الشارقة: رضا السميحيين
في أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب تتجسد الحكاية كلها في هذه الصورة، رجل تجاوز اللحظات التي تقاس بالأيام والسنين، وانغمس في لحظة لا يربطها سوى خيط خفي بينه وبين الورق، يقلب صفحات عتيقة بعناية، كأنما يلمس ذاكرة قديمة، أو يستدعي من بين الحروف صوت الذين كتبوا ورحلوا، ومن حوله تتكدس الكتب كجبال من المعرفة والحنين، في صمت دافئ لا يقاطعه سوى خشخشة الورق حين تقلبها أنامله.
هنا، في معرض الشارقة للكتاب، يلتقي الناس بالكتب، ويلتقون بأنفسهم من جديد، فالعنوان الذي تحمله الدورة «بينك وبين الكتاب» يعبر عن حالة إنسانية خالصة، فبين القارئ والكتاب علاقة تشبه الصداقة القديمة التي لا تبلى، تتجدد كلما التقيا، مهما طال الفراق.
هذا الرجل، وكثيرون مثله في الأروقة، لا يبحث عن كتاب جديد، بقدر ما يبحث عن ذلك الشعور الأول حين لمس الورق لأول مرة، عن رائحة الحبر المعتق، وانحناءة الصفحة، والخطوط المتعرجة على الهامش، كلها تفاصيل تعيد إلى القلب طمأنينة خاصة في عصر هيمنة الشاشات الالكترونية، لتبرز في ملامحه ما يوحي بأن القراءة هذا الفعل الثقافي هي في جوهرها، طقس من الوفاء لزمن كانت الكلمة فيه ميزان الوعي، والكتاب بوابة العوالم كلها.
«بينك وبين الكتاب» هي مسافة لا تقاس بالسنوات ولا بالأرفف وما ترتب عليها من كتب، وإنما تقاس بالنبض الذي ينتفض حين تجد فكرة تشبهك، أو حتى جملة تنقذك من عزلة، أو حكاية تذكرك بأنك جزء من تجربة إنسانية عالمية، وفي معرض الشارقة للكتاب، تعود هذه العلاقة لتزدهر في عيني كل زائر يحمل دهشة ورونق اللقاء الأول، الصورة تقول أكثر مما قد تكتبه الكلمات، ما زلنا بخير ما دام بيننا من يمد يده إلى كتاب، وما دام هناك معرض يحتفي بالقراءة وبالحياة، فإن المسافة بين الإنسان والمعرفة ستظل قصيرة، ودافئة، ومليئة بالشغف.
المصدر : صحيفة الخليج