مؤشر الفائدة المفتوحة للذهب (وهو مقياس لموقف المستثمر) بصورة مفاجئة بأكثر من 10 في المئة عن أعلى مستوى في يوليو الماضي، ومن المرجح أن يؤدي التراجع الفني في أغسطس الماضي إلى دفع الاستراتيجيات التي تتبع الاتجاه إلى التخلص من أكثر من 10 مليارات دولار أميركي من المراكز الطويلة، بالتالي، يوفر الموقف غير المزدحم نسبياً خلفية مواتية لارتفاع أسعار الذهب على نحو مستدام.

ووفق البنك البريطاني، أثبت الذهب جدارته في تحقيق أداء أفضل في أوقات التقلبات الشديدة، إذ حقق الذهب عائداً متوسطاً بلغ 11.8 في المئة خلال فترات الركود الاقتصادي الـ11 الماضية منذ عام 1953، وتعمل الأخطار الجيوسياسية المتزايدة على تعزيز الطلب على الملاذ الآمن، في وقت تشكل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط عاملاً داعماً لأسعار الذهب.

بصورة عامة، وبعيداً من الذهب، فإن محفظة الاستثمار المتنوعة تضمن تخصيصات متوازنة للسندات والأسهم، ومن شأن الخفوضات الوشيكة لأسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي أن تولد إمكانات ارتفاع أسعار السندات، في حين ينبغي أن تدعم الأسهم نمو الأرباح، وفي هذا السياق، يمكن أن يوفر الذهب تنويعاً قيّماً يتمتع بدوافع إيجابية مستقلة، فضلاً عن الخصائص التي تجعله إضافة قيّمة إلى أي محفظة متنوعة من هذا القبيل، بحسب ما يخلص “ستاندرد تشارترد”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية